ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 24/01/2013 Issue 14728 14728 الخميس 12 ربيع الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

ينتشر الفساد في المجتمعات مثل انتشار الخلايا السرطانية، فلا يميز بين قلب ومريء ولا عظم ولا دم، يبدأ من المال إلى الذمم ولا ينتهي بالأخلاق والقيم، وهو إن لم يواجه بِشَكلٍّ صارمٍ فسيستمرّ حتَّى يتفشى في الجميع، إلى أن تخرج الرُّوح من الجسد.

وفي العادة يتمُّ اللجوء لمجالس منتخبة للتشريع والمراقبة والمحاسبة لمواجهته، لكن من يضمن خلو هذه المجالس من آفة الفساد؟

فالفساد في الغالب ينبع من أهل النفوذ وأصحاب المصالح وهم الأقربُ لأصحاب السلطة والقوة، ثمَّ من يضمن حسن وسلامة الاختيار أيْضًا بعيدًا عن التأثير والخداع؟ وهكذا تستمر الأسئلة وإن بدت وكأنّها أسئلة جدلية باعتبار أن لا شيء من صناعة الإنسان يصل مرحلة الكمال، لكن هذا لا يعني أن لا نبحث في كيفية الوصول إلى المناخ أو البيئة الخالية من الفساد في أس المجتمع وهو الفرد، إذ بصلاحه يصلح المجتمع، وبما أن حرص الفرد على حقوقه تأتي في المرتبة الأولى كي يستأمن ويطمئن، فإنَّ الخطوة الأولى لمحاربة الفساد تأتي في ترقية الحس والاهتمام لدى هذا الفرد بواجباته، فكلُّما كان الحرص على الحقِّوق مفعّلاً، كان الحرص على أداء الواجبات نشطًا وفعّالاً، وبالتأكيد كُلَّما كان ميزان الحقوق والواجبات فاعلاً وناشطًا، كان العدل والأمن بمثابة الوعاء المنتج لحياة كريمة ومتقدمة للفرد والوطن.

ولو تأملنا على سبيل المثال فإنَّ أشياء كثيرة بديهية وبسيطة كانت غائبة عنَّا، وكان لغيابها معاناة وآلام اكتوينا بها وذقنا مرارتها، لكن بظهور شركات التأمين أصبح تأمين المركبة يحميك من مطالب الخصوم ويحصنك من ضعف القدرة والحيلة، فماذا لو استطعنا توفير كرت بلاستيكي آخر ليغطينا من السرقات والحرائق، ثمَّ كرت آخر ليقاضي من يُعطِّل مصالحنا ومعاملاتنا “وينشب في حلق” كل من يتبجح علينا بالتَّعليمات أو عدم الاختصاص أو ضيق الوقت أو عدم وجود المُوظَّف المعني، وإذا كان الوقت والجهد هما اللذان يمنعان في الغالب النَّاس من المطالبة والمتابعة لهذه الحقوق فإنّه متى حَلَّت شركات التأمين محلهم في المطالبة والمتابعة والتحصيل فإنَّ الحصيلة لن تكون فقط في حصول شركات التأمين على أرباح مجزية، بل إن الأداء في الأجهزة الخدميَّة المعنية سيرتقي ويتطور، وحتى لن يقف الأمر عند هذا الحدِّ، بل إن تفعيل ميزان الحقوق والواجبات سيرتقي أيْضًا بالسلوك والأخلاق إلى المستوى الحضاري المتقدم والراقي وأكثر من ذلك أنّه سيحمي الحرِّية المسؤولة وسيُحفِّز العقول على الإبداع والإنتاج.

وعلاوة على أن هذه الصناعات التأمينية ستفتح آفاقًا واسعة من فرص العمل للمواطنين مثل تنشيط وتفعيل مهنة المحاماة والاستشارات القانونية والشرعيَّة فإنّها أيْضًا ستستوعب أو تستحوذ على مهنة التعقيب وتقضي على فوضويتها الحالية، فالمحاماة والتأمين والتعقيب تشترك في سوق واحد وهو حماية وضمان الحقوق، إما بالترافع والمخاصمة أو الضمان والتغطية أو بكلاهما، أيّ أنهّم يحلّون محل الفرد أو المجموعة للمطالبة نيابة عنه أو عنهم أمام كافة الجهات العامَّة والخاصَّة المحليَّة والخارجيَّة، والملاحظ اليوم سرعة انتشار شركات التأمين واهتمام وزارة العدل بتنظيم وحماية مهنة المحاماة، وكلا الأمرين يدفع بالتوقعات ليوم تصبح فيه الحقوق والواجبات توزن بميزان الذهب لتكلفه تبعات المسِّ بها، وهو ما يعود على ضبط السلوك وترقية الأخلاق بين أفراد المجتمع وكذلك العلاقة مع المؤسسات والجهات الحكوميَّة والأهلية، مما يأخذها نحو دحر الفساد وتقديم أداء أفضل وأرقى، ورب سائل يسأل: وما العلاقة بين الفساد وشركات التأمين؟ والجواب هو أن كلا الطرفين يبحث عن المال وبالتالي هما خصمان لدودان لا بُدَّ لأحدهم أن يقضي على الآخر.

أخيرًا (فقد) يكون تفعيل النَّشاط التأميني لضبط ميزان الحقوق والواجبات أهم وربما أكثر فعالية من وجود مجلس شعب أو شورى يُشرّع ويراقب ويحاسب حتَّى لو كان منتخبًا، باعتبار أن وجود البرلمانات ومجالس الشعب في كثير من الدول لا تصنَّع إلا ما يعكس وعي وثقافة مجتمعها، وفي الغالب ترى صورة المجتمع في برلمانه، وهذا يعني أن مسافة الرقي والتطوّر في الوعي والسلوك المجتمعي وهي الأهمّ ستكون طويلة ومحفوفة بالمخاطر بينما تفعيل ميزان الحقوق والواجبات من خلال تأمينها من قبل جهات استثماريَّة تنافسية سيجعل الانضباط في الأداء والسلوك والأخلاق ينحى إلى مسار أعلى وأرقى وأسرع، وهذا هو المطلوب لتوفير بيئة ومجتمع قادر حينئذ على انتخاب أكفاء لمجلس شعب أو برلمان يعد بمثابة لبنة مكملة لتوطيد وتثبيت المسار في بيئة سليمة.

Hassan-Alyemni@hotmail.com
Twitter: @HassanAlyemni

محاربة الفساد بالتأمين ربما أجدى من مجالس منتخبة في مجتمع نامٍ
حسن اليمني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة