ارسل ملاحظاتك حول موقعناSaturday 12/01/2013 Issue 14716 14716 السبت 30 صفر 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

أثارت مغادرة الممثل الفرنسي المشهور جيرار دوبارديو لموطنه الأصلي فرنسا والسعي للحصول على الجنسية الروسية بسبب ما سماه الضرائب الهائلة التي تفرضها حكومته على مواطنيها، موجة من النقاشات المحتدمة على مستوى العالم حول عدالة وجدوى النظام الضريبي من عدمه. وتفرض الحكومة الفرنسية

ضرائب تتنوع بحسب الدخل، حيث يبنى النظام الضريبي هناك على فكرة أنه كلما زاد الدخل زادت نسبة الضرائب وفي حال الممثل المذكور فقد تجاوز دخله السنوي المليون يورو مما سيضطره إلى دفع 75% من هذا الدخل كضريبة أي يبقى له فقط 225 ألف يورو من المليون في حين تعتمد الحكومة الروسية التي شد جيرار إليها الرحال نظاما ضريبيا موحدا يقوم على اقتطاع ما مقداره 13% من الدخل السنوي مهما بلغ.

وهذا الفارق الكبير في النظام الضريبي هو ماحدا بالمثل المشهور إلى التنازل عن جنسيته لصالح الجنسية الروسية وأشعل النقاش حول العالم بشأن نظام الضرائب الذي تستخدمه تقريبا معظم دول العالم لتوفير دخل لها يغطي الخدمات الأساسية التي تقدمها للمواطن من تعليم وصحة وطرق وجيش.. الخ، فكل الدول تقريبا لا تمتلك الدخل وتقوم بتوزيعه على القطاعات كما هي الحال في الدول الخليجية الريعية التي تعتمدها في ريعها الأساسي على مصادر خارجية كريع مثل البترول الذي تستخرجه حكومات الدول الخليجية من الأرض وتبيعه في الأسواق العالمية ثم تستخدم عوائده السنوية في الأنفاق الحكومي على الخدمات والمشاريع العامة، بحيث لا يمثل نظام الضرائب (على الأقل في القوت الحاضر) أي أهمية لهذه الدول.

بالطبع لا يرغب أي منا في دفع ضرائب مرتفعة بهذا الشكل تلتهم 75% مما يجنيه، لكن في نفس الوقت نرغب جميعا في الحصول على خدمات جيدة تتيح لأبنائنا تعليما جيدا، وتتيح لنا تلقي خدمات صحية متى ما احتجنا إليها، وتتيح توزيعا عادلا لخدمات الطرق والبلديات والمشاريع العامة بين المناطق والقرى والهجر كافة مهما بعدت عن المراكز الحضرية الأساسية.

ولا شك أننا محظوظون بتوافر خدمات تعليم وصحة مجانية، بل إن طلبتنا في الجامعة يدفع لهم حتى يبقوا فيها! وإذا كان هذا حالنا فلماذا لا يكفي دخل الموظف المتوسط ليغطي نفقاته ويقوم بالادخار والاستثمار؟ ومادام أن كل شيء بالمجان، فالمفروض أن تتوافر كافة الخدمات لكل المواطنين أينما كانوا، ومهما كانوا.. مهمين أو غير ذلك.. قريبين من صانعي القرار أو قاطنين لقري نائية لا يعرف طريقها إلا أهلها؟

من الناحية النظرية يبدو هذا الكلام معقولا لكن الواقع يشي بخلاف ذلك، فالمدن الرئيسية تعج بأحيائها الفقيرة وبمدنها الصفيحية المنسية، والعابر لأي من مدن وقري المملكة خلاف الرئيسية سيدرك إلى أي مدى تفتقر هذه المناطق إلى أبسط الخدمات الأساسية من مدارس مجهزة وخدمات صحية ومجارٍ وسندرك فور اضطرارنا إلى التعامل مع أي من قطاعاتها الحكومية أن هذه المناطق المهمشة لا تعطي سوى النزر اليسير من الخدمات، حيث دفعت أبناءها للهرب منها ففاضت بهم المدن الرئيسية كالرياض وجدة والدمام بحثاً عن مدرسة معقولة لأبنائهم وجامعة قريبة تتوافر فيها بعض الخيارات ومستشفى يهرعون إليه عند الحاجة، بحيث يقدر أن 80% من سكان المملكة يقطنون الآن في هذه المناطق الرئيسية.

وحين ندخل إلى المناطق الرئيسية التي تتمتع بميزة أن معظم صانعي القرار من الساسة والمهمين هم من سكانها ستعقد الدهشة ألسنتنا حين ندرك بعد أن نعيش بين ظهرانيها أن هذا المواطن الذي ترك قريته وقدم إلى المدنية بحثاً عن خدمات أفضل لن يجد مدرسة حكومية معقولة يُلحِق أبناءه بها، مما يضطره إلى إدخال أبنائه إلى المدارس الخاصة التي أصبحت تستنزف ربع دخل المواطن، كما أن الخدمات الصحية الحكومية تئن بالشكوى من تزاحم الخلق عليها وعدم قدرة الكثيرين من المواطنين الحصول على خدماتها إلا إذا كانوا منسوبي قطاعات معينة (جيش، أمن)، فازدهر قطاع الخدمات الصحية الخاصة التي لابد أن تدفع لها أموالاً طائلة حتى تسمح لك بالتمتع بخدماتها، وهذا يستهلك جزءاً كبيراً من دخل المواطن الذي حتى الآن لا يدفع الضرائب لكن 50% من دخله يذهب للمدارس والصحة والأكل وفواتير ساهر وبنزين المشاوير الطويلة في هذه المدن المكتظة، بحيث يلتفت هذا المواطن المسكين الذي يرفض نظام الضريبة إلى حقيقة بسيطة أنه لا يدفع ضرائب مباشرة للحكومة لكنه يدفعها لكافة القطاعات التي يسعى للحصول على خدماتها من تعليم وطبابة وطرق وخدمات بلدية وغيرها، بحيث يصل في نهاية المطاف إلى أن أكثر من 50% من دخله يصرف بحثاً عن مستوى معقول من هذه الخدمات في حين يذهب النصف الثاني لإيجار المنزل، فما الذي ادخره إذن وتهرب بسبب خوفه من فقده من النظام الضريبي؟!

كل هذا بجانب حقيقة أساسية جيدة وبديهية تقول بأنك طالما لم تدفع ثمناً لهذه الخدمات المتهالكة المحسوبة عليك فلا يحق لك كمواطن مساءلة أي قطاع خدمي أو حكومي ولا تتبع الأموال الطائلة التي تصرف على المشاريع العامة التي أظهرت الأرقام اليوم أن أكثر من 45% منها متعثر لسبب أو لآخر ومن ثم فالتعدي على الأراضي الحكومية أو الاستخدام الجائر لخدمات المؤسسات العامة لتركيزها لمجموعات فوقية خاصة، بحيث يخصص جهد هذه القطاعات العامة (خذ الصحة نموذجاً) لخدمة هذه الفئة وسوء إدارة المشاريع كلها حقائق نعرفها ونراها على أرض الواقع، لكننا لا نملك سلطة حقيقية للمساءلة والمتابعة كما هي الحال في البلدان التي تعتمد النظام الضريبي الذي يجعل كل مواطن مشارك فعلي في تقديم الدخل للحكومة التي تدير شؤون البلاد وتصرف الأموال التي جنتها لتوفير الخدمات العامة لكنها مسئولة مباشرة أمام الناس والبرلمان والحكومات المحلية عن أدائها فأي من النظامين نود إذن أن نتبنى؟

بين النظام الضريبي ونظام الدولة الريعية.. أين يجب أن نقف؟
د. فوزية البكر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة