ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 17/01/2013 Issue 14721 14721 الخميس 05 ربيع الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

وجهات نظر

السعودية: مملكة الماء.. وفيروس العطش يقتلنا
د. طلال بن سليمان الحربي

رجوع

إن ندرة المياه في المملكة العربية السعودية أمرا واقعا نعيه كلنا والعمل الدؤوب سواء المنجز أو الذي يجب إنجازه، كلها تحديات كبيرة بل وخطيرة تحتاج إلى حلول سريعة مؤقتة وحلول طويلة الأجل مستديمة، ولكن الخطر الأكبر الذي نعيشه حاليا ليس ندرة المياه فقط، بل الخطر الأكبر الفيروس الذي يهددنا ويهدد حياتنا ومستقبلنا هو هدر المياه والاستهلاك الهائل الذي يقوم به الشعب السعودي والقطاعات الصناعية والإنتاجية، إن هذه السياسات التي تكاد تشكل ثقافة خاصة بنا كشعب هي الفيروس المميت الذي على خطورة ندرة المياه لدينا، إلا أنه فيروس سيقتل أية مبادرات وأية حلول وإنجازات ويجعل المستقبل طريقا نحو الهلاك ولا بد.

المفهوم الخاطئ الذي نلمسه أننا في المملكة نسعى إلى إيجاد حلول لمشكلة المياه، الخطأ في المفهوم بربط كمية الماء اللازم توفيرها لتغطية كمية الاستهلاك الفعلية، ولأن كمية الاستهلاك لدينا عالية جدا حيث نعتبر ثالث دولة على مستوى العالم من حيث كمية استهلاك المياه، فإن هذه الحلول المنشودة وإن أنجزت ستبقي المملكة على خط النار والخطر، إن لم نسع على التوازي مع مسار حلول مشكلة ندرة المياه وحل مشكلة استهلاك المياه العالي، فإننا نسير وبخطى ثابتة وسريعة نحو الانتحار، الانتحار باختيارنا وقرارنا، الانتحار بسبب جهلنا وأميتنا في تقدير حجم الخطر الذي نعيشه.

إن كون السعودية كما أسميتها أعلاه مملكة الماء، فهذه التسمية ليست من فراغ ولا عبثا، حيث تعتبر المملكة العربية السعودية أكبر دولة في العالم تنفذ مشاريع تحلية المياه المالحة، ونجحت وزارة المياه والكهرباء والمؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في تصميم وتنفيذ المشاريع والبرامج اللازمة لتوفير المياه والكهرباء في السوق السعودية بشكل يبعد مجتمعات المملكة عن الاكتواء بأوار شح المياه ونقص الكهرباء.

ولكن حقيقة إن معدل استهلاك الفرد السعودي يأتي ثالثا بعد الولايات المتحدة الأمريكية وكندا هي ما أسميناه أعلاه الفيروس المميت، نعم تملك السعودية أكبر محطات تحلية للمياه في العالم من حيث الحجم والإنتاج، وهي المحطات التي تعتمد عليها المملكة في تأمين خمسين بالمائة من إمدادات المياه، هذا بالإضافة إلى 45% من الآبار الجوفية.

ان الوعي المائي أمر مهم ومطلوب التعامل معه على أنه ملف أمن وطني خطير جدا، فكوننا بلد نفتقر إلى الموارد المائية فلا نملك بحيرات وأنهار عذبة أو مالحة، ولا نشترك مع دول أخرى ببحيرات وأنهار فكلنا في الهم شرق، والظروف المناخية لدينا صحراوية جافة قليلة الأمطار، وهذا ينعكس على مخزوننا من المياه الجوفية وبالتالي تتبلور الصورة النهائية أننا لسنا بدولة زراعية، وأن المحاولات الزراعية التي نقوم بها تقوم بشكل أو بآخر باستهلاك إجمالي ما نوفره من المياه سواء الجوفية أو المحلاة، حقيقة إن الأمر هذا لا يقل خطورة من الناحية الأمنية عن أي ملف آخر كالإرهاب وغيره.

يجب وضع خطة طوارئ على أعلى المستويات، والعمل من خلالها على إطلاق حملات التوعية والإرشاد، حملات مؤثرة وقادرة على إيصال الرسالة اللازمة ووضع الشعب كافة في صورة حقيقة الوضع، وبنفس الوقت يجب وضع الأنظمة والتشريعات التي تساعد وبسرعة على ترشيد الاستهلاك، والحد من الاستخدام المفرط للمياه، خصوصا ونحن نعلم علم اليقين أن المنطقة إن لم يكن العالم كله مقبل على مراحل خطيرة وحساسة وفاصلة في حياة الشعوب، والملف المائي على رأس القائمة في الأجندات القادمة، إن كانت الحروب توسعية أو أطماع وصراعات على ثروات ونفوذ، فإن الحروب القادمة ستكون حتما صراعا على البقاء، البقاء لمن يمتلك الماء، الماء يجلب الغذاء والطاقة واستمرار الصناعات وتطور المجتمعات.

إن الملف الزراعي حاليا يعد من أهم الملفات التي يجب التعامل معها، لأن قطاع الزراعة في المملكة يستهلك حجما هائلا من المياه الإستراتيجية للمملكة، وأيضا على مستوى الخليج العربي كله، فللعلم وحسب دراسات متخصصة في هذا المجال فإن القطاع الزراعي في دول مجلس التعاون الخليجي تستخدم 80% من المياه المستهلكة، علماً بأن مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة قليلة.

ويشير الباحثون الأخصائيون إلى أن هذا الأمر غير ملائم تماماً، وهو واحد من الأمور التي يتعين على البلدان تغييرها، وإضافة إلى تلبية المزيد من متطلبات المنتجات الطازجة من خلال الاستيراد، سوف تحدد المملكة العربية السعودية وبلدان خليجية أخرى الزراعة في المناطق التي تتوافر فيها موارد مياه متجددة وستشجع المزارعين المحليين على التركيز على المحاصيل التي تحتاج إلى كميات مياه أقل، كما يجب أن تولي هذه البلدان المزيد من الاهتمام لصيانة وتحسين نظم الري واعتماد تقنيات ريّ ذكية.

نعم من الطبيعي أن نسمع بعضا من المثبطات وإن كانت حقائق كمن يقول إن مشكلة المياه ليست مشكلة سعودية خاصة، فمناطق ودول كثيرة بل قارات تعاني من نفس المشكلة وتعيش نفس الخطر وتوابعه، ونقول بكل تأكيد هذا صحيح لا غبار عليه، ولكن كم دولة في العالم تملك ما نملكه من إمكانيات مادية وقدرات تجهيزية تساعد وبلا أدنى شكل على حل الأزمة واستشراف المستقبل والإعداد له، كم من هذه الدول تملك مساحات شاسعة قاحلة صحراء، لدينا القدرة ولدينا الحاجة الملحة، أفلا يكون لدينا الرغبة ايضا والوعي الكافي؟.

نحن مملكة الماء،، مملكة الماء من حيث الحاجة الملحة الماسة له، ومن حيث القدرة على توفيره وجعل الأرض تنثر إلى السماء الماء، نحن مملكة الماء فما بارك الله في أرض وتركها وتخلى عنها فهو من يصدق الوعد دائما أبدا، نحن مملكة الماء فالاستقرار الذي نعيشه والانسجام بين فئات المجتمع السعودي كله زوايا يمكننا الاعتماد عليها في زرع الماء على تراب وطننا، نحن مملكة الماء فلدينا القيادة التي تعمل على تذليل الصعاب وتسخير كل إمكانيات الدولة لتحقيق أهدافنا الوطنية، نحن مملكة الماء إن رغبنا وعملنا وسعينا ووعينا الوعي الكافي اللازم.

فلنعلن الحرب على فيروس الخطر، فيروس القضاء على ما جعل منه كل شيء حي، كما هي كل أنواع الفيروسات التي تسبب الأمراض للبشر والكائنات الحية كلها، تحتاج إلى حملات وقاية وتوعية وتطعيم، فإن فيروس الإسراف في استخدام المياه وفيروس استخدام المياه في اتجاهات ومجالات لا تساهم في بناء المستقبل ويمكن الاستعاضة عنها، هنالك في العالم دول كثيرة لديها الماء ولديها المساحات، ولكن ليس لديها الإمكانيات، نستطيع أن نزرع هناك ونستثمر هناك، وبدلا من شراء غذائنا فلنزرعه نحن لكن دون الحاجة إلى استهلاك مخزوننا الاستراتيجي الوطني داخل المملكة لإنتاج زراعي يحقق الأرباح فقط ولا يحقق الاكتفاء. دق ناقوس الخطر، فهل من مستجيب.

رجوع

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة