Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 17/02/2013 Issue 14752 14752 الأحد 07 ربيع الثاني 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

* يعود اسم (إندونيسيا) إلى القرن الثامن عشر، فقد تألف من الكلمة اللاتينية (إندوس)، وتعني الهند، والأخرى الإغريقية (نيسوس)، وتعني جزيرة.

* وتتفرد الجمهورية الإندونيسية، بأنها تكاد تكون البلد الوحيد في العالم الذي تتكون جغرافيته من آلاف الجزر..

(17508 جزر).. وتحيط به المياه من كافة جهاته، ما عدا أنها تحادّ كلاً من ماليزيا وغينيا الجديدة على يابسة جزيرتين فقط من جزرها.

* وإندونيسيا تقع على طرفي خط الاستواء، لهذا فهي تتميز بمناخ مطير معتدل طول العام، وتغطي أراضيها غابات استوائية كثيفة للغاية، وتجري المياه فيها على وجه الأرض، إلى جانب ينابيع وشلالات من رءوس الجبال، وهذه الطبيعة الجغرافية الخلابة، ساعدت على زراعة مزدهرة في كافة أنحاء البلاد، لا يوازيها إلا الصيد البحري، الذي يُكوِّن مع الزراعة والصناعة والسياحة؛ عصب الاقتصاد الإندونيسي على مر عصورها.

* لقد مر هذا البلد الكبير بمساحته التي تصل إلى مليوني كيلاً مربعاً، وبعدد سكانه البالغ (240 مليون نسمة تقريباً)، تعود أصولهم إلى (صينية وهندية وأوروبية وعربية).. مرّ بمراحل عصيبة في قرون مضت، وخضع للاستعمار الهولندي حتى نال الاستقلال عام 1949م، برئاسة زعيمه الشهير (سوكارنو)، الذي لن ينساه الشعب الإندونيسي، فهو من زعماء دول عدم الانحياز؛ مع (جمال عبد الناصر، وجوزيف تيتو، وجواهر لال نهرو)، ومن يزر مدينة باندونغ، أو قصر سوكارنو في سنجار، يعرف أهمية مؤتمر عدم الانحياز عام 1955م، ويعرف أكثر، مكانة سوكارنو عند الشعب الإندونيسي.

* من أعاجيب هذا البلد ومفارقاته -وهو البلد الإسلامي بامتياز حقيقة، حيث لا ينقطع عن زائريه صوت الأذان في كل فريضة، والأدعية المحببة التي تسبق الأذان- أنه يضم (300 إثنية) متعايشة تحت علم واحد، ويتحدث سكانه (742 لغة ولهجة)، وإلى جانب مسلميه الذين يشكلون (87%) من عدد السكان؛ هناك من يدين بـ(البروستانتية، والكاثوليكية، والهندوسية، والبوذية، والكونفوشيسية)، ولكي تعرف سر هذا التعايش بين هذه الإثنيات المتعددة، والديانات الست، عليك أن تعرف أولاً؛ الشعار الوطني للدولة وللشعب الإندونيسي الذي يقول: (الوحدة في التنوع)..!

* زرت إندونيسيا عامي 2000م و2001م، ثم زرتها هذا العام 2013م، وأصدقكم القول؛ أني عندما دخلت شوارع جاكرتا هذه المرة، ظننت أني في غير جاكرتا. لقد تحولت البلد بسرعة كبيرة، وظهرت عليها ملامح التنمية والتغيير والتطوير، واحتل اقتصادها الترتيب الثامن عشر دولياً من حيث الناتج المحلي الإجمالي، والخامس عشر من حيث القوة الشرائية، وهي الدولة السابعة والعشرين في التصدير.

* إندونيسيا رابع دولة في عدد السكان على مستوى العالم، والأولى في عدد المسلمين، وهي عضو في مجموعة العشرين الاقتصادية، وعضو مؤسس في مجموعة النمور الآسيوية (الآسيان)، وتملك أكبر اقتصاد في جنوب شرقي آسيا؛ يقوم على الصناعة والخدمات والسياحة والزراعة بشكل أساسي.

* هذه صورة تفسر لنا لماذا تتمنع إندونيسيا عن تصدير العمالة وخاصة المنزلية إلى دولنا في المنطقة. إنها تملك فرص توظيف هائلة لأبنائها وبناتها، وبأجور جيدة جداً قياساً على سنوات فارطة، وتتجه كذلك لدول قريبة، مثل ماليزيا واليابان، وقد نجحت في توطين التقنية بشكل كبير للغاية، ونجحت أكثر في استضافة الصناعات اليابانية لكبريات الشركات، وتحولت إلى دولة ترانزيت صناعي مثل كوريا والصين وماليزيا، وتحولت إلى بيئة جاذبة للاستثمارات الأجنبية، من الصين تحديداً، ومن أوروبا واليابان، ويندر أن تجد مواطناً أو مواطنة بلا عمل عام أو خاص، في هذا الجو التنموي الذي يؤهل إندونيسيا لمكانة أعلى في مجموعة نمور آسيا.. بل هي الآن؛ ذلك النمر الآسيوي القادم إلى مصاف الكبار في القارة الآسيوية.

* المسافة بين مطار جاكرتا وبوقور لا تتعدى (60 كيلاً)، وكنا نقطعها في ظرف ساعة تقريباً، لكن هذه المرة احتجنا إلى أكثر من أربع ساعات..! أي بمعدل سرعة 15 كيلاً في الساعة، وهذا ناتج عن الازدحام الشديد الذي تشهده شوارع جاكرتا والمدن الأخرى، نظراً لأن البنية التحتية ظلت كما كانت في السابق، في حين كل شيء تغير، إلا الطرق والشوارع والصرف والخدمات الأخرى، وهذه ضريبة مستحقة لما تشهده البلاد من حراك تنموي على ما يبدو.

* هل هذه هي وحدها ما يواجه هذا البلد من مشكلات..؟

* الواقع أن إندونيسيا تواجه تحديات كثيرة من أبرزها: (التبشير والتشييع والتجنيد والهجرة السرية). لعل تسامح الإندونيسيين وطيبتهم الزائدة، هي التي شجعت الكنائس على التبشير واستمالة الناس بالخدمات الإنسانية، وشجعت كذلك؛ النشاط الإيراني المحموم لنشر المذهب الشيعي الاثنا عشري، بالمال والتعليم، وتوفير فرص عمل في هذا المجال، وإلى جانب ذلك، تنشط جماعات قاعدية وطالبانية في استغلال ظروف المهاجرين السريين من بلدان عدة، لتجنيدهم وتحويلهم إلى عناصر في حركات قتالية وجهادية في أكثر من بلد.

* تستقبل إندونيسيا بشكل مستمر؛ أعداداً كبيرة من المهاجرين السريين القادمين بشكل لافت من إيران والعراق والصومال وأفغانستان، مدفوعين بظروف حياتية صعبة في بلدانهم، فما أن يصلوا إلى جاكرتا؛ حتى يتخلص الكثير منهم من جوازات سفره، وينضم عدد منهم إلى منظمة (اليونيسيف) العالمية، التي توفر لهم السكن والمأكل والمشرب، حتى يتم توفير تأشيرات دخول لهم إلى أستراليا أو أميركا ودول أوروبا، والبعض من هؤلاء؛ يلجأ إلى الهجرة السرية مرة ثانية، بركوب السفن الشراعية إلى أستراليا، وقد غرق منهم في سفينة واحدة قبل عدة أشهر: (1500 لاجئ)، تحولوا في دقائق معدودة، إلى ولائم شهية لحيتان البحر في مياه المحيط هناك.

* لا أستطيع المغادرة قبل الإشارة إلى الحضور العربي (الحضرمي) في النسيج الاجتماعي في إندونيسيا، وإن كان هذا يحتاج إلى مبحث مستقل، فالعرب الحضارم الأوائل، كان لهم الفضل في نشر الإسلام في هذه الجزر البعيدة منذ البدء، وهم نشروه بالقدوة الحسنة، واللين واللطف، وليس بالسيف أو الكره، وهم ظلوا على ذلك حتى اليوم، أصحاب مبادئ وأخلاق ومثل عليا، إلى أن أصبحوا مؤثرين ومشاركين في إدارة البلاد سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً.

* إندونيسيا لم تعد بلد تصدير الخدم من سائقين وخادمات منازل، ولكنها بلد صناعي وزراعي وسياحي بروح عصرية على خطى ماليزيا وكوريا. إن الإندونيسيين مشغولين اليوم بالتنمية أكثر من ذي قبل، ومع كل ذلك؛ فهم لم يفقدوا البسمة التي يصافحون بها زوارهم في المطار وفي الأسواق والشوارع. الشعب الإندونيسي شعب خلوق للغاية، وشعب يحترم النظام، فرغم الازدحام الذي يشبه ما هي عليه الرياض، إلا أننا لم نر طيلة عشرة أيام، أي حادث صدم، أو مشادة كلامية، أو سيارة قديمة، أو مصدومة، تسير في الشوارع المكتظة بسيارات ودراجات نارية من موديلات الألفية الثالثة لا قبلها.

H.salmi@al-jazirah.com.sa
alsalmih@ymail.com

(النِّمْر الآسيوي القادم)..؟!
حمّاد بن حامد السالمي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة