ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 04/01/2013 Issue 14708 14708 الجمعة 22 صفر 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

قال لي ذات صباح ديسمبري بارد وهو يبصرني بثقل مليء بالغبش ومواجع العجاف من السنين توقظ ليله، فلا يدري على أي شيء يتكئ، أعلى جدار أسمنتي بارد، أم على عصا غليظة يستعين بها عنوة للجلوس، لأنه إذا جلس لا يستطيع النهوض، وإذا نهض لا يستطيع الجلوس، والحراك بين الحالتين مؤلم وموجع وبه أنين وتعب.

قال لي بثقل كلامي ومخارج حروف غير واضحة ويدين مرتعشتين: تسعون عاماً مضت من رحلة الحياة المنهكة وكأنها يوم أو بعض يوم، وما كسرتني الرياح يوماً، سوى وحدتي القاسية وصرير الباب في الشتاءات الباردة، يؤنسني مواء القطة العجوز التي تقبع هناك في الزاوية البعيدة وصوت أطفال جارنا الصغار حينما يلعبون في باحة بيتهم المجاور. ليس لدي مال ولا خيل ولا ضرع بقرة ولا ولد ولا ظل شجرة، لقد تغيرت الأرض حتى صارت عندي غير الأرض، وأختلط القمح بالعوسج، وصار الناس غير الناس، حتى لكأنهم غرباء، وما بقي بالحي معين. تسعون عاماً من اللهاث والكبوات والمحاذير ومقاومة الصعاب وأنا أقاوم قدري، لم أحن رأسي ولا قامتي ولا هامتي سوى للخالق العظيم، ولم تمتد يدي ولم تجرؤ ولم تتطاول على العبث بمقدرات الآخرين ولا لساني بشؤون الآخرين ولا قدمي سارت نحو المحظور لا في وضح النهار ولا في عتمة الليل ولا في وقت الغسق. أنا الآن يا بني أصبحت مثل ذاك الرجل المريض الذي أصبحت تتعاقب سبابتيه انتظاراً للأجل المحتوم، والنهاية لم تعد ببعيدة حتى وإن حاولت التطلع وتكبير الأمل ووضع ورقة التوت المبللة بالماء على عيني المتعبتين. الزمن يا بني ليس زماني، أنا في زمن تقاطعت فصوله، لقد ضاقت علي دائرة الضوء وزادت العتمة، في حنجرتي غصة أشبه ما تكون بالحجر، قلبي تعرى من قوته وصلابة، واكتسى رداء الضعف والطراوة، عشقت تقاطيع الوداع وصباح الفراق، لكنني سأواصل رحلة عمري المقدرة لي منفياً في زمن الغير. يا بني لا تهجرني مر علي بين فينة وأخرى لأنني ربما أموت بلحظة فلا تدعني لنهش الفأر والقطة، فقط جهز لي الكفن والحفرة واقرأ علي تراتيل الدعاء الكثيف. حينها صمت لينام بعمق بعد أن ذرفت عينه دمعة حرى، خرجت بعدها متسللاً بحذر من غرفته الضيقة الباردة وبي شيء من الحزن والوجع والبرد والتساؤلات الكبيرة.

ramadanalanezi@hotmail.com
ramadanjready @

عجوز منفي في زمن الغير!
رمضان جريدي العنزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة