ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 04/01/2013 Issue 14708 14708 الجمعة 22 صفر 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الأخيــرة

يتشاكى بعض الشارع السعودي من عدم شعوره بنتائج مليارات الميزانية، ويستشهد ببعض ما سمعه عن كبار السن الذين أدركوا طفرة البترول الأولى. والطفرة الأولى 1973-1984م جاءت والبلاد في حالة بدائية اقتصادياً وعلمياً، لا تسمح إلا بالتخطيط المركزي من الحكومة، وخاصة أن عدد السكان آنذاك كان لا يتجاوز المليونين. فلقلة السعوديين آنذاك وحالة البلاد البدائية، كان الانتقال إلى حالة أفضل نسبياً أمر ملحوظاً للناس. ثم مرت علينا عشرون سنة عجاف أكلت البنية التحتية وأهلكت كل ما استثمر في العشر سنوات السمان التي أتت قبلها، (فقد كانت الميزانية خلال تلك الفترة تصارع من أجل دفع رواتب الموظفين في ظل الحفاظ على سعر الريال ثابتاً دون تخفيض قيمته، مما ضاعف العبء على الميزانية عشر أضعاف تقريباً -بانخفاض أسعار وإنتاج النفط-). وجاءت طفرة اليوم مع عام 2004، وقد تضاعف عدد السكان عشرة أضعاف إلى عشرين مليوناً، وتقدم العالم في تلك العقدين تقدماً هائلاً، مع جمود تطويرنا للبنية التحتية والاقتصادية والعلمية والتي أيضا لم تزد تناسباً مع زيادة السكان، بينما كنا قد استهلكنا محاسبياً وواقعياً ما استثمر في الطفرة الأولى. وحتى استثمارنا في العقل السعودي البشري آنذاك في البعثات وغيرها، قد ضاع معظمه وتخلف مع الجمود الفكري والعلمي الذي لحقه بسبب جمود الاقتصاد والانشغال بخطاب الصحوة في تلك العقدين. فالمقارنة بين الأثر الاقتصادي والحضاري المباشر والشامل الذي شعر به الناس في الطفرة الأولى والأثر الذي يشعر به الناس اليوم هو مقارنة خاطئة. كما أن المقارنة الصحيحة العادلة لا تكون بيننا وبين بعض من دول الخليج التي هي قليلة العدد، ولا تقيدها القيود الثقافية التي عندنا، ولا تحفُظ عندهم -لقلة عددهم- على استجلاب الأجانب وتنصيبهم في أعلى المراكز القيادية التطويرية. بل المقارنة الصحيحة والعادلة تكون بيننا وبين الصين.

والأمور نسبة وتناسب، فوجه الشبه بيننا وبينهم أن الصين اشتراكية تطبق مفهوم التخطيط المركزي مثل ما كنا عليه، وبنيتهم التحتية والعلمية التي كانوا عليها في الثمانينات تشابه نسبياً بيئتنا التحتية والعلمية التي انتهينا إليها عام 2004 بعد العشرين السنة العجاف. فحالنا اقتصادياً وإدارياً بعد انتهاء السنوات العجاف عام 2004م يتناسب -نسبياً- مع حال الصين عند بداية نهضتها الاقتصادية، اللهم أن الحكومة السعودية كانت تكافح في السنوات العجاف على أن لا ينكشف الوضع، حتى تحملت الديون العظيمة واستهلكت احتياطاتها وبنيتها التحتية. ووجه الاختلاف بيننا وبينهم، أن محرك الاقتصاد لديهم هو انضباط الشعب الصيني وتقدمه علمياً نسبياً، وهذا أعظم أثراً من محرك الاقتصاد لدينا وهو البترول، فلا يُتحجج بالبترول كأساس لنقض هذه المقارنة.

واليوم هذه هي الصين التي يغرد العالم بنجاحها، ويوجد فيها فقر مدقع غالب على معظم شعبها، وفيها تخلف عظيم شامل في كثير من أنحائها من ناحية البنية التحتية والصحة والتعليم. والشاهد الذي أريد الوصول إليه، أن الجميع يشهد بتقدم الصين المذهل ولكن العقلاء يدركون أن النهضة الاقتصادية والحضارية هي مشاريع إستراتيجية طويلة الأمد لا تظهر نتائجها سريعاً في غضون أعوام قليلة، وخاصة إذا كانت البلد قد ورثت ثقافة فكرية وإدارية مثبطة. وهذه الصين قد بدأت طفرتها منذ ثلاثين عاماً ونحن بدأنا منذ ثمان سنوات، وقد أصبحنا كفرسي رهان في المنافسة على التقدم والنمو -كما صرح معالي وزير الاقتصاد الدكتور الجاسر في لقاء له مع العربية-، واليوم نسبة الفقر في الصين والتخلف والطبقية والفساد مرتفعة جداً، ولا تقارن مطلقا بما عندنا.

ومن مطالب بعض الشارع أن تعطيه الحكومة المال مباشرة. وهذا وإن كان لا يُتصور من مُدرك لمبادئ التنمية، إلا أنه واقع عندنا لكنه إعطاء فيه نوع من التوجيه. فمئات المليارات أُنفقت مباشرة ليد المواطن ولكن الناس لا يشعرون في الابتعاث والقروض السكنية والصغيرة، ولا يكاد يوجد بيت سعودي ولم ينله مئات الآلاف من هذه العطايا. وهناك حافز وصندوق التسليف والضمان الاجتماعي وغيرها.

ومن الناس من يطالب بإنفاق الاحتياطات على الشعب ويحتج بوجود بعض الفقر. فهذه الصين فيها مئات الملايين من الفقراء المدقعين، وغالب بنيتها التحتية من العصور القديمة وهي -على كرهها لأمريكا- تشتري تريليونات الدولارات من أجل الحفاظ على انخفاض عملتها. فالاقتصاد مترابط بعضه مع بعض ولا يصلحه التفكير السطحي من مدعي علم الاقتصاد. وكذلك نحن نستثمر الفوائض في الخارج لعدم إمكانية تحمل الاقتصاد لها بالداخل، ولتكون مخزوناً نقدياً يمتص ذبذبات أسعار البترول وواقياً زمنياً لاحتمالية انهيار أسعاره بالبدائل أو بتباطؤ النمو العالمي.

ومما يتساءل عنه الناس هو أرقام الميزانيات الضخمة للمشاريع. وهذا التساؤل هو أيضا بسبب موروثات العشرين العجاف. فلم يألف الناس في تلك العجاف أي مشاريع تُذكر، كما أننا قد عشنا فيها فترة خالية من التضخم -بسبب عدم النمو- بينما عاش العالم تضخما عالياً.

وخلاصة القول، إن مليارات الميزانيات تُصرف في مشاريع تنموية إستراتيجية بعيدة المدى ولها عوائق تؤخرها -أذكرها في مقال الغد- ولكن السكوت من الوزراء والمسؤولين عن توضيح الأمور للشارع والتواصل معهم لدحض الإشاعات والرد على الأقاويل هو سبب هام من عوائق التنمية الحضارية والثقافية وصارف يصرف الحكومة عن الاستثمار الأمثل لفوائض النفط في بعض المشاريع الإستراتيجية البعيدة المدى من أجل الاستعجال بمشاريع تُنفذ سريعا من أجل تخفيف الإشاعات. وحل الإشاعات وقلبها إلى تعاضد من الشعب سهل، وذلك بتفنيدها وإظهار الحقائق والأرقام، ولكن ثقافة الصمت الموروثة من التخطيط المركزي ومن الخطاب الديني تُجفل الوزراء والمسؤولين من محاولة كسرها.

hamzaalsalem@gmail.com
تويتر@hamzaalsalem

المسكوت عنه
أين تذهب مليارات الميزانية؟
د. حمزة بن محمد السالم

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة