ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 24/01/2013 Issue 14728 14728 الخميس 12 ربيع الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الثقافية

الأستاذ الدكتور عبدالله بن أحمد الفيفي من أكثر الناس حماسة للعربية، ومن أكثرهم وعيًا بما يلم بها من مخاطر تكتنفها، من خارجها ومن داخلها، من أهلها ومن غير أهلها، وتوالت كتاباته المدافعة خطر العامية وخطر غيرها من لغات أعجمية، وهو ليس ضدّ تعلّم لغات الأعاجم؛ فذلك ضرورة في بعض الأحيان، ولكنه ضدّ إحلالها محلّ العربية، ولعل من أكثر كتاباته المبينة لانفطار كبده وحسرته على لغته ما كتبه بعنوان (العربيَّة في مَهبِّ العَرَب) في زاوية (رؤى) من صحيفة الرأي الكويتية عددها 12244، الثلاثاء 8 يناير 2013م، ص24. ناقش ما جاء من توصيات في وثيقة بيروت التي عنوانها «اللغة العربية في خطر: الجميع شركاء في حمايتها». ومما وقف عنده الزعم بأن «اللغة العربية هي اللغة الرسميَّة للدولة»؛ لأنه زعم لا يتعدى حدود الورق الذي كتب عليه أو اللفظ الذي تشدق به؛ فممارسة من يمثلون الدولة تعاند ذلك معاندة قوية. يقول: «بل إن القيادات، والهيئات الدبلوماسيَّة العربيَّة، ما تفتأ تتباهَى بالرطانة بأي لغة في العالم، غربية أو شرقية، عدا العربيَّة، خارج بلدانها، أو حتى في المسجد الحرام؛ لأن العقل إذا كان مغيَّبًا، والحسّ الحضاري إذا كان ميِّتًا، فلا غرابة أن يتحوّل الإنسان إلى محض ببغاء!». ثم يلتفت إلى ما سماه (أم الدواهي) وهي المؤسسات التعليمية التي أخفقت في تعليم العربية بدعوى زائفة، هي «اللغة العربيَّة صعبة»، ويضع يده على العلة الحقيقية التي يعرفها كل معلم زاول التعليم في مجتمع استهلاكي غير منتج، يقول: «وما هي بصعبة، لكن العرب زغاليل، لا قوَّة بهم على التعلُّم، ولا صبر لهم، ولا بيئة تربويَّة وتعليميَّة صالحة تحوطهم».

ثمّ ينتقل إلى أمر خطير، لا مثيل له في الأمم الأخرى، وهو سيطرة اللغة الإنجليزية على عصب العمل في البلاد وتحكمها في رقاب العباد، يقول: «أمّا المرض الرديف، فهَوَسٌ باللغات الأجنبيَّة، تحت ذريعة سوق العمل، وهو في الحق: (سوق الهمل). ومِن أجل سوق العمل صار مشروعًا جدًّا أن يُباع الوطن، والهويَّة، والشرف، لا لشيء إلاّ ليجد الأبناء مطامحهم في أن يكونوا عُمَّالاً في سوق العمل. وفي سوق العمل لا بُدّ من الرطانة مع الهندي، والبنغالي، والكوري، والفلبيني، بل مع العربي، بلغة كونيَّة واحدة، هي الإنجليزيَّة. فإذا لم نرفع الإنجليزيَّة إلى درجة القداسة في التعليم، ونرمي العربيَّة في سلَّة المهملات، ضاع مستقبل أبنائنا، وأي امرئٍ أحمق يرضى بذاك؟!».

وليس بغريب في مجتمع استهلاكي، أسلم أمر إدارة العمل فيه لتلك اللغة الأجنبية، أن يجعلها سيدة التعليم العالي أيضًا، يقول الأستاذ الفيفي: «أمَّا في التعليم العالي فنحن قوم لا طاقة لنا بالترجمة، ولا بالمصطلح، ولا بتطوُّر العلوم والتقنية. فما الحلّ؟ ليكن تعليم الطب، والهندسة، والعلوم الطبيعيَّة كافَّة بلسان قومها. لكننا سنحتفل كلّ سنة، طبعًا، بيوم اللغة العربيَّة، لنعبِّر عن طقوس الولاء والبراء من الكفَّار، ونرفع السيوف بلغتنا الضاديّة!».

وإن من المذهل أن تجد من أساتذة العربية من يجابهك بقوله «لِمَ التباكي على العربية»، ويجادلك في أهمية تعليم تلك العلوم بلسان قومها والقائمين على تطويرها ومتابعتها، وفي المقابل تجد أستاذًا طبيبًا هو الدكتور عبدالقادر الحيدر يقول وأنا أسمع: إن تقديم العلوم بالعربية يزيدها وضوحًا ويرسخها في الذهن أضعاف ما تفعله اللغة الأجنبية.

ويلتفت الأستاذ الفيفي آخرًا إلى ما أهملته وثيقة بيروت، وهو أمر الإعلام وخطره، فيقول: «أمّا الإعلام فأرى أنه لم يحظ من بنود (وثيقة بيروت) بما يستحق، مع أنه في تقديري أخطر من التعليم الآن. وهو لا يتقاعس عن دوره في خدمة اللغة العربيَّة فحسب، بل أكثره أيضًا معاول هدمٍ يومي للغة العربيَّة، ولكلّ ما يتصل بها من قِيَمٍ ومبدئيَّات. إن الإعلام هو أحد معاقل الفساد اللغوي في العالم العربي، إنْ بتلهيج اللسان، ومَرْمَدَته(1) في مستنقعات العاميّات، أو بتطعيمه بما لذَّ وطاب من ألسنة الآخرين، التي يستعذبها العرب استعذاب مركوباتهم المختلفة».

هذه مقتبسات من مقالة الأستاذ التي تعبِّر عن غضبه للعربية وإحساسه القوي بمكامن الخطر.

تحية من القلب إلى الأستاذ الدكتور عبدالله بن أحمد الفيفي، ودعاء بالتوفيق والسعي الدؤوب لرفعة العربية وإعادة أبنائها إلى حظيرتها قبل فوات أوان ذلك.

- (1) لم أجد الفعل (مرمد) في المعاجم القديمة، ولعله توليد صالح من الماء المُرمِد أي الآجن، فالفعل مرمد على هذا ملحق بالرباعي، ومعناه غمّس في الماء الآجن.

مداخلات لغوية
تحية للأستاذ الفيفي
أبو أوس إبراهيم الشمسان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة