ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 14/01/2013 Issue 14718 14718 الأثنين 02 ربيع الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

كل يوم يَمرُّ يَتَّضح أكثر فأكثر مدى التباطؤ، ثم التواطؤ، تجاه ما يُرتكَب من جرائم فظيعة على أرض سوريا؛ تقتيلاً شنيعاً وتدميراً همجيًّا مُروِّعاً. لم يَعُد خافياً على أحد أنّ أكثرية الشعب السوري هَبَّت منذ أكثر من سنتين؛

مطالبة - في بداية الأمر - بنَيْل حقّها في الحرية والعدالة، وفي القضاء على الفساد المستشري في وطنها. ولقد ظلَّت هَبَّة تلك الأكثرية سلمية الطابع ستة أشهر أو تزيد. لكن النظام السوري لم يكن رَدُّه على التَّحرك السلميِّ إلاّ ارتكاب جرائم تشمئز منها نفوس الأسوياء من أُمَّتنا ومن أمم العالم المختلفة. ولذلك فإني لا أظنُّ عاقلاً منصفاً يمكن أن يلوم من رأوا اللجوء إلى استعمال السلاح الممكن دفاعاً عن الأبرياء المسالمين، ومحاولة لإيقاف مسلسل الجرائم الفظيعة المرتكبة على أيدي رجال النظام من الجيش وأجهزة الأمن (الرعب) المُتعدِّدة والشِّبِّيحة.

كانت أولى الخطط، أو المبادرات، خطة جامعة الدول العربية، بقيادة أمينها العام، الذي أثبت عدم توفيقه؛ بل فشله الذريع، في القيام بالمَهمَّة التي أسندت إليه. وقد أشرت إلى شيء من أسباب ذلك الفشل في عدد من المقالات؛ بينها تلك التي نُشِرت بتاريخ 21-3-1433هـ بعنوان: “هل يرعى الأمين العام الأمانة؟”. وكان من وجوه سوء تعامله مع المَهمَّة المذكورة أنه صَرَّح من على منبر الأمم المتحدة أنّ جامعة الدول العربية تعارض التَّدخُّل الخارجيَّ في الوضع السوري. وهو يعلم ويرى أنّ روسيا وإيران - مع تابعتها الزعامة العراقية - تواصلان إمداد النظام السوري المرتكب للجرائم بالمؤن والأسلحة المُتطوِّرة؛ بل من المُرجَّح أنهما يَمدَّانه بالأموال والخبراء أيضاً. ومن المعلوم أنّ التَّدخُّل الخارجي ليس من الضروريِّ أن يكون مباشراً على الأرض بالطائرات وغيرها، كما حدث في ليبيا؛ وهو الأمر الذي رأته الجامعة العربية حينذاك ضرورياً حين كانت قوات القذافي - بتاريخه الحافل بالإجرام - قاب قوسين أو أدنى من ارتكاب مجزرة في بنغازي، قد تفوق المجزرة التي ارتكبها المجرمون من الصرب في البوسنة والهرسك. ولو لا ذلك التَّدخُّل؛ ابتداء بالطيران الفرنسي، لكان من المُرجِّح جدًّا أن تُرتكَب تلك المجزرة.

ولقد أَدَّى فشل الأمين العام للجامعة العربية في مَهمَّته إلى إسناد التعامل مع الوضع السوري إلى السيد كوفي عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة. وفي تاريخ ذلك الرجل ما فيه من إيجابيات قد يرى البعض أنها أكثر من السلبيات. فجاء بما سُمِّي خُطَّة عنان ذات البنود الستة، التي لم يُنفَّذ واحد منها طوال بقائه المُملِّ مُتعاملاً مع ما أسند إليه. وكان من تلك البنود وجوب سحب القوات الثقيلة من وسط المدن السورية. وربما بدا للبعض أنّ في هذا شيئاً من الإيجابية. والواقع أنه لا يخفى على الفاهم للوضع السوري أنّ هذا البند ليس سلبيًّا للنظام المتغطرس. ذلك أنّ النظام استخدم صواريخه وطائراته ليقصف المدن ويُدمِّر ما يُدمِّر منها على رؤوس سكانها؛ رجالاً ونساءً، شيوخاً وأطفالاً. وفي الوقت نفسه أبعد رجال قواته المستخدمين للأسلحة الثقيلة عن خطر مهاجمتها بأيدي من هَبُّوا ضد تسلُّطه وجرائمه؛ وهم الذين يعيشون بين سكان المدن. لو كانت هـناك مواجهـة حربية بين قـوّتين متكافئتين - أو قريبتين من التكافؤ ـ؛ تسليحاً وتدريباً، لقيل: إنّ إبعاد القوات الثقيلة عن وسط المدن شيء إيجابي؛ بل ضروريّ، لتجنيب المدنيين أخطار تلك المواجهة. لكن الوضع في سوريا غير ذلك. وسير الأمور هناك منذ إعلان الخُطَّة المتضمِّنة ذلك البند يُرجِّح صحّة ما ذكرت. وكانت نتيجة خُطَّة السيد عنان، أيضاً، الفشل إلاّ بإطالة عمر النظام المُتوحِّش في إجرامه.

وأخيراً جيء بالسيد الأخضر الإبراهيمي؛ أملاً من المتباطئين عن الوقوف مع العدل ضد الظلم، والمتواطئين مع مرتكبي الجرائم، للتعامل مع الوضع السوري بعد فشل كُلٍّ من الأمانة العامة للجامعة العربية والسيد كوفي عنان في المَهمَّة. والمتابع لمسيرة تَحرُّك المبعوث الجديد منذ الإتيان به للقيام بالدور الموكل إليه يرى تَحيُّزه الواضح إلى جانب الظالم، وافتعاله أموراً كُلُّها لا تسهم في حَلِّ القضيَّة؛ بل إنها بمنزلة تشجيع ذلك النظام على مواصلة إجرامه وتكثيفه. وعندما رأى بادرة من البوادر الدالة على صمود من هَبُّوا ضد الظلم؛ بل وتحقيقهم نجاحات في الميدان، سارع إلى اقتراح أن ترسل الأمم المتحدة قوات لإيقاف كلِّ طرف من الجانبين؛ الظالم والمظلوم، في مكانه. لم أكن مُؤمِّلاً خيراً في مسعى ذلك المبعوث من تَولِّيه المَهمَّة المسندة إليه. ولم يَتبيَّن لي من تَحرُّكاته وتصريحاته حتى الآن ما يجعلني أظن أنّ عدم أملي خيراً في مسعاه كان خطأ.

أعلم أنّ النظام السوري يملك الكثير من الأسلحة والعتاد الحربي، والمخزون الهائل من الحقد. وأعلم أنّ النظام الإيراني داعم له ومتحالف معه؛ مذهبيًّا وسياسيًّا وعسكريًّا، وأدرك أنّ دهاء رؤوس النظام في إيران لا يستهان به؛ إضافة إلى امتلاكه أسلحة مُتقدِّمة منها ما طوَّرته صناعتهم الحربية نفسها. وأعلم، أيضاً، أنّ أمريكا، التي يحفل تاريخ كثير من قادتها بأنه سلسلة جرائم ضد الشعوب الأخرى، ليست راغبة في الوقوف بجد ضد النظام السوري، وأنّ السبب الجوهري في عدم الرغبة هذه هو أنّ الكيان الصهيوني - حتى الآن - لم ير مصلحة في زوال النظام السوري؛ ودعك من تصريحات الصهاينة المظهرة غير ذلك. وما دام ذلك هو موقف الصهاينة فإنّ موقف أمريكا لا يُتوقَّع أن يكون مخالفاً له.

أكتب هذه المقالة في مساء يوم الجمعة وأخبار الإبراهيمي من جنيف؛ مجتمعاً مع وفدين من روسيا وأمريكا، تدلُّ على اتِّفاقه مع هذين الوفدين على التواطؤ ضد الشعب السوري؛ مُمثَّلاً بأكثريته المنتفضة ضد الظلم والطغيان. وأقول: إنّ جميع محاولاته ما ظهر منها وما بطن ستبوء بالفشل بعون الله. وإنّ دلالات من ميدان مطار تفتناز وغيره من ميادين المواجهة في سوريا المضامة المنتفضة ضد الظلم، الصابرة على المكاره، تؤذن باقتراب الفرج وزوال الطُّغاة المجرمين. ولقد وعد الله - جَلَّت قدرته - عباده المؤمنين الصابرين بنصر من ينصره، وأخبرهم أنه عزيز ذو انتقام من المجرمين.

من خُطَّة إلى خُطَّة لإكمال التقتيل والتدمير
د.عبد الله الصالح العثيمين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة