ارسل ملاحظاتك حول موقعناSaturday 12/01/2013 Issue 14716 14716 السبت 30 صفر 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

خرجت استراتيجية وزارة الصحة بمبادئ أكثر من رائعة، تبشر على الورق بنهضة صحية، وتهدف إلى استقطاب وتطوير الكوادر البشرية، وتعزيز ثقافة العمل المؤسسي، والحوكمة، واعتماد مقاييس الجودة، ومراقبة الأداء والإنتاج، ومعالجة مواطن الضعف، التي وضعت لها الاستراتيجية المنشورة على موقع الوزارة الحلول، وركزت فيها على أهمية معالجة غياب الحوافز، وعلى تنويع الموارد المالية، وبشرت بالكادر الصحي الذي سيكون في تطبيقاته على الجميع الحل النموذجي لكثير من مواطن الضعف، التي من محاسنه كما جاء بالنص: العدل والمساواة، وكما ذكرت في المقال السابق أن ذلك المنطق غير صحيح في أساسه، وأيضاً غير دقيق في تطبيقاته، إذ يتم تطبيق كادرين على منسوبي وزارة الصحة أحدهما “حكومي”، والاخر لبرامج التشغيل الذاتي، التي تقدر أعدادها في الوزارة كما نصت عليه الاستراتيجية بأكثر من 59 برنامجاً، وتخطط الوزارة لزيادة عدد برامج التشغيل الذاتي.

تناولت الوزارة في استراتيجيتها أن أهم مواطن ضعف العناية الصحية فيها هجرة ممارسيها الصحيين إلى القطاعات الأخرى، وأنها بفرضها تطبيق الكادر الصحي الموحد على برامج التشغيل الذاتي في الوزارة، وعلى القطاعات الأخرى ستحد من تسرب ممارسيها إلى تلك القطاعات، وقد يتحقق أكثر من ذلك، فقد تتحول هجرة الممارسين الصحيين إلى قطاعاتها بسبب سلبية فرض الكادر الصحي على المستشفيات المرجعية، لأن الممارس الصحي سيبحث عن العمل في مستشفيات الصحة الثانوية العناية ليس من أجل وجود الحوافز والمرونة والعمل المؤسساتي، ولكن لأنه سيتقاضى نفس الراتب في ساعات عمل أقل، وفي ظل غياب التوتر وضغط الحالات المتخصصة، وسيكون لديه الوقت الإضافي للعمل في القطاع الخاص في المساء..

من أهم سلبيات تطبيق الفرض القسري لكادر التشغيل الذاتي لبرامج وزارة الصحة الثانوية العناية على المستشفيات التخصصية التي تهدف علاج الأمراض المستعصية، بدء التحول التدريجي للمستشفيات المرجعية والمتخصصة إلى مستشفيات تقدم الخدمة الصحية العمومية والثانوية العناية، وذلك لغياب الحافز الذي يدفع الممارس في الاتجاه نحو التخصصات الدقيقة، وبذل الجهد، وتحمل أخطار العمل المتخصص في تقديم العناية الطبية المتطورة، التي تحتاج إلى تدريب أطول وخبرات متراكمة، وسيؤدي أيضاً إلى هجرة بعض القدرات الطبية إلى الخارج، وقد حدث ذلك، والهجرة الأخرى كانت في بدء تسلل القدرات الطبية إلى مستشفيات القطاع الخاص والعمل الحرّ، بسبب جمود الرواتب وغياب الحوافز.

وقد بدأت بالفعل هجرة بعض الأطباء والممارسين الصحيين إلى القطاع الخاص سواء بالتفرغ أو العمل المسائي كما ذكرت أعلاه، ويوجد أمثلة حية على ذلك، وأضيف هجرة من نوع آخر، إلى القطاعات الإدارية في برامج التشغيل الذاتي، وقد ظهر ذلك التأثير في تحول كثير من الأطباء المتخصصين إلى قطاع العمل الإداري، وذلك للخروج من جمود وحدود الكادر الجديد، وبذلك تحولت قصص النجاح من الإبداع العلمي والمهني إلى الالتحاق بالقطاع الإداري، بعد أن تم اختزال الكوادر المفتوحة ذات الحوافز المرنة في قطاع الإداريين في برامج التشغيل الذاتي، وعلى هذا المنوال أصبح الطبيب الإداري هو الأكثر مكافأة والأعلى راتباً في القطاع الصحي السعودي!

يأتي بدء هجرة بعض الكفاءات الطبية إلى القطاع الخاص بسبب المرونة العالية التي تتمتع بها مستشفيات تقديم العناية الصحية الخاصة، إضافة إلى تشجيع الوزارة للقطاع الخاص من خلال الإعانات وزيادة أعداد تحويل المرضى إلى المستشفيات الخاصة، ذات الأهداف الربحية البحتة، وفي ذلك خروج عن أهداف الوزارة المعلنة، لأن العناية الصحية في العالم المتطور لا تعتمد إطلاقاً على القطاع الصحي التجاري في تقديم خدماتها الصحية، لكن تجعل من برامجها الصحية الأولية والثانوية العناية الخط الأول في تقديم عنايتها الصحية لمختلف المواطنين، وتعتمد في برامجها المتخصصة في علاج الأمراض المستعصية وبرامج الأبحاث العلمية على مؤسسات صحية غير هادفة للربح، تستفيد من إعانات الحكومة ومن برامج التأمين الصحي، ومن الإعانات المالية، ويدخل في ذلك برامج مستشفيات الإقامات المزمنة، وفتح الباب الخيري لتقديم المعونات والتبرعات لإقامتها، وبالتالي توفير الصرف المالي العالي من ميزانية وزارة الصحة على تشغيل المستشفيات الخاصة،

لكن هل كانت تدرك الوزارة أن الفرض الإجباري لتطبيق الكادر الصحي الضيق الأفق سيؤدي إلى هجرة الأطباء المتخصصين إلى القطاع الخاص، أم أن الأمر لا يتجاوز السهو التخطيطي الذي لم يكن في حسبانه على الإطلاق تجميد الكوادر الصحية في القطاعات المتخصصة، ثم منح القطاع الخاص المرونة الكاملة في استقطاب الكفاءات الطبية لغرض أهدافها المادية، وبالتالي وحسب نظرية العرض والطلب ستتحول مراكز العناية الطبية المتخصصة في المستشفيات المرجعية إلى مستشفيات القطاع الخاص، وفي ذلك تقويض لمستقبل العناية الصحية المتطورة في القطاعات الحكومية، وقد استغربت كثيراً عندما أشارت أحد بنود استراتيجية الوزارة الى تعريف خدمات العناية بالصحة في المملكة بتلك التي يقدمها القطاع العام والخاص على أنها تهدف بشكل مباشر إلى تحسين صحة ورفاه السكان، وذلك صحيح بالنسبة للقطاع العام، لكنه غير صحيح في القطاع الخاص، فالهدف ليس تحسين صحة السكان ورفاهية المواطن، ولكن ربح مادي بحت، لأن الأمراض غاية وسلع لها أسعارها وتكلفتها، والوباء الصحي في القطاع الصحي الخاص ازدهار صحي وسوق تجارية رابحة جداً.

بصريح العبارة غابت أهداف استراتيجية وزارة الصحة عن نتائج تطبيق الكادر الصحي، الذي صدر ليقوض ثقافة العمل المؤسسي، ويقضي على الحوافز، ويؤدي إلى اندثار الكوادر المتخصصة، عندما يجعل من العمل في المستشفى التخصصي مثل العمل في مستشفى عمومي يقدم عناية صحية ثانوية، لكن الأهم من ذلك أن شجع تسرب الكفاءات الطبية إلى القطاع الخاص أو إلى هجرتها خارج المملكة، ما يظهر من نتائج سلبية لتطبيقات الكادر يناقض أهداف استراتيجية الوزارة جملة وتفصيلاً، التي من أهمها تشجيع ثقافة العمل المؤسسي، وتنويع الموارد المالية، وتطوير أنظمه الرعاية الصحية في الدولة، ويؤدي إلى تقويض المستشفيات المرجعية، لأن القرار أصبح مركزياً أكثر من ذي قبل، كما غابت عنه المرونة والحوافز بعد أن أصبحت مرتبطة بمركزية موحدة تفتح باب المحسوبية على مصراعيه، كما غاب عن واقع العمل الميداني هدف قياسات الجودة والأداء في الواقع، وانعكاسها على الحوافز، التي أصبحت ثابتة، ولا تخضع لغير عامل الزمن، ولا بد من الخروج من ذلك بإقرار تحويل المدن الطبية إلى مؤسسات صحية مستقلة، غير هادفة للربح حسب نظام المؤسسات العامة في المملكة، ولا تخضع لكادر برامج التشغيل الذاتي في مستشفيات العناية الثانوية في وزارة الصحة.

بين الكلمات
نحــــو بيـئـــة صـحـية تنـافســية 3 - الكادر الصحي واستراتيجية الوزارة
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة