ارسل ملاحظاتك حول موقعناSaturday 26/01/2013 Issue 14730 14730 السبت 14 ربيع الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

محليــات

لم يكن أمام طلاب هذه الكلية في تاريخها كله الممتد منذ عام 1374هـ أي خلال أكثر من خمسة وخمسين عاما إذا ما استثنينا سنوات التغيير والتطوير الأخيرة التي أخّذت فيها الكلية بنظام الساعات؛ إلا أن يستيقظوا مبكرين، ويتوجهون إلى قاعاتهم عند السابعة صباحا؛ لتبدأ المحاضرة الأولى، ثم التي تليها، لا يفصل بين محاضرة وأخرى إلا خمس دقائق، ما عدا الاستراحة الطويلة ومدتها نصف ساعة من التاسعة والنصف إلى العاشرة، ثم تتواصل المحاضرات إلى الثانية عشرة ظهرا موعد أذان الظهر تقريبا، وفي بداية كل محاضرة كان الأستاذ الجليل - أمد الله في عمره - عثمان النجران يدخل علينا بدون استئذان وبقسمات جادة حازمة ليقرأ أسماء الطلاب ويشير إلى غياب من لم يحضر، فلم يكن ثمة تساهل أو نسبة معينة للغياب، أو أعذار صحيحة أو مكذوبة يقدمها الطلاب كما هي الحال الآن عند اقتراب نهاية الفصل؛ لئلا يحرم من كثر غيابه عن النسبة المقررة من دخول قاعة الامتحان !

كنا نشعر أننا في مهمة علمية جادة نبيلة ومثالية؛ فما بين قاعات الدرس إلى المكتبة للقراءة أو لمتابعة تقميش المادة العلمية للبحث السنوي الطويل الذي لابد من تسليمه قبل الامتحان النهائي آخر السنة؛ وقد يرسب فيه بعض الطلاب حين لا يجتهدون في كتابة بحوثهم على أصولها المطلوبة؛ أما اليوم فإن الطلاب يكلفون ببحث في كل مادة، ولديهم كم كبير من المواد، بالإضافة إلى كتابة بحث كمادة رئيسية في بعض المستويات؛ فكيف يمكن أن يجتهد الطالب في كتابة كل هذا العدد من البحوث ؟ ولهذا يلجأ كثيرون منهم إما إلى خدمات الطالب لتجهز لهم بحوثا سريعة ركيكة لا صلة لها بالموضوع الرئيس المقترح، أو للنقل مباشرة بالنسخ من الشيخ قوقل!

ثم كيف يكتب طالب بحثا وكليته لا توفر له مكتبة عامرة يلجأ إليها في أوقات فراغه بين المحاضرات؛ وبخاصة أن نظام الساعات السيئ يربك تنظيم الطلاب أوقاتهم، ويضيع عليهم ساعات فراغ قصيرة أو طويلة بين المحاضرات؛ قد يقول قائل : فليذهبوا إلى المكتبة المركزية، أقول نعم، هذا وارد؛ لكن الكلية حين تضم مكتبة حفية بتخصصات طلابها من الكتب والدوريات والبحوث؛ فإنها تختصر عليهم وقتا وجهدا، وتخلق في الكلية نفسها أجواء علمية ذات شذى ونكهة جادة رائعة.

لقد اختلف طلب العلم الآن في هذه السنوات القليلة المنصرمة في هذه الكلية الجليلة ذات التاريخ العريق عن ذلك التاريخ المثالي القديم؛ فلم يكن لدى الطلاب أوقات فراغ تضيع بين المحاضرات كما هو شأن نظام الساعات، وكانت بحوث الطلاب في السنوات الأربع كتبا تطبع، وتضيف للمكتبة معرفة جديدة، وكانت مكتبة الكلية عامرة بكل طارف وتليد، وكانت الكلية تعمر السنة الدراسية بسلسلة متوالية من المناشط؛ كالأمسيات الشعرية والمحاضرات التي يلقيها أساتذتها الكبار في قاعة كلية الشريعة حينا وفي عمادة شؤون الطلاب حينا آخر، وكانت الرحلات العلمية للمراكز الثقافية والمعاهد والجامعات لا تنقطع في داخل المملكة وخارجها، وكان طلاب الكلية يصدرون مجلة كل سبت تقريبا، ويكتب فيها النابهون من شداة الأدب شعرا ونثرا ونقدا ومقالات اجتماعية جادة وساخرة ،يكتبونها ويجودونها بخطوط أيديهم، ويضعونها في الصحيفة الدائرية القائمة على عمود، والمغلفة صفحاتها بزجاج شفاف.

وكانت القاعات مليئة مزدحمة بالطلاب، والدارس في الكلية أو المتخرج فيها يعد علامة في اللغة وعلوم الشريعة، وبحاثة وكاتبا وأديبا، ومطلوبا من دوائر الدولة، بحيث يفضل على غيره في التوظيف ! أما الآن فلا حول ولا قوة إلا بالله؛ فقد صحصحت قاعات هذه الكلية العظيمة ذات التاريخ المجيد إلا من النزر القليل من الطلاب؛ بسبب عقدة الوظائف وشحها أمام المتخرجين فيها، ولهذا السبب انصرف عنها كثيرون من الطلاب المتميزين إلى الكليات العلمية التي تتيح للمتخرجين فيها فرصا وظيفية أيسر وأوفر وأعلى دخولا وأكثر رخاء في مستقبلهم الوظيفي، ولم يعد للكلية ذلك النشاط الثقافي والأدبي القديم، وانعدمت رحلاتها العلمية في الداخل والخارج!

اللهم أعد إلى كليتي العزيزة الأثيرة إلى نفسي تاريخها السنوي القديم ودوامها الصباحي المبكر من السابعة إلى الثانية عشرة، وأعد إليها مكتبتها الهاربة، وافتح لطلابها من لدنك فتحا وظيفيا مشرقا سخيا بهيا يعيد إلى قاعاتها العصافير المغردة الشاردة!

moh.alowain@gmail.com
mALowein@

كلمات
أين كلية اللغة العربية العظيمة من تاريخها المجيد القديم ؟!
د. محمد عبدالله العوين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة