ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 01/02/2013 Issue 14736 14736 الجمعة 20 ربيع الأول 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

بمطالعة الأدبيات الإنسانية القديمة.. ومتابعة مسيرة الإنسان عبر التاريخ نجد أن هذه المسيرة ليست سوى مسيرة بحث عن إثبات الذات بشتى الطرق.. ومن خلال المسيرة الطويلة لرحلة حياة الإنسان في الكون تتراءى للبشرية أرتالٌ من تصورات تراكمية حول مجمل الخصال التي تجعل من الإنسان إنساناً.. يؤدي دوراً في حياة الناس والمجتمعات.. ويترك أثراً إنسانياً شاملاً ومميزاً في الوجدان الجمعي بعيداً عن كل الألقاب والمناصب والرتب العلمية والثقافية والاجتماعية.. الإنسانية استحقاق.. فإذا كان

لكل مرحلة من مراحل تطور الإنسان مفاهيم خاصة بها.. وأن لكل مفكر.. ولكل مدرسة فكرية مفاهيمها التي ترتكز عليها فهل إنسان اليوم يختلف عن إنسان الأمس..؟ وإذا كان كذلك فأين يكمن وجه الاختلاف..؟ البعض سيقف طويلاً حائراً ومتسائلاً عن كيفية الإجابة على هذا السؤال.. والبعض سيتوغل في عمق السؤال بحثاً عن إجابة شافية.. فالتفكير قد يُلهِم عدة إجابات لكن أي هذه الإجابات يختار..؟ والبعض ربما يقول الإنسان يتغيّر بتغيّر الزمن.. وهكذا كل يدلو بدلوه.. لكن مهما تعددت الإجابات.. ومهما اختلفت الرؤى وتعددت فلسفة المفكرين فإن الإنسان يبقى إنساناً.. يكمن في نفسه وفي ذاته وأعماقه مشروع الإنسان بكل المعاني والقيم الإنسانية وحتى إن تفاوتت من نفس إلى نفس.. يظل كل إنسان حالة خاصة متفرّدة بذاتها، الواحد لا يشبه الآخر إلا بالمكتسبات والمبادئ التي تصقل الشخصية وتعزّز أي قيمة إنسانية وُلِدت بالفطرة. رغم كثرة الرؤى التي طرِحت وما زالت تُطَرح من قبل فلاسفة العلوم الإنسانية والتي تبحث في كنه أسرار إنسانية الإنسان وتتعمّق في تشخيص خصائصه إلا أن هناك تشخيصاً جميلاً لفيلسوف العلوم الإنسانية (ماسلو) يشير فيه إلى أن أدق إنسانية الإنسان تتمثَّل في تقبّل الآخرين.. البساطة.. التمتع بالإيثار والتفاني.. له أسلوبه المتميز في المعايشة يفصل بين الغاية والوسيلة يتميز بالحكمة وليونة الطبع والبشاشة والالتزام بالقوانين والآداب.. قد يقول قائل ربما تكون الظروف والبيئة المحيطة أقوى من إنسانية الإنسان فيستسلم ويخضع تحت أي رياح قاسية وعاتية تهب عليه.. فتتحوّل تلك القيم الإنسانية الجميلة التي تزخر بها نفسه إلى قيم مضادة.. يُبتلى بها ويصطلي بنارها فيعيش في طوفان من صراعٍ لا ينتهي.. لماذا نجعل من الظروف والبيئة شماعة نعلّق عليها إسقاطاتنا وهزيمتنا بمجرد حدوث طارئ سلبي لنا؟ لماذا نحول النظرة إلينا إلى نظرة شفقة نتيجة نقطة ضعف اصطُدمنا بها وحملتنا على تناسي كل إيجابياتنا الرائعة؟ لنعد قليلاً إلى الوراء إلى قرون خلت وكيف كانت إنسانية الإنسان رغم قساوة الحياة؟ الإنسان كان إنساناً رغم بدائيته وبدائية وقساوة الحياة التي كان يعيشها.. عاش مع الطبيعة الموحشة ورياح أعاصيرها وسيولها وفيضاناتها لكنه استطاع بقدرته التي حباها الله له أن يسخّر تلك الطبيعة الثائرة لصالحه.. أن يطوّعها لخدمته.. أن يتكيّف مع كل ظرف قاسٍ يمر به في بيئته البسيطة.بل الأجمل من ذلك كله أنه حوّل تلك البيئة البدائية البسيطة إلى مرتع لهوٍ بريء يتسلَّى فيه.. يتعلّم منه يكتشف يبتكر ويخترع.. أوَليس هذا البدائي هو من اكتشف أن احتكاك حجرين يولِّد شرارة يتحدى بها صقيع الشتاء.. ويحمي بها نفسه من وحوش الحيوانات وأشدها افتراساً.. ويستمتع بمذاق طعام أنضجته شرارة الحجرين..؟ أوَليس هذا الإنسان البدائي الذي لم يحمل ألقاباً أو رتباً أو حقائب وزارية أو شهادات وهمية أو مناصب إدارية.. أو.. أو.. هو إنسان تكمن في أعماقه كل معاني إنسانية الإنسان المتمثلة في المحبة والحرية المسؤولة الواعية.. والالتزام، حيث الفوضى.. والإصغاء، حيث الضجيج.. والصمت، حيث الثرثرة.. هذا البدائي الذي حمل مشروع إنسانية الإنسان وعاش حياته بحلوها ومرّها.. هو الذي عرف طريق الإنسانية الحقة.. فأين نحن من ذلك في هذا العصر..! باختصارٍ شديد.. يبقى الجوهر والمعدن معياراً تُقاسُ به إنسانية الإنسان.

zakia-hj1@hotmail.com
Twitter @2zakia

عود على بدء
إنسانية الإنسان.. أين نحن منها..؟
زكية إبراهيم الحجي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة