Al-jazirah daily newspaper
ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 08/02/2013 Issue 14743 14743 الجمعة 27 ربيع الأول 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

متابعة

المربي عبدالرحمن الموسى علمٌ من أعلام «سدير» فقده الوطن
فهد بن زيد الدعجاني

رجوع

إقليم سدير يزخر بأعلام نوادر تعتمد عليهم القيادة، فيهم الإخلاص والتفاني والوفاء، وهؤلاء الأعلام تأسسوا على الأخلاق الحميدة المستمدة من الدين الإسلامي، وتمسكوا بفضائل القرآن الكريم والسنة النبوية، حتى أصبح يشار إليهم بالبنان، فهم يقفون داعمين لنهضة هذا الوطن، يحثون على الفضيلة والعمل المخلص الجاد، وذلك من خلال نشر العقيدة الصحيحة كما جاء بها القرآن الكريم وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فأصبحت قيادتنا الحكيمة تعتمد عليهم في كثير من خططها التنموية، وبخاصة فيما يتعلق بالمشورة وبناء المواطن الصالح، فهم سر توازن نمو الوطن، ومخزونه الفكري الذي يُعتمد عليه. ومن هؤلاء الأعلام الشيخ المربي الوقور عبد الرحمن بن ناصر بن محمد الموسى؛ الذي فقدناه مؤخراً. نعم؛ إنه فقيد الوطن وأحد رجالات «التويم» في إقليم سدير، فقد غيبه الموت مساء الخميس الموافق 12-3-1434 للهجرة، وقد أقيمت الصلاة عليه يوم الجمعة الماضي بجامع الجوهرة الماضي بروضة سدير، حيث اكتظ الجامع بجمع غفير من ذويه وتلاميذه ومحبيه. فكم هو مؤلمٌ أن نفقد من نحب، وكم هو مؤلمٌ أن يختفي نورٌ كان ينير الطريق بالفكر والعلم والقدوة الحسنة، لقد كان خبر وفاته كوقع الصاعقة، فاعتصر الحزن قلبي،، ولكن لا اعتراض على قضاء الله وقدره. لقد عرفت الشيخ عبدالرحمن الموسى منذ طفولتي، عندما كان جاراً لنا في الشارع الذي يقع فيه منزلنا ومنزله بحوطة سدير، عرفت فيه شموخ الرجال وهيبة العلماء، وكتب الله لي أن أكون قريباً إلى قلبه الكبير، وشرفت أن أصادقه في آخر عمره، فارتبطت به حباً وتقديراً، وتعمقت معرفتي به إلى درجة المشورة، فكان يشير عليَّ ويشاورني فيما يخص عملي، وكنت أشاوره فيما يخص الحياة كلها، وكيف لا وهو معين لا ينضب من الخبرة، وكيف لا وهو مدرسة وقدوة تُحتذى. لقد وجدت في أبي محمد خصالاً حميدة، صارت نادرة في هذه الأيام، فهو صاحب رأي سديد، وقلب حانٍ، ومخزون علمي كبير ممزوج بتجارب الحياة، فعندما أتعمق معه في الحوار أجد حلولاً لمشكلات كثيرة، وأجد توضيحاً لأمور تبدو لي غامضة، إنه بحق مدرسة استفاد منها الكثيرون وأولهم أنا، فقد أمضى في سلك التعليم ما يقارب الأربعين عاماً، فأثَّر هذا على تكوينه العلمي والفكري، فصار مخلصاً حازماً ذا هيبة، يحترمه الكبير والصغير، ويثق برجاحة عقله كل من يقترب منه. لقد شقَّ أبو محمد حياته منذ نعومة أظفاره بالكفاح والالتزام اليني والأخلاقي، وعرف الجميع عنه الرجولة والنخوة والكرم وفعل الخيرات، كان حاثاً للناس دوماً على التقوى والتقرب إلى الله في أعمالهم، كان ينصح بطريقة سلسلة مقبولة، لديه فراسة في معرفة الرجال الصالحين في هذا الزمن الذي اختلط فيه كثير من الأمور، وقفز فيه أشباه الرجال إلى الخصال الحميدة يتلبسونها بحثاً عن المجد ، وأيضاً هناك من اتخذ الدين مطية يعتلي بها رؤوس الناس، لقد استفدت كثيراً من الوالد أبي محمد، كان ينصحني بأمور لم انتبه لها، وأمور قد تلتبس عليَّ وعلى غيري، لقد كان لرجولته وصلاح نيته وطيب مجلسه لذة أوقدت حبه في قلبي، فذهنه البارع المتقد - رغم كبر سنه- جذبني إليه، فأصبحت أخصص وقتاً معلوماً لزيارته، وأدعوه في الوقت نفسه لتشريف مكاني فيلبي دعوتي مشكوراً، وكان يرحب بي ويسعد بمجيئي عنده، فتوطد ارتباطي به وارتبطت به ارتباط محبة عميقة نادرة، وعزز هذه المحبة رفيق دربه وصديق عمره وجاري أيضاً؛ الفاضل إبراهيم البلالي، فكلما أراد أن يزوره في بلدته «التويم» يطلب إليَّ مرافقته لزيارة أبي محمد، فهو يعرف قدره ومعزته عندي، ويعرف الود الذي يربطني به، فيا لها من لحظات جميلة ومفيدة عندما تجالس من يكِنُّ لك الحب والتقدير، ولا يبخل عليك بالنصح والإرشاد. إن رحيل الشيخ الموسى قد عمَّق الحزن في قلبي، وما عاد يسليني إلا تاريخه الناصع الذي أحطت ببعض أطرافه الزكية، والذي يعطرني به أيضاً رفيق دربه؛ جاري أبو عبدالكريم؛ إبراهيم البلالي، فنعم الجار، ونعم الصديق الوفي، فهو خير عوض لي في الصديق المشترك - أبو عبدالكريم - يشرد أحياناً ويستعيد ذكريات مضت فيقول: «عندما كنا صغاراً؛ كان أبو محمد حازماً في دينه، لم يثنه طيش الشباب، عن التزام جادة الصواب، وكان طوال حياته رجلاً شهماً كريماً، محباً على الدوام لطلب العلم، وهذه والله سيرة عطرة، وتاريخ مشرف». إن ما يخفف لوعة الفراق؛ حرص أبي محمد وتفانيه في خدمة دينه ووطنه ما وسعته السبل، ولذا فقد كانت نهايته حسنة، فختم الله له حياته بالطاعة كما بدأها، كان في أخريات أيامه لا يتردد في نصح الناس في المساجد، ويرتاد أماكن اجتماع الناس، ويتعرَّف الوقت المناسب للتذكير بالله، فيحسن القول، ويسدي النصيحة، فيلقى الاستحسان والإشادة والتقدير. لقد ختم حياته بجمع أسرته في مخيم بري في أسبوع العطلة المدرسية نصف السنوية الأخيرة، حاثاً إياهم على صلة الرحم طاعةً لله، ختم حياته بإكرم أهله وذويه ضارباً لهم خير القدوة والمثل. أشهد لك أبا محمد أن قلبك كان معلقاً بالصلاة، وبذكر الله في كل حين، وتذكُّر الموت دوماً كأنه ضيف واقف بالباب، وعلمت أنه قبل أن تفاجئك الأزمة القلبية كنت تتحرى وقت صلاة المغرب، وكنت تقول والموت ينازعك ويسري في أوصالك: «ألا بذكر الله تطمئن القلوب»؟.. كنتَ مُصرَّاً على أداء صلاة العشاء رغم وضعك الصحي الحرج في العناية المركزة، حيث الأجهزة الدقيقة ترصد آخر الثواني في حياتك. ومن العجيب في الأمر أيضاً؛ مجيء رفيق دربك إبراهيم البلالي للمستشفى، للفحص فشاهد أبناءك وقد اجتمعوا، وسألهم عن سبب وجودهم في المستشفى؛ فأبلغوه ما أصابك، فزارك في العناية زيارة المودع، ما أبهى خاتمتك أبا محمد.. لقد ختم الله حياة أبي محمد وهو يردد ويقول: «أشوف نور.. أشوف نور»، وسط دعاء أبنائه وتهليلهم.. ثم ما لبثت روحه المطمئنة أن فاضت، فلله ما أعطى ولله ما أخذ، ولا إله إلا أنت يا الله.. ما ألطفك.. ما أكرمك.. أدعوك يا الله أن تلطف بعبدك أبي محمد.. وأن تكرم منزلته.. وتجمعنا به في جنات النعيم.. وعزائي الحار لأبنائه وأسرته وأحبابه.. داعياً الله أن يجبر مصابهم.. وأن يلهمهم وإيانا وكل محبيه الصبر والسلوان.

- حوطة سدير

رجوع

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة