ارسل ملاحظاتك حول موقعناWednesday 30/01/2013 Issue 14734 14734 الاربعاء 18 ربيع الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

ما دام هناك عالمان غربي وإسلامي إلى جانب العوالم والأمم الأخرى على هذا الكوكب الجميل، فإن الجدل سوف يستمر عن طبيعة العلاقة بين هذين العالمين وكيفية صياغتها وتشكيل كينونتها،

خاصة مع الرصيد التاريخي الضخم الذي يجمعهما منذ أكثر من 14 قرناً، وفي ظل التحول الحضاري الواضح في خاصية التلاقي بين الشعوب والأمم، من عوالم تسكن قرية واحدة إلى اجتماعها في غرفة واحدة، ثم ظهورها على شاشة واحدة قياساً بثورة المعلومات وتقنية الاتصالات الهائلة كما تحدث عن ذلك أستاذ العلاقات العامة والإعلام والكاتب الصحفي الدكتور عبدالرحمن العبد القادر في برنامج (قلم يتحدث) على قناة (الإخبارية) امتداداً لما طرحه في زاويته بصحيفة (الشرق).

ما يعني أن طبيعة العلاقة بين الشعوب المختلفة، أو على مستوى الأمم والعوالم البشرية المتباينة في العقائد والعادات وأنماط الحياة، لم تعد محددة بإطارات سياسية أو اتفاقيات عسكرية تضعها الحكومات، أو مرتبطة بمعاملات اقتصادية تنسجها مراكز القوى في الدول وفقاً للمصالح التجارية المتبادلة، إنما تحولت هذه العلاقة إلى لقاء حضاري مستمر ولحظي بين الشعوب المتباعدة، لا تفرقها حدود ولا تمنعها سدود ولا تضبطها قيود، فكما قال الدكتور العبد القادر إن العالم أصبح بـ(يدك) وعلى شاشة جوالك، بحيث تتواصل بأيه لحظة مع شخص في أقاصي الأرض يختلف عنك في المعتقد الديني والتفكير الذاتي، ويتباين معك في النمط المعيشي والمستوى الحضاري، فتنشأ بينكما علاقة ودية من التعارف البشري والتعايش السلمي، هذه العلاقة العفوية تفوق في أبعادها الإنسانية كل المواثيق والمعاهدات الأممية والعلاقات الدبلوماسية بين الدول، لأنها علاقة نشأت بشكل طبيعي وغير محكومة بمصالح دولية أو خاصة. ولأن الغرب بشقيه الأميركي والأوروبي هو من أنتج التقنية الفاعلة في كل مسارات التواصل بين أمم الأرض وشعوب العالم، وصارت حضارته المادية هي المتفوقة وقيمها هي السائدة عالمياً، فإن ذلك يدفعني إلى مراجعة الموقف الفكري السلبي، الذي ما زال يتبناه الكثيرون في مقاومة الحضارة الغربية بدعوى حماية الهوية الإسلامية من الذوبان في هذه الحضارة رغم اعترافهم بتغولها في الحياة الإسلامية، هذه المراجعة لا تعني بالضرورة الاستسلام لهذه الحضارة المادية الطاغية، إنما مجاراة ازدهارها والتكيف مع إفرازاتها، من خلال البحث عن كيفية التوفيق بين قيمها الإيجابية وفضائلها الحضارية بما يخدم المشروع الحضاري الإسلامي من جهة، ومن جهة أخرى يعزز الحصانة الذاتية في المجتمع المسلم من المؤثرات السلبية لحضارة الغرب، وهنا لن أستشهد بالتجربة اليابانية لأن ظروفها تختلف عن واقع العالم الإسلامي، فالدين بالنسبة لليابانيين أشبه بالثقافة، بينما هو لدى المسلمين ركيزة أساسية في حياتهم ومرجعية رئيسة في عباداتهم ومعاملاتهم.

إنما سأستشهد بأعظم تجربة تاريخية إسلامية في فن التعامل مع حضارة الآخر والأخذ من كنوزها المفيدة، وأعني بذلك (عهد الخلفاء الراشدين).

ذلك العهد الحضاري المجيد وتحديداً الفترة العمرية، التي شهدت أولى حالات الاحتكاك الإنساني مع شعوب تفوق العرب حضارة، كما امتازت تلك الفترة المشرقة بالرؤية المتزنة والجلية، من حيث التفريق الواعي بين ما يعتبر في إطار (الخصوصية الإسلامية) وبين ما يدخل في (المشترك الإنساني)، فأخذ المسلمون من الفرس والروم والهند والصينيين وغيرهم الدواوين الإدارية والعلوم الطبيعية والفلسفة والطب.. وغير ذلك من منتجات مادية ونظم حياتية، وتركوا عقائدهم الفاسدة وقوانينهم الوثنية ومنظومة قيمهم الحاكمة للعلاقات والسلوكيات الاجتماعية، لذلك تلاحظ أن المسلمين في كل عصورهم، التي تلت العهد الراشدي كانوا على مسارين متوازيين ومنضبطين، ففي مسار السلم والنصر الغلبة استوعب المسلمون حضارة وقيم الآخر وطوروها دون أن يطمسوها أو يعبثوا ببعدها الإنساني، أو يلغوا حق معتنقها في إبرازها أو ممارستها الواقعية، وبذلك حققوا (عالمية الإسلام) التي لا تلغي الآخر ولكن تترك له الخيار الحضاري التام، لذا تجد أمماً ذابت في الحضارة الإسلامية بمحض اختيارها كحضارة فارس حتى سجلت نفسها إحدى أهم محركاتها.

وفي مسار الضعف والهزيمة والاستسلام لم يذب المسلمون في حضارة الآخر أو يفقدوا هويتهم أو يتخلوا عن قيمهم السامية، ولكن أخذوا منها ما يدخل في (المشترك الإنساني) وفق مرجعيتهم الإسلامية، التي تمثل مصدر التمكين لهم وباعث العودة لحضارتهم الغائبة. وعليه لا بد أن نعي هذه المعادلة الحضارية في واقعنا اليوم بحكم سيطرة الحضارة الغربية، فلا نرتمي بحضنها بالكلية ولا نرفض إفرازاتها بالجملة! فكل تفاصيل حياتنا الدقيقة مرتبطة بـ(الفكر والمنتج) الغربيين، والقاسم المشترك بينهما (القيم)، كونها تدخل في تجليات الفكر وتطبيقات المنتج.

وبحكم أن هذه القيم جاءت نتاجاً لظروف تجربة الغرب التاريخية وبما يتفق مع طبيعة حياتهم، التي تشكلت بقطيعة تامة مع الدين المسيحي وتشريعاته وأخلاقياته، لذا ينبغي أن نتعامل معها بوعي وحذر ووفق مرجعية إسلامية راشدة، فعلى سبيل المثال..

المنتج له استخدامان مادي وأخلاقي، الأول يكون حسب المعرفة الغربية، والاستخدام الآخر يكون حسب المرجعية الإسلامية وقس على كل منتج، كذلك الحال بالنسبة للفكر وما يتصل به، فخذ العلاقات الاجتماعية، تجد مساراتها لدى الغربيين مفتوحة على كل المستويات بين المرأة والرجل، غير أنها محكومة بمعايير أخلاقية عظيمة كالصدق واحترام الوقت وغير ذلك، ولكن بالنسبة لنا تبدو المسألة مختلفة، فكل العلاقات الاجتماعية بين المرأة والرجل محكومة بحدود شرعية ذات مستويات معروفة، مع التقيد بتلك المعايير الأخلاقية لأنها متفقة مع قيمنا الإسلامية.

الغرب ليس شر كله إنما أخذه على إطلاقه يُحيله إلى شر مستطير.

moh.alkanaan555@gmail.com
تويتر @moh_alkanaan

الغرب يعيش في تفاصيل حياتنا!
محمد بن عيسى الكنعان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة