ارسل ملاحظاتك حول موقعناTuesday 29/01/2013 Issue 14733 14733 الثلاثاء 17 ربيع الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

ومن المسلمات أن لكل دوله قوانينها، وأعرافها، التي تختلف عن قوانين غيرها، وأعرافها. وما من أحد ضاق ذرعاً بهذا الاختلاف، أو تطلع إلى التماثل، حتى الولايات داخل الدولة الواحدة تتمتع بهذا الحق.

ثم إن العاملة (السيريلانكية) أقدمت بمحض إرادتها، وبكامل قواها العقلية على إزهاق روح بريئة، ليس لها ذنب، ولا تعي ما دار بين الأم والعاملة من خلاف. والعاملة حين فقدت إنسانيتها، ومارست جريمتها بكل وحشية، وبلا إنسانية، لم نسمع لا من (بانكي مون) ولا من الصحف (البريطانية) ولا من سائر المنظمات من استنكر أو جَرَّم الفعل، مع أن الطفل البريء أحق بالتعاطف من القاتلة المذنبة، التي لا تحمل ذرة من رحمة، ولا نفحة من إنسانية. فالطفل قُتِل بلا ذنب، والعاملة قُتِلَت بعد ارتكابها أفظع ذنب، والطفل بهذه المفارقات أحق بالمناصرة، ولما كان (القتل أنفى للقتل) كما تقول العرب، و ( ولكم في القصاص حياة) كما يقول الله جل وعلا، فإن قتل القاتل قطع لدابر الجريمة، وخالق الكون أدرى بمصالح خلقه. وقوانين العالم الوضعية والسماوية تختلف فيما بينها، وعلى الكافة القبول بما رضيته كل دولة لرعاياها، وللمقيمين على أرضها.

لقد نُفِّذَ حكم القتل في سعوديين، وحُكِمَ على بعضهم بالمؤبَّد خارج المملكة، ولم نسمع من أحد استنكاراً.

وكم هو الفرق بين التظلم المشروع، والاستنكار غير المشروع. وإذا أحس أحد بالظلم، أو بالجور، فإن عليه أن يحدد بكل دقة وجهة نظره، إذ ربما تكون المحاكمة غير مستكملة لشروطها، أو يكون الحاكم جائراً في حكمه.

على أن حكم القصاص في المملكة، يمر بأربع مراحل، أو أكثر، والمرحلة الأولى لا يحكم فيها قاض واحد، بل يشهدها، ويحكم بها ثلاثة قضاة. ثم ترفع إلى هيئة التمييز، ومنها إلى المجلس الأعلى للقضاء، ومنه إلى الملك. وخلال تلك المراحل، يكون هناك تقويم دقيق للحدث وملابساته، فلقد يُحكم على الجاني بالقصاص، وجرمه أقل خطورة من سائر جرائم القتل، وهنا يتدخل المحسنون والشفعاء لحمل ولي أمر الدم على التنازل، وعتق رقبة المحكوم، وقد تُدْفع له الملايين، لحمله على العفو، وقد يتدخل الملك بنفسه، ويقابل أهل الدم، ويطلب منهم التنازل، ومن ثم يتنازلون برضاهم، أو يصرون على طلب القصاص. ثم لا يكون بد من التنفيذ.

إن تنفيذ القصاص ليس من السهولة، بحيث يتعرض لتجاوزات مخلة بالعدالة، والمستنكرون إما جهلة، أو مغرضون.

والدول التي عدلت قوانينها الوضعية، وتحولت من الإعدام إلى المؤبد، لم يُسَاومها أحد، ولم ينتقدها فضوليو زمن الإعدام، لأن ذلك من شأنها، ومن حقها، ولكل دولة قانونها، ومصادر هذا القانون. ولا يجوز لكائن من كان أن يحول بين الدولة وتنفيذ مقتضيات القانون المعلن، والمعروف من القاصي والداني. وكيف تُفرض على دولة إسلامية قيمٌ ومبادئ وقوانين ليست من عند الله.

لقد أقرت المملكة إعدام مهربي المخدرات تعزيزاً، لفظاعة مقترفاتهم، ولاستفحال ظاهرة التهريب، وترويج المخدرات، وأعلنت ذلك في الموانئ والمطارات، ومارست الإعدام في عدد كبير من المجرمين، وهذا حق مشروع لها. والذين يغامرون، ويُهربون المخدرات، يعلمون يقينا أن مصيرهم القتل، ومع ذلك يقدمون على الجريمة، وسجون المملكة مليئة بالمهربين والمروجين، الذين ينتظرون تنفيذ الأحكام.

ومقترف (بانكي مون) يعضده إعلام غوغائي، ينبعث كفحيح الأفاعي من هنا وهناك، وليس مثيراً بقدر إثارة ذلك التصريح الذي أطلقه رجل بوزن الأمين.

ونحن لا ندري ماذا يريد (بانكي مون) من هذا الاستنكار المُسْتَنْكَر بكل المقاييس.

فهل يعترض على حكم الله في قتل القاتل؟

أم يعترض على الحكم الصادر بحق العاملة؟

وإذا استقبلت الدولة هذا الاعتراض.

فهل من حقها أن تحقن دماء كل الموقوفين بجرائم القتل، وتهريب المخدرات؟.

أم تميز بين الوافدين والمواطنين في الأحكام القضائية؟

وكيف يستتب الأمن في دولة تحتضن أكثر من عشرة ملايين وافد، لو أنها قبلت بمثل هذا التدخل في شؤونها الداخلية.!

ومن ذا الذي يملك الحق، فيضع القانون الذي يرتضيه لدولة يختلف معها عقيدة وثقافة؟.

ومن ذا الذي يملك الحق، فيمارس الوصاية على شعب له حضارته، وثقافته، وعقيدته، وقانونه، ودستوره؟.

ودعونا نستجيب لداعى السماء :- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}(الحجرات :6].

فنسأل:

هل ما تناقلته المواقع عن المكتب الإعلامي لمعالي الأمين صادر منه بحذافيره، وبذات المفهوم المتداول، ولم يتقول عليه أحد بعض الأقاويل؟

وحين تصح نسبة القول والمفهوم إليه، نتساءل:

هل هو ينتقد المبدأ أو الإجراء؟

فإن كانت الأولى فتلك كارثة. وإن كانت الثانية، فعلى الدولة المستهدفة أن ترشده إلى جادة الصواب. عسى أن يكون شجاعاً فيبدي اعتذاره وأسفه.

على أن ما يبدو من التصريحات والتدخلات (شنشنة نعرفها من أخزمِ)، وهي توحي بأن العالم يعاني من أزمة ضمير.

فأصحاب المبادئ والمواقف يتساءلون عن غياب الضمائر في كثير من الحوادث.

فأين (بانكي مون) عن مجازر دموية في بقاع كثيرة من العالم، لسنا بحاجة إلى ذكرها، لأنه يعلمها علم اليقين؟

وأين هيئات الأمم، ومنظمات حقوق الإنسان من انتهاكات عرقية، وطائفية، ومنظمات إرهابية، أزهقت الأرواح، وأتلفت الحرث والنسل؟

وأين هؤلاء جميعاً من تدخلات دولية، سلبت الحريات، وأشعلت الفتن، وأزهقت الأرواح البريئة، وأخلت بالأمن، وزعزعت الاستقرار، وسلّحت الأخ ليقتل أخاه؟

ولربما نكون في ضجة المآسي، واستفحال الظلم، وتسلط الأقوياء بحاجة إلى ترديد قول الشاعر :-

(قتْلُ امرئٍ في غابة - جريمةٌ لا تغتفر

وقتلُ شعب آمن - قضيةٌ فيها نظر)

وبعد: يا فخامة المسؤول الأممي. إن كنت تدري أنك بهذا التصريح الفج تجرح كرامة شعب بأكمله، فتلك مصيبة.

و إن كنت لا تدري بحجم هذه الإساءة، فالمصيبة أعظم..!

كَبُرَت كَلِمَةً تَخْرُجُ من فَمِ (بانكي مون) 2-2
د. حسن بن فهد الهويمل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة