Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSaturday 16/02/2013 Issue 14751 14751 السبت 06 ربيع الثاني 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

سعدت بلقاء متجدد مع زميل عزيز.. وكان للقائنا على الطائر الميمون في رحلة داخلية نصيبه من الشجون والذكريات الجميلة والباقية مع كثير من الزملاء في مجال التخطيط والإستراتيجيات! وكما الحديث ممتع مع من نحب لشخصيته المحببة ومكانته العلمية والمهنية، فلا مندوحة لنا عن الخروج بفوائد عديدة يسعدني أن أضعها بين يدي القارئ الكريم الذي نسعى دائما

أن تتزين مقالاتنا القادمة إن شاء الله بأطباق متنوعة وغنية بما لذ وطاب من شؤون النفط والغاز والاقتصاد والتعليم لتزداد الفائدة وتتحول الأفكار من طور التنظير والابتكار لمرحلة التنفيذ والإعمار ليسهل التنفيذ -بحول الله وقوته- من دون تأخير أو نقض وعود أو انتظار..

لقد كانت وما زالت همومنا المشتركة تتمحور حول تأثير كل تلك المصادر من النفط والغاز والاقتصاد على نهضتنا وتقدمنا لنصنع ونحصل القيمة المضافة في الاقتصاد المعرفي من خلال الاستثمار في العلوم ورعاية المواهب الوطنية الشابة وكيفية العمل لتحقيق ذلك بطريقة فاعلة وفعالة وماهي النماذج العملية للتقدم بخطوات واثقة على طريق لا تبدو عليه المعالم واضحة وبحاجة للتعبيد في ظروف عالمية متوشحة بالتأزم الاقتصادي والمالي والصراعات الفكرية والنزاعات..

تذكرت حماس زميلي العزيز وضرورة أن نكون “براغماتيين”.. هذه العبارة كان لها وقع غير مستساغ في سمعي لما وقع عليه بصري سابقا من قراءات عن هذا المفهوم الذي كثيرا ما يستخدمه البعض -عن حسن نية- للتأكيد على ضرورة أن نكون عمليين للحصول على النتائج بأسرع وأفضل طريقة.. وشتان ما بين مفهوم العملية و”البراغماتية”. ويزداد الأمر في تصوري خطورة - عندما نلجأ لاستخدام كثير من تلك المفردات دون عناء البحث العميق عن مدلولاتها ومناسبتها لثقافتنا الإسلامية العربية وواقع الحال.. فعلى سبيل التوضيح، “للبراغماتية” بعد تاريخي وعقدي، أرجو من الله التوفيق والسداد في إلقاء الضوء على بعض جوانبه في عجالة مستعينا بالله ثم بحسب ما أتيح لي من مصادر ومعلومات.

ينقل مصطلح البراغماتية إلى العربية بعبارة الذرائعية، ويترجم أيضا على أنها “النفعية”. وعليه يمكننا القول إنها ليست المرادف “للعملية” بمعنى أن يكون الفرد عمليا.. وبالمناسبة فإن البراغماتية إحدى مدارس الفلسفة التي نشأت في الولايات المتحدة في أواخر عام 1800م وحسب الويكيبديا، فإن البراغماتية تعارض الرأي القائل بأن المبادئ الإنسانية والفكر وحدهما يمثلان الحقيقة بدقة، معارضة بذلك التعريف مدرستي الشكلية والعقلانية من مدارس الفلسفة. ووفقا للبراغماتية فإن النظريات والمعلومات لا يصبح لها أهمية إلا من خلال الصراع ما بين الكائنات الذكية مع البيئة المحيطة بها. ويعتبر مؤسسها هو تشارلز ساندر بيرس “1839 ـ 1914”م، هو صاحب فكرة وضع (العمل) مبدأ مطلقًا، فهذه مقولة له يحسن أن نتأملها ولو قليلا يقول بيرس “إن تصورنا لموضوع ما هو إلا تصورنا لما قد ينتج عن هذا الموضوع من آثار عملية لا أكثر”. وتجدر الإشارة أن بيرس هو أول من أدخل مصطلح البراجماتية في الفلسفة وذلك من خلال مقال له بعنوان: “كيف نجعل أفكارنا واضحة” حيث ذكر فيه أنه لكي نبلغ الوضوح التام في أفكارنا من موضوع ما فإننا لا نحتاج إلا إلى اعتبار ما قد يترتب من آثار يمكن تصورها ذات طابع عملي، قد يتضمنها الشيء أو الموضوع.

أما أشهر فلاسفة البراجماتية فإنه “وليم جيمس” (1842 ـ 1910 م) الذي تدرج في اهتماماته العلمية والفلسفية التي تلقاها في معاهد وجامعات أوربية وأمريكية حتى حصل على درجة “الدكتوراه” في الطب من جامعة هارفارد سنة 1870م، وعين أستاذاً للفسيولوجيا والتشريح بها، ثم أستاذاً لعلم النفس فبرز فيه. ويتبين من ترجمة حياته أن سبب اتجاهه إلى الفلسفة يرجع إلى سماعه لمحاضرة فلسفية ألقاها “بيرس” الذي كان يعرض فيها مذهبه، فشعر وليم جيمس على أثرها وكأنه ألقى عليه رسالة محددة، وهي تفسير رسالة “البرجماتية”. ويعرف وليم جيمس الحقيقة بأنها “مطابقة الأشياء لمنفعتنا، لا مطابقة الفكر للأشياء”. وكما يؤكد جيمس الذي طور هذا الفكر ونظّر له في كتابه “البراجماتية” Pragmatism، بأنها لا تعتقد بوجود حقيقة مثل الأشياء مستقلة عنها. فالحقيقة هي مجرد منهج للتفكير، كما أن الخير هو منهج للعمل والسلوك، فحقيقة اليوم قد تصبح خطأ الغد، فالمنطق والثوابت التي ظلت حقائق لقرون ماضية ليست حقائق مطلقة، بل ربما أمكننا أن نقول: إنها خاطئة. ولاختصار الإحاطة بهذه الفلسفة فإن مدخل دراستها يقتضي تحليلها إلى مكوناتها الأساسية في النظم والقيم، فنحن أمام مقولتين: الأولى: ازدراء الفكر أو النظر. الثانية: إنكار الحقائق والقيم. أي بعبارة أخرى أكثر وضوحاً، فإن العمل عند جيمس مقياس الحقيقة “فالفكرة صادقة عندما تكون مفيدة. ومعنى ذلك أن النفع والضرر هما اللذان يحددان الأخذ بفكرة ما أو رفضها.

وذهب وليم جيمس [1842 ـ 1910م] إلى أن المنفعة العملية هي المقياس لصحة هذا الشيء. يقول “ويليام جيمس” عن البراجماتية: “إنها تعني الهواء الطلق وإمكانيات الطبيعة المتاحة، ضد الموثوقية التعسفية واليقينية الجازمة والاصطناعية وادعاء النهائية في الحقيقة بإغلاق باب البحث والاجتهاد. وهي في نفس الوقت لا تدعي أو تناحر أو تمثل أو تنوب عن أية نتائج خاصة، إنها مجرد طريقة فحسب، مجرد منهج فقط. وكما يؤكد جيمس الذي طور هذا الفكر ونظّر له في كتابه “البراجماتية” Pragmatism، بأنها لا تعتقد بوجود حقيقة مثل الأشياء مستقلة عنها. فالحقيقة هي مجرد منهج للتفكير، كما أن الخير هو منهج للعمل والسلوك، فحقيقة اليوم قد تصبح خطأ الغد، فالمنطق والثوابت التي ظلت حقائق لقرون ماضية ليست حقائق مطلقة، بل ربما أمكننا أن نقول: إنها خاطئة.

وأيضا يمكن رصد المعاني المختلفة السائدة للبراغماتية في المجالين الاجتماعي والسياسي، ففي الغرب بشكل عام، يضعون البراغماتي مقابل الإيديولوجي، وكنقيض له، فحينما تقول “هذا الإنسان إيديولوجي” فإنك تقصد أنه يتقيد بمنظومة أفكار وأهداف ثابتة تحدد مواقفه العامة سلفاً، كالوطنية والقومية والدين. مقابل هذا النمط يقال “هذا الرجل براغماتي” ويقصد بذلك أنه متحرر من كل إيديولوجيا، أو موقف مسبق، ويتصرف وفق اللحظة أو الظرف، مستهدياً بما ينفعه ويضره هو شخصياً.

أخيرا قد لا تمكننا المساحة المخصصة لهذا المقال من أن نسوق كل المصادر والبراهين الواحدة تلو الأخرى للتأكيد على أن البراغماتية، أساساً، هي منطلق فردي، وتجمع هذه المنطلقات عددياً، أي دون أن تصبح ذات مصدر جمعي واحد، لتعبر عن “مصالح مشتركة” بين أفراد توجد بينهم اختلافات وتناقضات جوهرية وثانوية كثيرة.‏

- الظهران

البراغماتية... كيف ولماذا؟
مصطفى المهدي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة