ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 24/01/2013 Issue 14728 14728 الخميس 12 ربيع الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

نشر لي مؤخراً مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية مشكورا كتابا عن التحديات والتحولات في العالم العربي في إطار سلسلة محاضرات الإمارات، واستهللت الكتاب بالقول إننا ننتمي إلى عالم معولم يتغير بسرعة ونعيش أكثر من أي وقت مضى تحت سقف واحد ونرى شاشات تلفزية متنوعة تنقل إلينا أخبارا متعددة وصورا متنوعة، وتختلف وجهات نظرنا وردات أفعالنا حسب التكوين والبيئة إلى غير ذلك؛

فلم يكن العالم يوما قارا أو ساكنا فانتفض فجأة لا! ولا الكرة الأرضية على ثبات وإذا هي تتحرك فجأة! ولكن العالم يتراءى إلينا وهو يتغيّر بسرعة كبيرة وبوتيرة أعمق، ولم يستقر على حال يمكن أن يوصف بالديمومة أو الثبات؛ لذا فالحيرة تصيبنا عندما نريد أن نقوم بتحليل نظام إقليمي أو دولي هما في جوهرهما متغيران وانتقاليان على الدوام، ونسعى أن نتوقع نظاما دوليا أو إقليميا لهما قدر كاف من الاستقرار والثبات؛ ومن هنا نفهم محدودية تلك النظريات في مجال العلاقات الدولية التي تذبل قبل جفاف الحبر الذي كتبت به، والأفكار التي تولد ميتة؛ والنتيجة أن رؤية المستقبل صعبة جدا وتحديد معالمها أصعب مما يمكن تصوره؛ والعالم أصبح أكثر ضبابية مع انتهاء الحرب الباردة وتقلص الدور الروسي في العالم ونهاية الثنائية القطبية وانتقاله إلى الأحادية الأمريكية، حيث القوة الاقتصادية والقوة الدبلوماسية والسياسية والعسكرية واللغوية والثقافية بدت مجتمعة في كيان واحد ومظلة واحدة تتعدى قوة العديد من الدول مجتمعة بل والعديد من القارات؛ والسؤال المطروح هو مدى تأثر العالم العربي بالتحولات العالمية قبل أن يتأثر هو نفسه بالتحولات العربية نفسها؟ المشكل في العالم العربي هو أنه يقع في منطقة حساسة جدا، أي على موقع نقطة التقاء قارات ثلاث، وفي منطقة مرغوب فيها جدا لأنها تتوافر على مخزون هائل من النفط متوافر تحت صحرائها وبمنطقة جغرافية حساسة بسبب جيرتها المباشرة بالكيان الصهيوني؛ فاجتماع هاته العوامل جعلت المنطقة العربية في جوهر الشأن الدولي أو الاستراتيجية الدولية؛ والمشكل الثاني أن المنطقة العربية على الرغم من هاته العوامل المحددة لتموقعها داخل النظام الدولي هي لاعب غير قوي بسبب غياب الوحدة والقوة والمناعة بما يسمح لها بمجاراة التكتلات الجهوية والإقليمية والدولية؛ أعطي هنا مثالا بسيطا هو الاتحاد من أجل المتوسط الذي كان بإمكانه أن يحول منطقة المغرب العربي مثلا إلى منطقة صناعية وتجارية وتبادلية قل نظيرها مع الاتحاد الأوروبي، بل وحتى مع الولايات الأمريكية المتحدة بعدما وقعت بعض الدول كالمغرب على اتفاقية التبادل الحر معها.

إذن محنة العرب الدائمة هي في تلك الإشكالية القائمة من جانب على تواضع عناصر القوة التي يتوافر عليها العرب داخل النظام الدولي بسبب غياب الوحدة والتشرذم، ومن جانب آخر على وجودهم في موقع حساس بمعطياته الجغرافية والاقتصادية والدينية؛ فالجانب الثاني ليس بمشكل في منظور قواعد الاستراتيجية والتمركز داخل النظام العالمي ولكنه يغدو مشكلا في غياب الوحدة، وهذا ما عاشته المنطقة العربية وما تعيشه اليوم وما ستعيشه إذا لم تصلح اَليات الوحدة العربية، وهذا ما سنتطرق إليه لاحقاً.

فالمنطقة العربية تعاني من أزمة بنيوية خانقة؛ فالصومال مازالت دولة ضعيفة بكل المستويات ويزداد سوؤها يوماً بعد يوم، والسودان انفصل جنوبه عن شماله ويواجه تداعيات انشقاقات جديدة، والحالة العراقية وإن تحسنت بعض ملامحها فمازالت تعاني مشكلات سياسية وطائفية؛ والثورات في مصر وتونس وليبيا لا تعني إطلاقا مد العصا السحرية لتثبيت التنمية وتحقيق النمو وتجذير الديمقراطية، واليمن ما زال يبحث عن حل لأزمته السياسية الداخلية، وسورية في مأزق نظام حكم استولت عليه الأيام وأباد خضراءه الهرم فطبخته الدولة وأكل عليه الدهر وشرب بما أرهفت السلطوية من حده ومازال يمارس الحل الأمني؛ وأصبحت منطقة جنوب الصحراء والساحل مرتعا للجماعات الإرهابية خاصة أن العديد من الأسلحة الليبية هربت إليها في أوج الصراع بين الثوار وقوات القذافي.

تحدثت في الكتاب عن عدة معادلات وأظن أن من أهمها المعادلة التي تقضي بضرورة زرع الثقة بين الحاكم والمحكوم وبين الدولة والمجتمع، لأن على الجميع أن يعمل في إطار المؤسسات وفي إطار الدولة الأم ومحاولة الإصلاح من الداخل بعقلية جديدة وبأفكار متنورة جديرة بالمحافظة على القشرة الحساسة الحامية لهبة الدولة ولمبدأ ديمومة المؤسسات، ويمكن أن نستحضر تجربة العراق عندما قامت القوات الأمريكية بحل القوات العسكرية والبوليسية العراقية بعد سقوط نظام صدام كيف تفككت الدولة العراقية في رمشة عين، وأصبحت الدولة ولسنوات مرتعا للتناحر بين الطوائف والملل؛ فكل التجارب السياسية والديمقراطية التي مرت منها دول أوربا الغربية والشرقية وأمريكا اللاتينية كانت صعبة وشاقة، ولكن محدد النجاح أو الفشل هو الثقة، الذي يجب أن يغرس ويسقى بماء الذهب في المجتمع وبين المؤسسات بل وبين الأفراد وحاملي لواء تسيير الدولة وأجهزته؛ ولأنه إذا تقوى الشك وانعدمت الثقة بين الفرد والدولة وبين الفرد والمجتمع عمت الفوضى وتلاشت الفضائل السياسية في المجتمع دفعة واحدة، فلا الفرد يثق في الحزب ولا الحزب يثق في الأحزاب الأخرى، ولا المؤسسات ولا قدرتها على التسيير والتنمية ولا هبة الدولة التي تجدع أنوف كثير من المتطاولين للرقبة، فينغمس المجتمع في القيل والقال ويغرق في بحر الهم والجدال ويبعد رجالات الدولة الأكفاء عن المشاركة في ظل من عز الدولة التي تبخرت ويهترئ النسيج الداخلي الماسك لمقومات الأمن والاستقرار والميسر لقواعد التنمية المستدامة والحكامة الجيدة، ويضيع الوقت الثمين في بناء المؤسسات وتعميم الأمن والاستقرار؛ فدول كمصر وتونس وغيرهما ينبغي على الفاعلين السياسيين فيها حسن الظن بالمؤسسات والأفراد وطي صفحة الماضي وترك زرع بذور الشك المستمر في أذهان الناس وعقولهم احتياطا من الريبة والسخط وأمارات التوتر والنفور، بل الوصول إلى حد التقاتل المشين كما وقع مؤخرا بين الأقباط والمسلمين في مصر، وعجبا أن الناس نسيت أو تناست ما جاء في الحديث الصحيح “خصلتان ليس فوقهما شيء من الخير: حسن الظن بالله، وحسن الظن بعباد الله وخصلتان ليس فوقهما شيء من الشر: سوء الظن بالله وسوء الظن بعباد الله”.

والمعادلة الأخرى المهمة هي المواطنة الحقة؛ وهي التي تجمع الجميع على صف واحد وهي الوحدة المرجوة في بناء البلدان والأوطان؛ فالحديث بلغة طائفية في مجتمعات مركبة من أكبر أبواب الفتنة، والمجاهرون بها هم من دعاة أبواب الجحيم لأن ذلك يشعل البغضاء بين فئات المجتمع الواحد، ويصبح الفكر فكرا عدميا نرجسيا يمحق الآخر وينفيه ويضع الذات الإنسانية أي الأنا محل تقديس وتنزيه وهو عين الانشقاق والفوضى والفتن ما ظهر منها وما بطن.

إن إقرار مبدأ المواطنة هو مصدر الحقوق ومناط الواجبات لكل المواطنين من دون إقصاء لأية أقلية أو حرمانها من امتلاك أدوات ومتطلبات ممارسة حقوق المواطنة وأداء واجباتها، وإقامة دولة المواطنة يعني شعور الفرد بأن حقوقه في المنافع والمكاسب متساوية مع الآخرين في السلطة وأن ذلك حق لا منّة أو عطاء، ويجب أن يسائل الدولة إذا ما عجزت عن تحقيقها أو تهاونت في ذلك وللحديث بقية.

التحديات والمعادلات في العالم العربي
د. عبد الحق عزوزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة