ارسل ملاحظاتك حول موقعناTuesday 05/02/2013 Issue 14740 14740 الثلاثاء 24 ربيع الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

الحق ضالة المؤمن، فأين وجده فهو أحق به. بقي أن نذرع أمداء الحق المتصيدةِ شوارده، لنتعرف على محققاته، ومواصفاته. ومن ثم نقطع بأنه المنشود، لتأخذ الشريعة زينتها.ولكيلا تتفرق بنا السبل، وتنداح رقعة الخلاف،

كما تنداح دائرة في صفحة اليم، يرمى فيه بالحجر، دعونا نَفُكُّ الاشتباك بين آية: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة : 3] وتصيد ضوال الحق، بوصفه من المكمِّلات. وتلك مهمة علماء الأصول, الذين تحفظ بعضهم على تحري حكمة التشريع، لأنَّهُ مساءلة لمن لا يسأل عما يفعل. كما تحفظ آخرون على [القياس] لارتباطه بالتعليل. والتعليل هاجس المتسائلين، مع أن جانباً من التشريع مجهول الحكمة. ونحن مطالبون بالامتثال. ومن هنا تفرد الخالق بأنه لا يسأل عما يفعل، وتسامى فوق النقد والمساءلة, واتَّصف بما هو عيب في حق غيره كـ[الجبار المتكبر ] وهي الصفات التي تورط في نفيها المفكر [حسن حنفي].

ولأني لست معنيا بتلك المآزق والمزالق, التي أدارت الرؤوس, وحيرت الأفهام، وأزلت الأقدام, وأبعد الباحثون النجعة في تحرير مسائلها, وتأصيل معارفها، فأنني سأصرف النظر عنها، وإن كانت في النهاية رياضةً فكرية ممتعة، أَفِرُّ إليها، لأملأ بها فراغاتي المملة.

وهواجسي الآنية، تدور حول تردد الوجلين من ملاحقة بعض المسؤولين، ممن يَسْتَرْعِيْهم وليُّ الأمر على شأن من شؤون الحياة، بوصف الثقة تزكية، والمغامرة في مساءلتهم.

وولي الأمر مهما اجتهد، واستشار، واستخار، وقرأ, واستنار،هو في النهاية بشر، لا تعصمه القوة، ولا تحميه الأمانة، ولا ينقذه العلم، ولا يقيه الحفظ من الوقوع في الخطأ ابتداء, لا تعمداً، ولا إصراراً.

وحتى لو اكتملت فيه الأهلية، وتوفر على الصدق، والإخلاص، وسلامة النية والقصد, فإنه محتاج إلى من يشد عضده, ويثبت فؤاده، ويربط على قلبه، ويرود له المجاهيل، ويستشرف له المستقبل.

ومن ظن أنه فوق النقد والمساءلة, فقد أضاع أمانته، وفَرْعَنَ ذاته. والمجتمعات المدنية تتحصن بالمجالس النيابية، وبالأنظمة الوضعية، وباللوائح التفسيرية، وبالهيئات الرقابية.

والفكر السياسي الإسلامي شرع [الشورى]، لتكون مضارِعَة لما جد من آليات ومناهج رقابية ومحاسبية. وقد تكون بعض آليات المجتمعات المدنية ومناهجها من ضوال الأمة الإسلامية، فهي بذلك بعض الحق المنشود, والأجدى والأهدى أن نشتغل معها في القواسم المشتركة.

ولو أن رهانات ولي الأمر تقوم على العصمة المطلقة لمن يشاطره المسؤولية, لما أنشئت [هيئة مكافحة الفساد] و[ديوان المظالم] و[ديوان المراقبة العامة] وسائر الدوائر الرقابية، والمحاسبية، ولما تلاحقت الإعفاءات، والمحاكمات, لمن ضعفت أماناتهم، أو ساءت تصرفاتهم، أو تضخمت ثرواتهم، فضلاً عمن انتهت صلاحياتهم. ولنا في [الفاروق] أسوة حسنة، فهو أول من شرع [من أين لك هذا؟] وأول من ناصف عُمَّاله ثرواتهم، وأول من تحسس، ونثر العيون للحيلولة دون استغلال غفلة الرقيب، بل هو أول من فكر بتحديد الولاية، وتفادي التدوير والتمديد.

وإذ نقطع بأن هناك أخطاءً فادحة، وتقصيراً واضحاً، وتلاعباً مكشوفاً, وسوء تصرف إداري, فإننا نقطع أيضا بأن هناك نقداً مُغْرضاً، واتهامات كاذبة، وإشاعات مضللة، وافتراءات مزورة، تمس كفاءات وطنية.

وقول الزور أخطر من تلاعب المسؤول، وكيف لا نأخذ حذرنا من هذا النوع من الافتراء، والرسول صلى الله عليه وسلم حين قال:- [ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ] فلما وصل إلى قوله: [ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، وكان متكئاً فجلس، ومازال يكررها، حتى قال السامعون: [ليته سكت] فهناك الجلوس، وهناك التكرار, اللذان يؤكدان خطورة قول الزور, وموقف الإسلام منه.

ومن عَجبٍ أننا نستخف بهذه الظاهرة، ولا نلقى لها بالاً، ونتلذذ بجلد الأعراض وافتراء الأقاويل, وتصفية السمعة، وتقعير الرؤية في الهنات والتجاوزات.

والنقد حق, متى تخلَّص من الأهواء والأغراض، وقام على التَّثبت، غير أن إلجام المزورين, وكشف عوارهم أحق، عسى أن لا نكون في زمن الغثائية والسنوات الخدَّاعات, التي يُصَدَّق فيها الكاذب، ويكذب الصادق, ويؤتمن فيها الخائن، ويخوَّن الأمين، وتنطق الرويبضة. ونحن بهذه الأخلاقيات مغموسون إلى الاذقان في الغثائية, والسنوات الخدَّاعات, إن لم يتداركنا ربنا بلطفه ورحمته.

فالعاقل المنصف المستبرئ لعرضه ودينه، بمثل ما يستاء من التلاعب بأموال الدولة, ويضيق ذرعاً من التباطؤ في تنفيذ المشاريع، ويحذر الوقوع في سوء التوزيع، يستاء من قالة السوء, وافتراء الكذب, واتهام المسؤول، دون التثبت. والله سبحانه وصف المفتري بالفاسق, حين قال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات :6] وفي قراءة {فتثبتوا}. والتبين والتثبت مطلبان إسلاميان، لحماية الأعراض، وصيانة السمعة. ويكفى المفسدين عقاباً ما جاء في الآثار المتواترة: [كل لحم نبت على السحت النار أولى به] و[لعن الله الراشي والمرتشي والرائش] و[ أطب مطعمك تجب دعوتك ].

والذين لا يتحرون الصدق، ويجازفون في الأقوال, يجهضون الكلمة الطيبة، ويقيمون الحجة على أنفسهم، ويمنحون الفاسدين فرصاً للتمترس خلف قالة السوء, ويهيئون نافقاء، ينفذ منها اللصوص والمتلاعبون بجلودهم. فما يقال في حق المذنبين من صدق، يخالط ما يقال في حق الأبرياء من إفك. ومن ثم يختلط الزور مع الصدق، فتصير الأمور كـ[بقرة بني اسرائيل].

وإذا كنت أشاهد التقصير, والتبذير، وسوء التدبير ماثلاً كالشمس في رابعة النهار, فإنني أشاهد التزوير والافتراء والاتهامات الجائرة, تملأ الرحب، وتزكم الأنوف. وأحس بأن كلتا الحالتين تحتاجان إلى نقد ومساءلة، وكلتاهما مضرتان بمصلحة الأمة. والتهاون بإحداهما, أو بكليهما مخل بالأهلية.

وإذا كنت أطالب بإيقاع أقسى العقوبات على المقصرين والمخطئين والمتلاعبين والفاسدين, فإنني في الوقت نفسه أطالب بملاحقة المفترين الذين يَلِغُون في أعراض المسؤولين. وأمام ظاهرة الفساد المستَشْرية أنْشِئَت الهيئة، وبدأت تتحرك وسط الركام. وأمام ظاهرة قول الزور وشهادة الزور, لم تنشأ محكمة للآداب، لقطع دابر الافتراء والقدح في أعراض الأبرياء, والحيلولة دون التصنيف،واستعداء السلطة، والمسارعة في شرذمة الأمة إلى طوائف, وأطياف, وخلع رداء الحياء, والرتع في الأعراض المصونة، وهي ممارسات نراها رأي العين.

إن في الصحافة, والمواقع, وعبر التغريدات كُتَّاباً, خلعوا رداء الحياء, وأوغلوا في الخطيئة، وخطرهم على الأمة أكبر من المتهافتين على حُطام الدنيا، والأمة أحوج إلى محكمة للآداب, تقمع هذه الفئة الضالة حقاً.

يتبع...

الله وحده الذي لا يُسأل عمَّا يفعل «1-2»
د. حسن بن فهد الهويمل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة