ارسل ملاحظاتك حول موقعناSaturday 26/01/2013 Issue 14730 14730 السبت 14 ربيع الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

(هيا المقرن) إحدى طالباتي الذكيات جدا وكانت كغيرها من الطالبات مكلفة ببعض متطلبات المقرر الذي أقوم بتدريسه تحت مسمى الأصول الاجتماعية للتربية وذلك في مرحلة الماجستير في الجامعة وذلك بأن تختار موضوعا من جملة مواضيع واسعة نتناولها في هذا المقرر مثل المناهج الخفية والتنميط الثقافي داخل المدارس وتفسيرات علاقة القوة والسلطة والتأثير مابين المؤسسة المدرسية والقوى الاجتماعية خارج المدرسة سواء كانت وزارة أو مجتمعا كاملا

أو نظاما ثقافيا أو جمعية أو أسرة الخ من المواضيع التي تركز على دراسة الأثر الاجتماعي للتربية.. ذلك الجزء المهمل المنبوذ مما يمر بنا في خبرتنا اليومية المدرسية.. فنحن نرسل أبناءنا إلى المدرسة للحصول على شهادتهم الأكاديمية التي تثبت انتقالهم للمراحل الدراسية اللاحقة عبر تمكنهم من استيعاب معارف ومهارات محددة وضعتها الوزارة في قوائم التقويم أو عبر نماذج الاختبارات التقليدية التي يبدأها التلميذ السعودي من الصف الأول متوسط وتركز على معرفة درجة إتقانه للمهارات اللغوية والدينية والرياضية ونزر يسير من اللغة الإنجليزية لكننا لا نعير اهتماما كبيرا لكيف يتشكل عقل وقيم ورؤى هذا الطفل عبر ما يمر به من خبرات متعددة يكون مصدرها متنوعا سواء من خلال معلميه أو من خلال رفاق فصله أو من خلال وسائل الضبط الصفية أو المدرسية أو من خلال تنظيم البيئة المدرسية.. الخ من الوسائط التي تبدو في خارجها بريئة ولا علاقة لها بالطالب لكن هي في الحق من يعمل على قولبته وتنميطه لقبول فكر معين أو الوقوف بعقلية جمعية متكلسة ضد جماعات أخرى وهكذا ولعل الكثير من الظواهر اليوم التي يئن منها نظامنا التعليمي وعلى رأسها الأفق الضيق للطالب وانعدام الإبداع والتفكير العلمي والقبول بما تقول السلطة دون مناقشة هو أحد إفرازات هذا النظام التعليمي الذي تمت أدلجته وقولبته خلال الأربعين عاما الماضية ليخرج لنا مجتمعا ضائعا مابين عتبات الماضي وجهل المستقبل مما أفرز هذه الجموع العاطلة وهذه الجريمة والمخدرات.. الخ؛ من المشاكل التي بدأت تلتهم هذا المجتمع الذي أقنعونا لفترة طويلة بأنه آمن!!

غاليتنا هيا بذكائها الفطري وبحسها الإنساني العالي اختارت لدراستها الميدانية موضوع (ثقافة العنف في المدارس) واستخدمت أسلوب الملاحظة داخل الروضة لترى كيف تتشكل مفاهيم الطفل أو الطفلة في هذه السن المبكرة حول العنف وممارسة العنف لكنها خرجت مذهولة من سلوك صغار الأطفال الذكور والبنات الصغيرات داخل الروضة!

تقول هيا: لاحظت أن الطالبات لا يلعبن مع الطلاب والطلاب لا يلعبون مع الطالبات كذلك وحينما سألت أحد الأطفال ما رأيك أن تشارك زميلتك في ركن المكعبات (يتكون فصل الروضة من عدد من الأركان التعليمية التي يدخل الطفل فيها لتعلم المهارات ومنها ركن المكعبات). وأشرت إلى طفلة منشغلة ببناء المكعبات فرد على قائلا: أنا لا ألعب مع البنات؟!، أنا رجل والآن أمامك سأضربها وأعرف أنها ستبكي؟ وضحك زملاؤه البنين المحيطين به وأيده البقية منهم وقالوا نحن رجال!! والبنات يخافون مننا ونحن أقوياء ونقدر نبكيهم كلهم ولا يستطعن أن يتكلمن.. والفاجعه حين قالت طفلة في الخامسة من العمر كانت تقف إلى جانبنا وبلهجة عجيبة وبصوت معجون بصوت جدتها القادم من أقاصي التاريخ: (الحرمة حرمة تحترم رجالها وما تمشي قدامه ولما يدخل ترتب أغراضه ولو صرخ عليها لازم تسمع كلامه علشان ما يضربها)؟.

هل هذا هو ما نعلمه لأطفالنا في علاقتهم ببعضهم؟ أية علاقة مريضة بين رجل وامرأة تبنى على مفاهيم القوة والتسلط والاستئساد منذ نعومة أظافرهم بحيث يتم إيهام الرجل بمفاهيم القوة الجسدية المرضية التي احتاجها الرجل البدائي فعلا ودافع بها عن امرأته في العصور الحجرية البائدة لكن توارت قوتها في عصرنا الحاضر حين عم السلام والمدنية والعلم عالمنا لتعلو سلطة العقل والمنطق الذي ساوى فيه الخالق بين الذكور والإناث بحيث أصبحت الأفضلية هو لمن يستطيع أن يحقق الرعاية والأمن للأسرة كوحدة أساسية في بناء المجتمعات وظهرت خصائص أخرى تميزها وتبحث عنها المرأة الحديثة في الرجل مثل كسبه الشهري وثقافته وحكمته وعنايته بشؤون أسرته وحنانه وقربه الإنساني منها ومن أطفالها فكيف ظلت المدرسة كمؤسسة تنمية مجتمعية قابعة في غياهب جهلها لتسمح بتنقل ظلمات أفكار بعض الأسر وعقد علاقات الآباء داخلها إلى المدرسة ليتشربه جيل جديد يستحق أن نعده لزمان غير زمن آبائه ويستحق أن نؤكد الرؤية الإنسانية المتساوية للجميع ذكورا وإناثا.

بعض حالات العنف التي نراها داخل الأسرة السعودية (واستعرضها كثيرا ومشكورا برنامج الثامنة) مرده إلى تهيئة مريضة يتعرض لها الذكور داخل مؤسساتهم المختلفة مدرسية واجتماعية عن علاقة تسلطية بالفتاة لن تقبلها فتيات اليوم.. فتاة اليوم ترى نفسها بحجم موازٍ (إن لم يكن أفضل تبعا لتفوق نسبة كبيرة من الفتيات (وليس كلهن لكنها وكما أشارت الإحصاءات نسب دالة) والتي تتضح في كثير مما يقمن به من دراسة وعمل الخ. كما أنها اليوم وبدعم والدين متعلمين تنال تقريبا ذات الفرص الدراسية والامتيازات المالية التي ينالها شقيقها الرجل فلماذا نحشو عقل هذا الشاب بترهات مرضية عن علاقات عفا عليها الزمن بحيث ندفعه لفهم مشوّه وتوقعات مرضية من عروسه منذ محطات زواجه الأولى التي تتعرض للتهديد بسبب عدم وضوح العلاقة في ذهنه بالمرأة التي اقترن بها؟ فهل يجب أن يتبنى صورة القوي الهمام الذي يسيطر فلا يشق له غبار فيأمرها وينهاها ويمنعها ويضيق عليها أم يترك لها حرية وعقلانية التصرف فينعته من حوله بأنها أكيد (راكبة عليه)؟.

كيف دمر هذا التشوية الاجتماعي حتى أدق دقائق حياتنا؟ لا أعرف.. ولعلي فقط أبكي مع مئات الآلاف من الحالات لشابات مطلقات أعياهن فهم هذا الشاب السعودي القلق في علاقته بالمرأة.. لكن لعل هذا الشاب سيتمكن بمساعدة مجتمع ذكوري على إعادة تهيئة نفسه والالتحاق متى ما شاء بقطار الزواج والأسرة لكن ما ذنب مئات الآلاف من الشابات الصغيرات الذي قضى عليهن زواج لم يدم شهورا؟

كيف تم تشويه علاقة الرجل السعودي بالمرأة إلى هذا الحد؟
د. فوزية البكر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة