ارسل ملاحظاتك حول موقعناTuesday 05/02/2013 Issue 14740 14740 الثلاثاء 24 ربيع الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

افتتح أوائل العام 2012 في الصين مقهىً استثنائي اسمه (مقهى الحزن) يعطي الحزانى الطريقة الأفضل للتعبير عن حزنهم وهي: البكاء!! ومنذ تمّ افتتاحه والمنتقدون الفوقيون يرددون ضده عبارات الهزء باعتباره يشبه مسرحية انتظار الذي لا يجيء (لصاموئيل بيكيت). ولكنه خذل هؤلاء بتكاثر رواده واستمرارهم حتى الآن وهو ما يعني أن البيروقراطية الطبية مخطئة دوما..

ولكنّ لها ذريعتها موجودة (ما من حقيقة نهائية حتى في العلم والطب). ورغم أنني إنسان - حزين - من الدرجة الأولى إلا أنني لم أكن أصدق أن هنالك ما يدعى بالحزن وأعتبره وسوسة شيطان. ولكنني كما ترون أؤمن بأن الحزن في جانب كبير منه هو شعور إيجابي.

إن الحزين هو أكثر الناس تأملا، ونعرف أن التأمل هو أعظم نشاط يقوم به الإنسان في حياته حين فراغه - طبعا - من مسؤولياته. فالتأمل يعتقك من الضجيج الذي تقوم به الكنديشنات. من ظلال الجدران التي تأخذ شكل الليل الموحش والخالي من رفقة والشحيح بالمصادفات. وزمان.. كان الراحل (عبدالصلاح عبد الصبور) يغني

(هناك شيءٌ في نفوسنا: حزينْ

قد يختفي ولا يبين!

لكنه: مكنون!

شيء غريبٌ، غامضٌ، حنون.

لعله التذكار!

تذكار يومٍ تافهٍ، بلا قرارْ)

ولكنّ هذا الحزين مات: بحزن! كان أيام الراحل انور السادات سفيرا لبلده بالهند. وذات ليلة استضاف عددا من النقاد والكتاب في سهرة بمقهىً قاهري وحاصره الضيوف بفاصل طويل من الانتقاص من الشعراء (بتوع الحكومة) وإنت منهم. وهنالك من يقول ما لا أستطيع أن أنقله لكم. لأنه (ينقض) الوضوء.

إن الحزن يجيء مبكرا.

لا ينتظرك حتى تبلغ السنّ التي لا تحفل بالعواطف. بل يداعبك ذات ظهيرة مطلا من شرفة الورد! وكم مرة قابلت صغيرا مريضا عقليا أو نفسيا. ولم تكن حالهم مثيرة للتوجس ولا للخوف. هادئين. تطل من بؤبؤي عيونهم الجميلة نظرة حزن شفيف! والحزن قابل للاشتعال بمواد كثيرة يجب عدم تواجدها لدى الحزين. ومرة قلت لصديق حزين لدرجة أنه حين يضحك يقهقه بصوت يتعالى يسمعه الجيران والمارّون في الشارع

- هل عمرك رأيت شجرة ورد ٍ حزينة؟

وضحك ممعنا في إلقاء حجارة ضحكه على بلاط الغرفة المكسوّ. وقال:

- يعني قصدك إني مريض أو أن قيمتي لا تساوي قيمة وردة؟

في الزمان ننسى نمرّ بمنعطفات خطيرة ونشرف مرّات على الهلاك ثم نقوم من الصدمة نضحك على قلة عقولنا. نحن نعي أن عقولنا قليلة أو صغيرة ودليلنا هو أن آباءنا يبدون متعبين من تلك الحكايات التي تمارس معنا. ومررت مع الزمان ديار ظبية.

رأيتها تؤرجح يديها والشعر الأشقر يلف كميّ ثوبها ووقفت متسائلا ببراءة ملفقة

- الساعة كم يؤذن الظهر؟!

قالت وهي تلوي شفتيها

- ما أدري!

بس ليه تسأل؟

- كذا!!!

ويجيء أرقى أنواع الحزن، ونقول أرقى ليس وصفا لها بالرقيّ ونقصد أعلى درجات الحزن وتعتبر طبيا حالة طوارىء بلا جدال! يجيء وبيده اليمنى ذات المخالب الرقيقة المصبوغة باللون الفاقع والمفتقد لكل تعبير سوي ما يسقط داخل الرجل الصغير من تعبيره عن السحر، دورقا مليئا حتى منتصفه بشيء يشبه الماء ولكنه يومض ويخرج منه دخان رقيق وغليظ. وشعرت بالرّعد وكأنه يمزّق أضلعي. وانحنى أمامي انحناءة اليابانيين. قلت ضاحكاً لنفسي إن القلق لوحده كما يرى الصديق (ابو عرف) ليس مبررا للكحولية! وحين سألته فورا وباقي أشكال الكيف والنسيان؟! قال مفئفئا:

- لا تريد نسيان ما مضى! وهذه النتيجة النهائية لجمعنا بعلامة (+)!

- تتخيل!

وانتهى الحوار المدجج بالسلاح الأبيض لأنه لكل شيء بداية ونهاية. والحوارات من أكثر المتعاملين بالحوارات هي سهلة طالما قرّر النخبة ذلك ولكن صعوبتها لا يكابدها سوى اللاعبين الذين للتوّ تسلّلوا من كرتهم (الشراب)!

الحزن هو شعور نبيل!

ليس مثل شعور الغيرة والحقد والعدائية، كأن فرقهنّ عنه كونهن مكتومات ويبالغن في إظهار العكس، لكن الحزن يخلق الابداع إن توافرت لصاحبه الموهبة والمواد اللازمة للعمل لرسم لوحة يعتبرها (خارطة طريق)، فالعودة من نفس الطريق هي النهاية المفضلة لمخرج الحلم (!).

تكون في سيارة أو تقود دراجة نارية دخانها يشبه غبارا أزرق. تذكرت (بندر بن سرور)

شَيٍّ بكبدي واهجه مستمرّي مير أزرق الدخّان يطفي لهيبه!

سلّطْ على الدخّان لو هو مضِرّي لُهْ حزّة ٍ عند احتكام المصيبة

وهنالك متحذلقون يظنون أن بكاء النساء هو زيف من قبيل دموع التماسيح والحقّ أنهم يظلمون أنقى الدمع... على الاطلاق!

alhomaidjarallah@gmail.com
حائل

نظرة ما
مقهى الحزن!
جارالله الحميد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة