Al-jazirah daily newspaper
ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 07/02/2013 Issue 14742 14742 الخميس 26 ربيع الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

منوعـات

خلال هذا الأسبوع قرأنا خبرين غريبين، المشترك بينهما السنوات الطويلة من المأساة، والزمن الذي أصبح لا قيمة له، وكأنما حياة الإنسان رخيصة إلى درجة نسيانه، بل دفنه تماماً، في انتظار السنوات التي تبلغ ثلاثين عاماً وخمسين عاماً، ومن يدري، ربما تبلغ مئة عام في انتظار شيء ما!

كان الخبر الأول المنشور في إحدى الصحف الإلكترونية هو مطالبات أهالي بلدة صغيرة اسمها «عصماء» تابعة لمدينة الرياض، بمركز صحي منذ خمسين عاماً، وهو مركز معتمد إنشاؤه في ميزانية عام 1384هـ، حسب الخبر.

المدهش، والمضحك، والمبكي في الأمر أن سكان البلدة، وعلى رأسهم رئيس مركزها، يحتفظون بأرقام المعاملات منذ خمسين عاماً، وأن الأرض التي سيقام عليها المستوصف تم إفراغها فعلاً، لكن إنشاء المستوصف لم يزل في طي النسيان، فكم من روح زهقت في البلدة تلك، وهي تنتظر هذا الحلم الصغير، وكم من رجل حفيت قدماه وهو يلاحق حلمه المفقود، إذ يمر بجوار الأرض البوار تلك، ويقول لأطفاله، وحتماً لأحفاده، يوماً ما ستدخلون من هنا، فيخط برجله قوساً صغيراً، ويقول لهم: هنا بوابة المستوصف، ثم يدخل بهم في ممر وهمي، ويشير بيده نحو الهواء الخانق قائلاً: أهلاً دكتور مصطفى! وحين يلتفت الأطفال ناحية الفراغ جازمين بهلوسة الأب، يبتسم ويقول لهم: يوماً ما، سيقام المستوصف، ويداوم دكتور أطفال اسمه مصطفى، يعالجكم حينما تمرضون!. ثم يمسح على رؤوسهم مؤكداً أنه سيحتفل معهم يوماً بهذا المستوصف، وفي هذا المكان تحديداً، لكن السنوات تلتهم أعمارهم، لتمر خمسون عاماً، كأنها حلم، والرجل المسن نام إلى الأبد تحت تربة لا تبعد ميلاً عن أرض المستوصف الموعود!.

أما الخبر الثاني، فهو لا يقل مرارة، في إهدار السنوات بانتظار المجهول، تلك كان حكاية عبدالله فندي الشمري، الذي يعتبر أقدم سجين في البلاد، حيث أمضى ثلاثين عاماً بانتظار حكم الإعدام، في قصة غريبة ومحزنة، لأنه حكم عليه بالقتل الخطأ، بعد خمسين جلسة من المحاكمات خلال سبع سنوات، ثم صدر بحقه القتل غير العمد، وفرضت عليه الدية، وخرج من السجن لعام وثمانية أشهر، تزوج خلالها وأنجب بنتاً، ثم أعيد إلى السجن، بعدما تم إلغاء الحكم السابق، وأدين بالقتل العمد، وحكم عليه بالقتل، وأمضى سنواته الثلاثين في محاولات مراجعة هذا الحكم، وتقديم الشفاعات لذوي القتيل دون جدوى، وتم إعدامه بعد أن نفذت في حقه ثلاث عقوبات متتالية، هي دفع الدية بحكم قتل غير عمد، ثم السجن ثلاثين عاماً، وأخيراً عقوبة الإعدام، وهو أصبح الأكثر حضوراً في مواقع التواصل الاجتماعي، لما في حكايته من غرابة وحزن ومأساة!.

هكذا مضت خمسون عاماً وأجيال من أهالي عصماء ينتظرون مستوصفاً، مجرد مستوصف فحسب، وليس مستشفى أو مدينة طبية! وهكذا مضت ثلاثون عاماً، وطفلة السجين الشمري تكبر وتنمو وتأمل، تنتظر حلماً ضبابياً في العفو عنه، والإفراج عنه، لكن الدية والسنوات الطويلة في السجن لم تشفع له كي يعود إلى بيته، زوجته، وابنته!.

كم هي رخيصة السنوات في حياتنا!.

نزهات
كم هي رخيصة السنوات!
يوسف المحيميد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة