ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 13/01/2013 Issue 14717 14717 الأحد 01 ربيع الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

في الموروث الثقافي عند كل الأمم على اختلاف مستوياتها الحضارية والثقافية، أقوال وأمثال وأشعار، تتحكم في العقل الجمعي، تسيره وفق مدلولاتها، وتفقده القدرة على التفكير والتقييم، مما يفضي إلى التصديق بها، والتسليم بصواب منطقها دون أدنى جهد لتأملها، والتحقق من مدى توافق مضامينها مع منظومة القيم التي تربى عليها الفرد، وآمن بها المجتمع وتقبلها، لذا غالبا ما يكون لهذه الأقوال والأمثال والأشعار سلطة التسيير والتسليم والتأثير على المتلقي لها دون تقييم لدلالة الإستشهاد بها وصوابها لتسويغ المواقف وتحديد الإتجاهات.

ونظرا لتواتر تأثيرها على الناس على الرغم من تعارضها مع الكثير مما يعد من الثوابت الدينية أو القيمية الأخلاقية والاجتماعية، استيقظ العقل من سبات التسليم عند البعض، إلى التفكير الناقد لهذه المقولات، وصار يقف وقفة تشخيصية وتحليلية وتقييمية للكثير من الأقوال والأمثال التي يعد التسليم بها وتصديقها صورة من صور استلاب الإدراك والعقل والمنطق، حيث يلحظ كثير من العقلاء أن مضامين بعض الأقوال والأمثال مجانب تماما للعقل والمنطق، مجانب للصواب والعدل، بل إن البعض منها يعد انتكاسة قيمية وأخلاقية، لكونها تتعارض مع المسلمات والبدهيات التي تدفع الإنسان بناء على فطرته السليمة إلى فعل كل معروف وفضل وخير.

من العجائب التي تستعصي على الفهم والتسويغ، أننا نقرأ في كتاب الله الكريم آيات هاديات موجهات، تهدي للحق وتوجه إلى فعله، لكن يبدو أن قراءتها تفتقر إلى التدبر والإيمان، والتطبيق العملي، يقول تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} الآية 34 سورة فصلت.

في هذه الآية توجيه كريم، إلى السلوك القويم، السلوك الذي يعلي الشأن والذكر، فالمحسن إلى الناس لا يستوي البتة قدرا ولا مكانة مع المسيء إليهم، يعلو قدر المحسن وتقديره لأنه آثار دفع الإساءة بالعفو عن المسيء، والحلم عليه، والإحسان إليه، وهو بهذا يترفع عن مجاراة المسيء في إساءته وقلة أدبه، لاحظوا الفرق الأخلاقي بين دلالة هذه الآية التي ترغب وترشد وتبين فضل الإحسان والترفع عن الإساءة، وبين مقولة ترغب وترشد وتحفز على الإساءة، يزين البعض لأبنائه أو لمن يطلب النصح منه، ويدفعهم إلى الإساءة مسترشدا بمقولة: (من قال لك يا أبا الحمير، قل له: يا أبا الكلاب)، هذه المقولة تحفز على الإساءة وترغب فيها، تدفع إلى مجاراة المسيء في إساءته، ومعاملته بالمثل، وهذا الدفع والتشجيع مما يعزز العداوة والبغضاء والتنافر والتنابز بين الناس، وكلها أخلاق ذميمة مشينة، تأباها النفوس الكريمة ولا تتقبلها، هذه المقولة توسع دوائر الشقاق المجتمعي، وتثير الفتن والتدابر، بل قد تدفع إلى ما لا تحمد عقباه، لا سيما عندما تستثار النفوس وتنفعل وتخرج عن إطار انضباطها العقلي إلى حالة انفعالية يتعذر ضبطها، مما يسهل إرتكاب الحماقات والإيذاء النفسي والجسدي .

روى البخاري ومسلم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، النفس البشرية مجبولة على حب كل فضل وخير، تحب كل ما يجلب لها السعادة والهناءة والرضا، تحب المال والغنى، تحب الجاه والذكر الحسن، تحب المحامد كلها، القولية والعملية، ويزداد الإنسان الذي بمثل هذه النفس الكريمة رضا وسعادة وبهاء كلما رأى أحد إخوانه من بني البشر يعيش العيشة نفسها، العيشة الهنية الرضية، الإنسان الذي يفرح لفرح إخوانه، ويحزن لأحزانهم، يشاركهم الأفراح والأتراح، الذي يتمنى لهم الخير، ويتألم لآلامهم، يعد إنسانا في منتهى النبل، والإنسان الذي بهذه السمات لا يمكن أن يقبل المقولات التي تخالف هذه الشمائل، فمقولة: (مصائب قوم عند قوم فوائد)، مقولة يرفوضها بل يستهجنها، ويعدها مقولة سادية لا تتفق مع الأخلاق الكريمة، والمواقف النبيلة.

ولا يقل بشاعة عن المقولة السابقة سوى مقولة: (إن لم تكن ذئبا، أكلتك الذئاب) وهناك الكثير من المقولات التي يجب أن تمحى من الذاكرة لتعارضها مع سمات الشخصية السوية.

أما بعد
من قال لك ..
د. عبد الله المعيلي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة