ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 17/01/2013 Issue 14721 14721 الخميس 05 ربيع الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الثقافية

الماضي يعود!
بثينة الإبراهيم

رجوع

إذا كان الوجوديون يرون أنّ التفاعل مع العالم الخارجي يشكّل الواقع، فإن ما يهم من وجهة نظرهم هو «الأنا الآن»، ويحوز الحاضر عندها الأهمية القصوى بالنسبة لهم، وذلك ما يلغي الماضي الذي لا اعتبار له لديهم لكونه غير موجود، لكن على النقيض من ذلك يرون في المستقبل شيئا لا بد لنا أن نوجده!

وفي حين يرى بوبر الفيلسوف الوجودي الروحاني أنه يمكن العيش مع الماضي المجرد على أرض الواقع، لكنه ينفي أن نتمكن من العيش بالحاضر المجرد دون أن نتخذ احتياطاتنا التي تمكننا من قهره، ويصبح الماضي هو أساس هذه الاحتياطات وبخاصة عند الاعتبار من تجاربنا ليكف عندها عن حرقنا على حد تعبيره!

بعيداً عن الوجودية، كثيراً ما تغنينا «بالزمن الجميل»، وتمنينا عودة الماضي، بدءاً من شعراء الأطلال وبني عذرة وغيرهم فمنهم من تمنى عودة ريعان الشباب ودهر تولى، وآخر يود لو يعود الشباب ليشكو إليه فعل المشيب، ورغم أننا ندرك استحالة العودة، إلا أنها تبدو متاحة في بعض الأفلام الأمريكية، مثل الفيلم الذي تعود فيه الممثلة «درو باريمور» إلى أيام الثانوية بمهمة صحفية متخفية، وظنت أنها ستتمكن من تصحيح مسار الماضي باعتبار ما اكتسبته من «خبرات»، لكن المفارقة أنها ظلت تكرر الأخطاء نفسها وظلت «بنات الثانوية» يسخرن منها كما كان الحال في ثانويتها الأولى، ولم تتمكن من تجاوز ماضيها للعبور نحو حاضرها أو مستقبلها !

وبغض النظر عن نهاية فيلم باريمور السابق، إلا أننا فعلا نحب الماضي ونتحسر عليه سواء استطعنا إليه سبيلا أم لا، لكن هل خطر لنا مرة أنه قد تكون ذاكرتنا هي التي تجمل لنا الأشياء؟! لا ننكر أننا تأففنا من ماضينا» الذي كان حاضرنا» وسنحن في مستقبلنا إلى «حاضرنا» الذي سيصير ماضينا، ليست فلسفة بل هو واقع وربما هي ذاتها ما قال فيها أبو القاسم الشابي:

ضحكْنا على الماضي البعيد، وفي غدٍ

ستجعلنا الأيامُ أضحوكة الآتي

وتلك هي الدّنيا، روايةُ ساحرٍ

عظيمٍ، غريبِ الفنّ، مبدعِ آياتِ

يمثّلها الأحياءُ في مسرحِ الأسى

ووسطَ ضبابِ الهمّ، تمثيلَ أمواتِ

ليشهدَ من خلفِ الضّباب فصولَها

ويضحكَ منها من يمثّلُ ما يأتي

وكلٌّ يؤدّي دورَهُ، وهو ضاحكٌ

على الغير، مضحوكٌ على دورِه العاتي

ترى، ما هو سر الزمان وهل هو مرتبط بالمكان؟ أو ربما كان من الأفضل أن نتساءل ما هو سر الماضي ولمَ يحظى بكل هذا التقدير لدينا، وإذا كان ماضينا -كأفراد- على هذا القدر من الجمال فلماذا نعجز عن مدّ الجمال إلى حاضرنا؟؟ تساؤلات كثيرة يثيرها فينا الحديث أو الحنين إلى الماضي، ولعل في كلمات محمود درويش التي اختصر فيها رؤيته للأزمنة الثلاثة ما يسعفنا بإجابة إذ يقول: « أيها الماضي: لا تغيرنا كلما ابتعدنا عنك، أيها المستقبل: لا تسألنا من أنتم وماذا تريدون؟ فنحن أيضا لا نعرف، أيها الحاضر: تحملنا قليلا فلسنا سوى عابري سبيل ثقلاء الظل!».

- الماضي يعود بشروطه لا بمتغيراتنا!

رجوع

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة