ارسل ملاحظاتك حول موقعناTuesday 08/01/2013 Issue 14712 14712 الثلاثاء 26 صفر 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

تسعى الدول جاهدة لتحقيق التنمية المستدامة. والتنمية مفهوم شامل أعم من مفهوم النمو، فهي تعني النمو المتوازن الذي يشمل جميع قطاعات المجتمع ويحافظ على الانسجام والسلم المجتمعيين، أما النمو فيعني فقط ازدياد وتضخم ثروة المجتمع أو الدولة متزامناً مع سوء.....

..... توزيع لهذه الثروة. وقد بدأ الاهتمام بالانسجام المجتمعي في الآونة الأخيرة على مستوى عالمي بعد أن أظهرت الإحصائيات العالمية أنه نتيجة للعولمة والتغيرات السريع المتلاحقة حدث انتقال سريع للثروات في بعض المجتمعات حيث انتقلت وانحصرت في أيدي القلة على حساب الأغلبية مما تسبب في كثير من القلائل والأمراض الاجتماعية في جميع دول العالم تقريبا، وتسبب ذلك في احتشاد طبقات المحرومين في كثير من المجتمعات للمطالبة بالعدالة الاجتماعية. فبالقدر الذي تضاعفت فيه ثروات الدول استفحل الفقر والأمراض الاجتماعية فيها، وهو تناقض غير مسبوق في التاريخ الحديث.

وعقدت هيئة الأمم المتحدة، قسم الاقتصاد والشئون المجتمعية، ندوة في نيويورك في مطلع العالم المنصرم كان محورها «الانسجام المجتمعي في العالم المتحول»، وتبحث في انعكاسات التغيرات الاقتصادية المتسارعة على السلم والانسجام المجتمعيين في البلدان المتقدمة والبلدان الصاعدة. وأوصت الندوة جميع الدول بالاستثمار في الانسجام الاجتماعي كصمام أمان لضمان استقرارها واستدامة نموها، وحذرت من الانعكاسات الخطيرة لتجاهل السلم المجتمعي. وقد أدركت دول كثيرة أهمية هذه الدراسات: الاتحاد الأوربي، وكندا، واستراليا، والبرازيل، والهند وغيرها، وأنشأت أجهزة رسمية تعنى بالانسجام المجتمعي، ووضعت سياسات مهمتها الحفاظ على تماسك المجتمعات من التطورات السريعة في الاقتصاد. ومن أهم هذه السياسات القضاء على الفقر والبطالة. كما أصدرت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية العالمية عدة تقارير حذرت فيها من الفقر وانعدام التوازن في الدخل وشخصتهما على أنهما الخطران الأهم على التنمية واستدامة الاستقرار.

وترى تقارير الأمم المتحدة أن من أهم عوامل دعم الانسجام الاجتماعي هي حماية المواطنين من مخاطر المستقبل، وزرع ثقة المواطن في جاره وفي مؤسسات الدولة، وزرع روح التفاؤل لديه بإمكانية استمرار وظيفته وتحسين مستقبله ومستقبل أبنائه وعائلته. ولذلك ينصح التقرير الدول بأن تحاول إشراك جميع أفراد المجتمع وقطاعاته في عملية التنمية، وأن تتبنى الدول في مشاريعها وخططها الاقتصادية سياسات شاملة جاذبة لقطاعات المجتمع كافة، لا برامج إقصائية طاردة تستفيد منها فئة قليلة في المجتمع على حساب البقية. ويربط التقرير الانسجام الاجتماعي بثلاثة عوامل رئيسة: الشمولية الاجتماعية، وتعتمد على المدى الذي يسمح فيه للمواطنين بالمشاركة بقدر متساو وبفرص متكافئة في الجوانب الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية للمجتمع؛ اللحمة الاجتماعية، وتعني مدى ثقة المواطنين ببعضهم البعض الآخر، وثقتهم بمؤسساتهم، وأنظمتهم ومسئوليهم، ومدى قوة إحساسهم بالانتماء للمجتمع؛ المرونة الاجتماعية، وتعني إحساس المواطنين بإمكانية تحسين أوضاعهم وضمان مستقبل أفضل لهم. ويذهب التقرير إلى أنه على الحكومات في ظل المتغيرات الحديثة التي طرأت على العالم أن تعيد النظر في سياساتها وأنظمتها لتضمن مشاركة أكبر عدد من أفراد المجتمع في القرارات عبر تفعيل مؤسسات مدنية تضمن ذلك، ويتطلب ذلك تضافر جهود الحكومات وأصحاب المصالح الكبرى في القطاع الخاص في ذلك، لأنه بدون السلم والانسجام المجتمعي لا يمكن استدامة التنمية.

وقد وضع الاتحاد الأوربي إستراتيجية شاملة للانسجام المجتمعي في عام 2004م جاء فيها أن الاتحاد الأوربي عليه ليس فقط تجنب تشرذم المجتمع وانقساماته بل واتخاذ خطوات عملية لاستعادة وزيادة وحدته وتلاحمه. وكانت أجراس الإنذار لاستعجال مثل هذه الإستراتيجية التغيرات المفاجئة التي طرأت على أنماط العمل، وأشكال البطالة في العقد الأخير من القرن السابق نتيجة للعولمة وزيادة حدة التنافس الاقتصادي على المستوى الدولي. وكان من أهم ما خلص له التقرير أن هناك ضرورة قصوى لخلق نوع من التوازن في دمج الأجيال الشابة في المجتمع بشكل أسرع وأعم وأعمق مما كان معمول به سابقا، وأن يتم دمجهم في التخطيط لمستقبل البلاد ليشعروا بالثقة في مستقبلهم ومستقبل بلادهم. ثم دعم الأفراد والعائلات الفقيرة والمحتاجة بشكل استثنائي. وتقديم الخدمات الإنسانية الأساسية: التعليم، والصحة، والسكن لجميع المواطنين بشكل ميسر، كل حسب إمكانياته وقدرته. وكذلك الاهتمام بالمهاجرين والمجموعات الهامشية بهدف دمجها بشكل كامل في المجتمع. وخلص التقرير إلى أن الانسجام الاجتماعي مسئولية للجميع دون استثناء وعلى وجه الخصوص مؤسسات القطاع الخاص.

وقد اتفق الباحثون بأن للوضع الاقتصادي والمادي للمجتمع: الدخل، البطالة، الصحة، المعيشة، والسكن تأثيراً كبيراً على السلم المجتمعي لأن لهذه العوامل فرادى أو مجتمعة أثراً كبيراً على علاقة أفراد المجتمع وطبقاته ببعضها، فالفقر والدين مثلاً يولدان الإحباط والحقد على مؤسسات المجتمع والطبقات الأخرى، والبطالة تفقد المواطن تدريجياً ثقته في نفسه واحترامه لذاته وبالتالي تولد لديه عدم الاكتراث بالمجتمع من حوله والانخراط في أنشطة معادية له قد تدفعها رغبة دفينة للانتقام. ومن يعيد قراءة الأحداث فسيعرف أن بعض الدول الغربية نجحت في تجنب تفاقم بعض الأزمات في مجتمعاتها، بينما انتشرت المظاهرات في اليونان، وإيطاليا، وفرنسا وأسبانيا، وما زالت الأزمات تتفاعل مما زاد من شعبية الأحزاب المتطرفة فيها.

بينما قاد انعدام الانسجام الاجتماعي إلى بروز احتجاجات اجتماعية واسعة في ما يسمى بدول الربيع العربي أدت إلى سقوط أنظمتها، وحار المراقبون في تصنيفها، هل هي ثورات، أم مؤامرات، أم حركات تمرد الخ.، والحقيقة أنها كانت استجابات قوية لانعدام عوامل التجانس المجتمعي بسبب تكدس الثروات لدى القلة وانسداد الأفق والأمل أمام الأغلبية. وفي جميع الدول: أوربية، ولاتينية، وعربية كان الاتجار بالعقارات واحتكار الثروات أهم عوامل تقسيم المجتمع. فالعقارات تضخمت على مستوى عالمي، وساعد على ذلك انفتاح الأسواق وسهولة تنقل رؤوس الأموال بسبب العولمة، وكذلك تلاعب ما يسمى بالأموال الساخنة بأسواق المال مما تسبب في إفقار قطاعات كبيرة من المجتمع، وتآكل الطبقة الوسطى، وتركز الثروات في طبقة صغيرة تستثمر أموالها في صناديق عالمية على حساب التنمية القطرية. وتجمع الأبحاث أن فئة الشباب هي الضحية الأولى في هذا التغير، وأنها هي الفئة الأخطر على استقرار المجتمعات مستقبلا.

الدول التي بدأت تضع الانسجام المجتمعي في حساباتها بدأت تعيد حسابات ميزانيتها السنوية، ومشاريعها الجديدة بما يكفل توزيع أكبر وأفضل للثروة ويكفل تعزيز الانسجام المجتمعي. وهنا علينا نفكر ملياً بسياستنا المالية الداخلية بما يكفل مشاركة واستفادة الجميع من خيرات الوطن. فالقول بأن الصرف الضخم على البنية التحتية يفيد المواطن بشكل غير مباشر صحيح نظرياً واقتصادياً، ولكن الواقع قد يختلف عن النظرية لتداخل العوامل الاجتماعية مع الاقتصاد بحيث يمكن القول إن هذه النظرة تتجاهل كلياً الانسجام المجتمعي، والمخاطر المترتبة على ذلك بما في ذلك مخاطر قد تكون ذات كلفة اقتصادية عالية. فالمواطن يستعجل الخير ويريد انعكاساً مباشراً للميزانية عليه.

والأمر ذاته ينطبق على القطاع الخاص الذي يرى أن حرية السوق المتاحة تعني فقط مضاعفة الأرباح ولا تعني مضاعفة المسئولية الاجتماعية، فيتم استغلال المواطن متى ما كان ذلك سانحاً والظروف مؤاتية، وهذه السياسة تعاني من قصر النظر ولا تلبث أن ترتد على أصحابها بسبب إضعاف القدرة المالية لدى متوسطي الدخل على المديين المتوسط والبعيد؛ وتؤثر بشكل مباشر على مؤسسات الإنتاج المتوسطة والصغيرة، مما يؤدي إلى انكماش الطلب وتقلص القوة الشرائية وربما لا سمح الله عدم استقرار بيئة المجتمع الاستثمارية. بينما الربح المعقول، والتوسع في توظيف الشباب يؤدي إلى استدامة الدورات الاقتصادية وانتعاش الاقتصاد ككل. فالقول باستفادة المواطن على المدى البعيد، وبشكل غير مباشر من الإنفاق الحكومي صحيح لكنه ناقص وله مخاطره أيضا.

latifmohammed@hotmail.com
Twitter @drmalabdullatif

التنمية والانسجام المجتمعي
د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة