Al-jazirah daily newspaper
ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 14/02/2013 Issue 14749 14749 الخميس 04 ربيع الثاني 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

قلنا الأسبوع الماضي في إطار الحديث عن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في المغرب، كجواب عن أهم التحديات التي تعاني منها الأقطار العربية بدل الخوض في متاهات تكون الشعوب في غنى عنها، إنّ الدور

المنوط بالمجتمع المدني داخل لجن التنمية البشرية في المغرب، يتعدّى الأدوار التقليدية للتنشيط إلى وظائف حقيقية للقرار والابتكار والخبرة واليقظة. وقد أدت هذه الدينامية إلى تشكل شبكات قوية وممارسة حقيقية للشراكة.

فمنذ انطلاقتها، سجلت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية نتائج باهرة كمّياً وكيفياً، أبانت عن وجاهة طريقتها وصحة مقاربتها.

إنّ المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وهنا أحيي منسِّقتها الأستاذة نديرة الكرماعي، تُعَد حاملة لميثاق وطني من أجل التنمية البشرية، ينطوي على طموح كبير للمغرب وعلى خطة استراتيجية للتحوُّل الاجتماعي ولطرق حكامة الشأن العام.

فلقد مكنت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أيضاً من بروز دينامية اجتماعية بالمناطق التي تقطن بها الساكنة المحرومة عبر مشاريع ومنجزات واقعية. وبفضل هذه المنجزات، ساهمت هذه المبادرة في النهوض بالساكنة المحرومة، وذلك بتحسين ظروف عيشها، وبضمان رفاهيتها وبتقوية مؤهلاتها وقدراتها، الشيء الذي أدى إلى إدماجها الاجتماعي والاقتصادي، وخاصة عبر الأنشطة المدرّة للدخل. ولم يكن ذلك ليتحقق لولا التخطيط التصاعدي الذي سمح ببروز مشاريع وعمليات للتنمية تخص مختلف مناحي حياة المجتمع. وبلغة الأرقام، وعلى سبيل المثال، فخلال المرحلة الأولى 2005-2010، تمت برمجة 22.000 مشروع لفائدة 5.2 مليون مستفيد بصفة مباشرة، همت مجالات الحكامة، والولوج إلى البنيات الأساسية، وتقوية القدرات، والأنشطة المدرّة للدخل. هذه المشاريع، التي عبأت استثماراً إجمالياً يقدّر بـ 14.1 مليار درهم، ساهم فيه صندوق دعم المبادرة بمبلغ 8.4 مليارات درهم، وأسهمت في تحسين عيش الساكنة وكذا تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، في إطار تشاركي وتعاقدي.

من جهة أخرى، ساهمت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في الرفع من المستوى الاقتصادي عبر إنجاز أكثر من 3.700 مشروع مدرٍّ للدخل، مكّنت من خلق أزيد من 40.000 منصب شغل.

ويضاف إلى ذلك مؤشر من الأهمية بمكان، ألا وهو العدد الهائل من أيام التكوين لفائدة الفاعلين في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، حيث قامت التنسيقية الوطنية ومختلف أجهزة الحكامة على المستوى الترابي بتكوين 290.000 شخص / يوم / تكوين، دون أن ننسى التأثير الإيجابي لمبدأي التواصل المؤسساتي وتواصل القرب.

كما أنّ قوة التعبئة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية مكّنت السكان والمنتخبين والجمعيات والإدارة، من أن يتشاوروا ويعبّروا عن رأيهم في المستقبل المحتمل لمجالهم، من حيث الحاجيات وعمليات التنمية، وفق نهج تصاعدي. كما يظهر وقع هذه المشاركة الفعلية لمختلف الفاعلين جلياً من خلال التشخيص ونظام التتبُّع والتقييم. وبالنظر إلى المنطق الذي يحكم فلسفة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فإنّ للمسلسل نفس أهمية الإجراءات ومضمون العمليات.

ثم إن المكانة التي حظيت بها الجمعيات داخل أجهزة حكامة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، منحت دينامية للنسيج الجمعوي، باعتباره شريكاً أساسياً في مسلسل اتخاذ القرار في مجال التنمية البشرية. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ المواكبة التقنية والدعم المادي للجمعيات الحاملة للمشاريع في إطار برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ساعد على بروز واحترافية البعض منها. في الوقت الراهن، يمكن حصر أزيد من 6.000 جمعية مستفيدة أو حاملة لمشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.

كما تترجم مقاربة النوع الاجتماعي قناعة كبرى تم بلورتها على أرض الواقع، من خلال الرفع من تمثيلية النساء داخل لجن التنمية البشرية التي مرت من 9 في المائة سنة 2006 إلى 16 في المائة سنة 2010. من جهة أخرى، يشكل تحسين أوضاع المرأة والشابة خياراً استراتيجياً في تفعيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، كما يشهد على ذلك مجموع الأنشطة والمشاريع المنجزة في هذا الإطار.

ومع انطلاقة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وإلى يومنا هذا، تم المرور بعدة مراحل بصفة تدريجية، فمن التساؤل بشأن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وحول كيفية الانخراط فيها، كان الجدل حول النوايا الحقيقية للفاعلين فيها، إلى أن تم توضيح الأدوار، ثم إلى ثقة أفضل في النفس، ووصولاً إلى طريقة جديدة للعمل في إطار التآزر والشراكة، مع احترام تام لمبدأي التشاور والمشاركة. ويعتبر التسامح والاختلاف والكرامة، عناصر ومسائل أساسية تبيّن الامتلاك القوي للمشاريع من طرف الساكنة، الشيء الذي يُعد ضمانة حقيقية لاستمراريتها.

كما أنّ ظروف عيش الساكنة المستهدفة من مشاريع وعمليات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تحسنت من خلال بلورة مختلف مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أسهمت في تقليص معدّل الفقر، حيث أظهرت خريطة الفقر المعدّة من طرف المندوبية السامية للتخطيط بين سنتي 2004 و2007، أنّ هذا المعدّل انخفض بالجماعات القروية المستهدفة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بـ 41 نقطة، فيما لم ينخفض بالجماعات القروية غير المستهدفة إلاّ بـ 28 نقطة. بالإضافة إلى أن انخفاض الفقر لم يكن عاماً وكلياً إلاّ بهذه الجماعات المستهدفة. فقد سجلت نسبة الفقر انخفاضاً في 95 من الجماعات المستهدفة، وركوداً في 1.7 في المائة، وارتفاعاً على مستوى 3.3 في المائة منها.

ولقد أصبح نظام الحكامة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية على المستوى الترابي أكثر فعالية وشفافية. في هذا الصدد، مكّنت بعض التدابير ذات الطابع التنظيمي من تقوية تمثيلية النساء والشباب في لجن التنمية البشرية وإرساء تدابير للسلامة القانونية والمالية وتوسيع قاعدة «حامل المشروع» محلياً، وخاصة جماعياً ويمكن اعتبار إلزامية تعليل ونشر القرارات المتخذة، والنشر الإلكتروني لنتائج طلبات العروض، واللقاءات الدورية التواصلية والإخبارية، جملة من المكتسبات، تحققت بفضل الإرساء لحكامة جيدة.

هكذا، وبفضل هذه الحكامة المكيفة مع فلسفة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، تم خلق دينامية جديدة بين السلطات والمنتخبين والمصالح الخارجية والنسيج الجمعوي، تميّزت بالمشاركة والتشاور حول التنمية المجالية.

وبفضل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، تم إعداد وسائل وتنظيم تكوينات لضمان الاستقلالية الاقتصادية لحاملي المشاريع المدرّة للدخل، عبر تشجيعهم على الإبداع في طبيعة وفكرة وإعداد المشاريع. وقد تمكن حاملو تلك المشاريع، المنتمون إلى الساكنة في وضعية صعبة، من الحصول على فرص للولوج إلى الأسواق وإلى فضاءات التسويق لمنتجاتهم، سمحت لهم بالاندماج في المسلك الاقتصادي. من جهة أخرى، فإنّ روح الشراكة والمسؤولية طبع مجموع الفاعلين المعنيين.

وإجمالاً، مكن مجموع منجزات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من تحصيل وقع إيجابي على الأشخاص المستفيدين منها وعلى الفاعلين فيها، وخاصة فيما يتعلق بجودة الحياة والعمل، وبالخصائص البيئية، وبالصورة الذاتية، وتجلّى ذلك في تحفيز الساكنة، وانخراطها القوي، والإحساس بالإنصاف والمساواة، والاعتراف بالجميل، والأمل. كما يظهر ذلك من خلال ترسيخ قيمة احترام الذات، وتكريس الاستقلالية، والاضطلاع بالمسؤولية، وضمان التقدير والمواطنة المتفتحة.

كما أنّ إنجاز مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في إطار مقاربة تشاركية وتشاورية، مكّنت من تطوير القدرة لدى مختلف الفاعلين فيها على التعبير بسهولة عن وجهات نظرهم وإن كانت مختلفة، ومن الحفاظ على علاقة تبادل دائمة مع الآخر، بالإضافة إلى التثمين الكبير للدينامية الجماعية.

العديد من الدول العربية في حاجة إلى مثل هاته المبادرات التي تهتم بالعيش اليومي للشعوب، بدل الزّج بها في متاهات سياسية توقف مسيرة المؤسسات والأفراد وترجع البلاد والعباد عقوداً إلى الوراء ولله عاقبة الأمور.

المبادرات الوطنية للتنمية البشرية: رهان المستقبل
د. عبد الحق عزوزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة