ارسل ملاحظاتك حول موقعناTuesday 15/01/2013 Issue 14719 14719 الثلاثاء 03 ربيع الأول 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

كل يوم يتجرع الآلاف من البشر مرارة في الحلق جراء هزيمة لحقت بهم، سواء أكانت في تطلعاتهم الوظيفية، أو حياتهم الدراسية، أو علاقاتهم الاجتماعية، أو مشاريعهم الاقتصادية، أو طموحاتهم الحياتية الصغير منها والكبير، ولو سألت هؤلاء المهزومين عن مشاعرهم وسبرت واقعهم النفسي لوجدتهم ليسوا أصحاء ولا هم أسوياء في قاموس أهل الاختصاص بهذا الفن طبعا (الصحة النفسية)، وكلما كثر عدد المهزومين في المجتمع كلما زاد الإحباط، وعلا معدل الجريمة، وكثر المهمشين، وارتفعت نبرة التأفف والتضجر والتذمر والتسخط من الواقع المعاش بكل مساراته وبجميع مساربه ومنحنياته، وأشد ما تكون المرارة حين تقع الهزيمة على شريحة عريضة من أبناء المجتمع ومن مختلف الطبقات، خاصة عندما تكون غير متوقعة، ولها اتصال مباشر بهواية الشباب ورغباتهم، وتحاكي روح التحدي فيهم، وتلبي احتياجاتهم النفسية والمهارية ككرة القدم مثلا في عالمنا المعاصر.

أعرف أن الهزائم التي مني بها البعض منا على المستوى الشخصي أكبر بكثير من خروج المنتخب يجر أذيال الخزي بالأمس القريب، فضلا عن الهزائم التي لحقت وما زالت جاثمة على صدر أمتنا اليوم سواء أكانت هزائم عسكرية أو سياسية أو فكرية أو اقتصادية.. ومع ذلك وفي ظل الواقع الذي ننعم به، والخير الذي نتفيأ ظلاله، والدعم الكبير الذي تلقاه هذه الرياضة على وجه الخصوص من قبل القيادة الحكيمة وصناع القرار.. في ظل هذه المعطيات ولكون كرة القدم خاصة:

* متداخلة في نسيجنا المجتمعي شئنا أم أبينا، ولها في كل بيت لون، ولكل واحد منا معها قصة وحكاية تطول وتقصر تعظم وتتقازم.

* ترتبط وبشكل مباشر وقوي بفئة الشباب في المجتمعات، ونحن في المملكة العربية السعودية مجتمع شبابي تمثل هذه الشريحة فيه ما يقارب 65% تقريباً.

* تعد مؤشراً عالمياً له دلالاته حين التصنيف وتقاس به ومن خلاله كوامن الانتماء ومعطيات التنمية والبناء ومفاصل التقدم والرفاه والإنجاز لدى الشعوب.

أقول في ظل هذا وعلى ضوء ما ورد أعلاه من مبررات يجب فتح الحوار الوطني الواسع حول أسباب تدني الرياضة وتراجعها بشكل كبير في المملكة العربية السعودية، مع أنها حظيت وما زالت تلقى الدعم الرسمي، والمتابعة والتشجيع الشعبي، والرصد والتحليل والتحفيز الإعلامي..

لقد اعتبر البعض من المغردين هذه الهزيمة المرة مؤشراً على ضعف الانتماء الوطني، وهناك من جعل ما حدث دليل بين على وجود فساد معشعش في ردهات الرعاية، وثالث وصمنا بالعاجزين عن صناعة النجم حتى في الرياضة فضلاً عن غيرها من مجالات الإبداع المهاري، ورابع ألقى التبعة عن أنظمتنا ولوائحنا الرياضية، وخامس بحث عن شماعة خارجية يعلق عليها ثيابه الوطنية بعد أن يخلعها، وسادس وسابع....وهناك من عمم الصورة السوداوية على جميع مناحينا التنموية متسائلاً وبكل مرارة وحرقة.. ترى ما هو المجال الذي فزنا به ولم نتذوق طعم الهزيمة جراء دخولنا منافسة شريفة مع غيرنا يوما ما، أو حين عقد المقارنات والبحث عن المفارقات الدولية !!!خذ مثلا البحث العلمي، الحكومة الإلكترونية، النظم الإدارية والاقتصادية، تخطيط المدن، السياحة ؟؟؟

إنني لست في مقام فرز هذه الأصوات وتحليلها، ولكنني أعرف كم هي ثقيلة على النفس كلمة (الهزيمة) حتى ولو كان المجال من مجالات الترفيه والتسلية في نظر أمثالي ممن شابت رؤوسهم وكثرت همومهم وضاقت أوقاتهم خلاف الكثير من أبناء الوطن الذين ما زلوا عشاقاً للمنافسة والتحدي داخل المستطيل الأخضر، ولذا أعود للتأكيد على وجوب سماع الأصوات الصادقة إزاء هذا الموضوع وما ماثله، فنحن بصدق إزاء مشكلة حقيقية تتعلق بإدارتنا لمواردنا المالية والبشرية سواء كان المورد البشري عقليا أو يدوياً أو كانت مهارة هذا المواطن السعودي في قدمه!!!؟.

إنني لست خبيراً رياضياً ولكنني من خلال متابعتي لما يكتب وما يقال أستطيع الجزم أن من الواجب في هذا الباب :

* الاهتمام الحقيقي بمادة التربية البدنية في المدارس، وإعادة ما كان موجودا في السابق من إجراء دوري تنافسي بين الثانويات والمتوسطات المتجاورة التابعة لمركز الإشراف الواحد، ورصد الجوائز المجزية لذلك.

* إعادة فتح أقسام التربية البدنية في كليات التربية والتركيز على الجانب العملي كما كان الحال في معهد التربية البدنية آنذاك لا التأطير النظري كما هو الحال اليوم في بعض جامعاتنا الأم.

* فتح الأكاديميات في المناطق وضخ المال والرجال من أجل العناية بالنشء، والتوعية الحقيقية لا الإعلامية التسويقية بأهمية الرياضة في حياتهم وخطورة الركون والدعة والتوسع في الأكلات السريعة على مستقبل أجسادهم.

* دعم الأندية الصغيرة القابعة في سلم القاع الكروي والتي هي اليوم عبء على الرعاية وحمل ثقيل على القائمين عليها، ونقلها من دنيا الظل إلى عالم الشمس الفسيح بالالتزام الفعلي بالدعم السنوي المجزي والتعريف بها ونشر أخبارها عبر وسائل الإعلام المختلفة.

* إعادة النظر في توزيع مواردنا المالية، ولوائحنا الإدارية والاحترافية والانتقالية، وواقعنا النقدي والتحليلي.

* إبعاد كياناتنا الرسمية وأنديتنا الرياضية عن التنافس الفاسد والمفسد والتراشقات الكلامية والتحليلات الهلامية وغسيل الأموال والشهرة الشخصية... مما يعطي دلالة واضحة للمراقب اللامنتمي أن الأهواء والنزعات الذاتية هي السلم الذي به نريد أن نرتقي للقمة وللأسف الشديد.

* الاهتمام بمشروع مراكز الأحياء والتوسع فيها وإقامة الملاعب الرياضية داخل أروقتها وتوفير المدربين والمشرفين على هذه المراكز وأنشطتها المختلفة لتوفير مقومات النجاح وضمان الاستفادة والإفادة.

* تخصيص مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني دورته القادمة لمناقشة واقعنا الرياضي وسبل معالجته بكل شفافية ووضوح ومصداقية.

هذا ما عًّن لي مساء السبت الماضي وأن أشهد هزيمة المنتخب ومن ثم خروجه من دورة الخليج.. وهذا ما جال بخاطري وأنا أقرأ وأسمع ما قيل ليلتها من ردود أفعال على هذا الحدث الكروي الهام، دمتم بخير ودامت جذوة التفوق والانتصار في مجالات الحياة المختلفة حية في نفوسنا ودام عزك يا وطن وإلى لقاء والسلام.

الحبر الأخضر
مرارة الهزيمة
د.عثمان بن صالح العامر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة