Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSaturday 23/02/2013 Issue 14758 14758 السبت 13 ربيع الثاني 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

ظهرت بدايات الصراع بين تيار الفكر الإنساني والتفكير العلمي الحر، وبين تيار النقل الحرفي الديني في القرنين الثالث والرابع الهجري، وكان نجوم الأنسنة في تلك المرحلة الجاحظ والتوحيدي والكندي وغيرهم، بينما وقف أهل النقل ممثلين في علماء الحديث والفقهاء في مواجهة تلك النزعة الفطرية، ولم يكن في جوهره صراعاً بين الدين والكفر كما يحاول بعض المتشددين في تيار النقل أن يصوره، لكنه كان صراعاً بين الجمود التسلط وبين نزعة التطوير والحرية، لكن ذلك لا يجب أن يخفي حقيقة أن تلك الفترة كانت تمثل العصر الذهبي في عصور المسلمين، وبانطفاء شمعة ذلك التيار الإنساني بدأت رحلة الغروب في عصر الإمبراطورية العربية الإسلامية، والنزعة الإنسانية نحو التفكير الحر فطرة بشرية، وتختلف من شخص إلى آخر، بينما التشدد والتطرف لها علاقة بالتنشئة والتربية، وتدفعها البيئة التقاليد المحافظة نحو مزيد من التطرف والتشنج.

لم تتوقف وتيرة هذا الصراع، وكان لها جولات في العقول قبل الميادين، وكان ذلك جلياً في الدول التي حدثت فيها ثورات الربيع العربي، فالصراع بين الفكر الإنساني والديني له تاريخ طويل في عقول الناس، لكن في الوقت الحاضر يظهر في أوضح صوره في ميادين مصر وتونس، وتدور مفاصل الخلاف نحو حول فلسفة الدولة، وهل هي دولة مدنية أم دينية، وذلك يختزل الصراع القديم حول نزعة التفكير الحر وتيار التقليد الحافظ، والنزعة في اتجاه بناء الدولة الدينية جاءت بعد نجاح الثورة الإيرانية، وخروج ما يُطلق عليه بولاية الفقيه، وظهر تأثيرها على بعض تيارات السنة في أن تحلم بأن يكون الفقهاء أعلى سلطة في الدولة، وأن تلتزم فعاليات الدولة السياسية والثقافية والإقتصادية بمركزية عقل الفقية واجتهاداته.

في العصر الحاضر اختلفت أوجه الصراع بين التيارين، ولا زال السعوديون بعد أكثر من ألف عام في مرحلة بدائية، وكانت ولا زالت جل خلافاتهم تحوم أشياء حسية مثل جواز الصور الفوتوغرافية ومشاهدة التلفاز والسماع للموسيقى ولبس النقاب وزواج المسيار وسفر المرأة بمحرم، أي ينحصر في مشاهد ليس لها علاقة بالنزعة الإنسانية نحو التفكير الحر و العلمي و التطور، ولهذا السبب تخرج مختلف الإطروحات والمبادرات الاجتماعية والسياسية في المجتمع من عباءة الدين المتشدد، وتنزع دائماً نحو إرضاء العقل المتطرف، وتلك حسب وجهة نظري أزمة خطيرة، قد تعصف بالمكتسبات القليلة في طريق التفكير الإنساني، كذلك لازالت المحاولات الخجولة نحو الإنسنة تواجه حصاراً محكماً من المتشددين، فالخطاب الديني بمختلف توجهاته يحكم العقل في المجتمع، ويتحكم بمفاصل القرار في المجتمع، ويبدي ممانعة لكل محاولة لتفكيك السيطرة، وتحويلها إلى إتجاهات مستقلة عن بعضها البعض، كذلك لا يمكن إغفال المصالح الخاصة في هذا الاتجاه من التفكير.

من أكبر الأخطاء التي يرتكبها دعاة التيارين أنهما يربطان الفساد والصلاح بالمنهج، وذلك منطق فاسد، فالإصلاح أوالنزعة نحو الفساد ليس لهما علاقة بالمنهج، لكن الفرق بينهما أن تيار الأنسنة لا يحمل في جذوره تنزيه أو قدسية لرموزه،ويسمح في أن تكون الشفافية والنقد حقاً مشروعاً، بينما يحرص التيار الديني المحافظ أن يغطي بعباءة القدسية الدينية فساد أعضائه ورموزه، وقد كنا في هذا العصر شهوداً على فساد يصل لدرجة الفضيحة بين بعض أدوات التيار الديني المحافظ في السلطة، لكن تمت التغطية عليهم بأساليب أقرب للكوميديا المسرحية، وكأن شيئا لم يحدث، بينما كان ولا زال فساد وتجاوز نزعات التفكير الإنسانية المجردة مطلباً للتشهير والمحاكمة بين جمهور التيار الديني، ومن أجل الغد المستنير لابد من إزالة هالات القدسية عن العقلانية المتطرفة وتفكيك خلايها، ثم إخراج السلطة بمختلف اتجاهاتها من مركزية العقل المتطرف، وقبل ذلك أن يُحاكم بجرمه أيا كان إذا تجاوز شريعة وقوانين البلاد.

بين الكلمات
نحو تفكيك التطرف
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة