Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSaturday 16/02/2013 Issue 14751 14751 السبت 06 ربيع الثاني 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

أصبحت استراتيجية المحافظة على المياه أكثر من أن تكون مجرد نظام عام له أهداف محددة، بل ظاهرة ثقافية اجتماعية تستحق الدراسة، بسبب حصر فرض تلك القوانين على صغار القوم، ثم تجاوزها للإهدار الكبير في مشاهد واضحة للناظرين، ومنذ ظهرت وزارة المياه وهي تعمل من أجل فرض استراتيجيتها الوطنية من خلال الإعلانات الدعائية ضد إهدار المياه، وعبر إصدار قوانين تحد من الحفر العشوائي، لكن تطبيقاتها على أرض الواقع تُقدم صورة مكبرة لما يعرف بالاختلال الكبير بين النظرية والتطبيق، قد يصل أحياناً إلى درجة الانفصام، ويمثل في جوهره إحدى أزمات التنمية التي نواجهها في كثير من الأمور، ولا نجرؤ على الحديث عنها.

يظهر أحد فصول تلك المعاناة فيما يواجهه المزارعون الصغار عند مراجعة الوزارة من أجل استصدار تصريح لحفر بئر سطحي في مزرعتهم الصغيرة، فالوزارة تضع عراقيل وصعوبات ضد نشاط المزارعين الصغار، بينما في حقيقة الأمر لا يُشكل هؤلاء أي تهديد للأمن المائي، لأنهم غالبيتهم يبحث عن مصدر للماء يسد حاجته الشخصية في مزرعته الصغيرة، بعد أن أنهى انتشار الشركات الزراعية الكبرى في الريف استثماراتهم ومشروعاتهم الزراعية الصغيرة في الماضي، وجاءت ممانعة الوزارة في إصدار إذن بالحفر للمزارعين لتنهي ما بقي من أحلامهم الصغيرة، ولتجبرهم على الرحيل للمدينة، ثم الالتحاق بنظام حافز.

بينما يُدرك المسؤول في الوزارة أن الاستنزاف الحقيقي للمياه لا يحدث بسبب نشاط صغار المزارعين، وإنما بسبب اتساع المساحات الزراعية للشركات الكبرى، ويُقال والعهدة على الراوي، إن إحدى الشركات العائلية للاستثمار الزراعي في الشمال حفرت مئات الآبار الجوفية في إقطاعيتها، ولو صبت مياها في الوقت نفسه في الصحراء لتكونت أنهار في شمال البلاد، وتزداد معاناة أصحاب المزارع من المواطنين قهراً وحسرة عندما يشاهد بأم عينه آلة الحفر العملاقة عند جاره الثري الذي تملك المساحات الشاسعة بعد أن باع المزارعون الصغار مزارعهم الصغيرة له بأبخس الأثمان، تحفر في وضح النهار عشرات الآبار، وتخترق طبقة المنجور على بعد أكثر من ألف متر، وتُقدم لها التسهيلات، بينما يحرم عليه أن يحفر بئر سطحي من أجل إبقاء نخيلاته على قيد الحياة.

في مشهد تراجيدي آخر، يشتكي أحد المواطنين من تكرر غرامة الوزارة على خروج المياه الذي يغسل به فناء منزله من الغبار الكثيف إلى الشارع، بينما يوجد مستنقعات مائية شبه دائمة أمام المجمع السكني الفخم في جواره، ومع ذلك لا يُغرّم صاحبه على إهداره للمياه، لكن حسرته ليست فقط بسبب الازدواجية في التعامل بينهما، لكن لأن الماء الذي غسل به فناءه اشتراه من وايت أزرق اللون ينتشر في شوارع الرياض، ويبيع المياه المحلاة، بسبب انقطاع المياه عن بيته بدون سبب يُذكر، وعندما تحرى عن الأمر وجد أن المياه تصب بدون انقطاع عن المجمع السكني الفخم، وأن صمام الأنبوب الذي يوصل المياه لمنزله مقفل حسب رواية المواطن.

كنت شاهداً على مقابلة للرئيس التنفيذي لشركة المياه الوطنية الحالي الأستاذ لؤي المسلم على شاشة إحدى القنوات الاقتصادية، ووجدته شاباً متحمساً، ويتحدث بطموح كبير عن مستقبل المياه في المملكة، وعند تناوله قضية معالجة مياه الصرف الصحي صرح بأن الشركة أصبحت تُعالج مياه الصرف بالدرجة الثالثة، وأن المعالج منها يصل إلى نسب عالية جداً، لكن حسب علمي من متخصصين في هذا الشأن أن نسب المعالجة بالدرجة الثالثة لا تصل إلى 10 % بينما تُهدر بقية المياه في وادي الحاير غير معالجة بشكل كامل، بسبب الضخ الكبير من أنابيب الصرف الصحي في مدينة الرياض، بسبب قصور الرؤية في بناء وحدات للمعالجة في جنوب المدينة، لكني مع ذلك رجوت أن تكون مصادري مخطئة في تقديرها، وأن يكون رئيس الشركة الوطنية على صواب، لكن حين أتجه جنوباً، وأشم الرائحة غير المريحة، أشكك في مصداقية بعض المقابلات الإعلامية مع بعض المسؤولين.

كانت المفاجأة الحقيقية بالنسبة لي عندما تحدث المدير العام عن خطة الشركة في استثمار المياه المعالجة، وبيعها لرجال الأعمال والشركات والمجمعات التجارية والمدن الصناعية، وفي ذلك خروج غير معلن عن الهدف الأساسي من تأسيسها، وهو معالجة مياه الصرف الصحي، وإعادة استخدامها في أغراض الري الزراعي كما هو الحل في بقية دول العالم، وبالتالي قد أستطيع القول إن رحلة موت أشجار النخيل في الرياض والأحساء وغيرهما قد بدأت، بسبب رؤية اقتصادية ضيقة تعطي شركة الحق الحصري لاحتكار المياه المعالجة، لتحقيق الأرباح المادية من مياه الصرف في وطن يعاني من قلة الموارد المائية، ولا يشتكي من الموارد المالية، وتظهر أبشع صور الانفصام في استراتيجية المياه عندما يواجه المزارع الصغير ممانعة في استصدار إذن بالحفر السطحي بعد انقطاع المياه المعالجة عن مزرعته، بينما لا يجد صاحب السعادة أي ممانعة في اختراق طبقة المنجور على بعد أكثر من كيلو متر في جوف الأرض، ولو احتاج الأمر إلى أكثر من ذلك تم توصيل المياه المحلاة إلى مزرعته، ويا دار ما دخلك شر.

بين الكلمات
انفصام في استراتيجية المياه الوطنية!
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة