Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 28/02/2013 Issue 14763 14763 الخميس 18 ربيع الثاني 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

على أثر التَّغيرات في تونس بعد الحبيب بورقيبة استمعتُ إلى محاضرة للشيخ راشد الغَنُّوشي رئيس حركة النهضة التونسية، وكان ذلك بمنزل أحد السَّروات في الرياض في زمن (خطباء الفتنة)؛ فأحببته، وكان حديثه ساحراً معتدلاً تُحس منه صدق النية، وخلوص العمل لوجه الله؛

مما اضطرني إلى متابعة أدبياته من ذلك الحين إلى أن عاد إلى بلاده؛ فرأيت تغيَّرات مريبة، ورأيت وجهاً غير الوجه الذي رأيته سابقاً.. وهو الآن يتنصَّل مما تبنَّاه في مباركته تثوير الخوميني - لا ثورته -؛ لأنه مُصَدِّر الثورة الإسلامية لإسقاط القوى العالمية من المستكبرين في الأرض!!.. واحتضن من سموا أنفسهم (حزب الله)؛ لدورهم في المواجهة مع الصهاينة!!.

قال أبو عبدالرحمن: إنني لأعجب من هذا التنصُّل النِّفاقي من رجل نُكنُّ له المحبة، ونحسب أنه داعية خير لمصلحة أمته؟!.. ومثار العجب أن آثاره البائسة مُسجَّلة على الورق، وفي الإنترنت، وهكذا خُطبه موجودة على الإنترنت التي تجاوز فيها إلى التهييج على معقل الإسلام وبلسم هموم الأمة العربية والإسلامية.. بل هموم الإنسانية.. أعني المملكة العربية السعودية، ولو لم يبقَ إلا الحياء من عباد الله: لمنعه ذلك من التنصُّل، بل خلوص النية أن يتراجع، ويقول: (كان وَعيي آنذاك قاصراً فَخُدِعتُ، وأنا اليوم أتراجع!!.). على أنه لا مجال لدعوى الخديعة ما دام الداعية إلى الله لا يكون في منصب الزعامة إلا بعد أن يكون ذا تأهيل بمعرفة الواقع، والواقع لا يخفى على متوسط الثقافة؛ فأول ذلك السياق التاريخي لفروع الباطنية، فهو خير شاهد؛ فاستحلف الغنوشي بالله: هل رأى للباطنية في التاريخ دوراً في اكتساب الرقعة العربية والإسلامية؟.. وهل غبي عليه أن كل فروع الباطنية عدو داخلي ينتهز كل فرصة للنكاية بأمتنا؟.. ألا يذكر البداية بمتأسلمة يهود منذ ابن سبإ الذي يستميتون في جعله أسطورة، ويأبى الله أن يحجبوا سطوع الشمس على الباطل بعباءاتهم السوداء؟.. ألا يذكر سياق حرب التتار ونصير الشيطان الطوسي وابن العلقمي؟.. ألا يذكر إبادة الصفويين لملايين البشر بعد أن كانت خراسان وما حولها قاعدة أهل السنة والجماعة؟.. هل نسي دورهم في هيضة البرتغال على إمارة سنية كريمة تحكم الأحساء ونجد من آل أجود العقيليين الأخيار؟.. هل غبي عليه دورهم القذر في محادَّة الخلافة الإسلامية منذ عهد الفضلاء من آل عثمان؟.. هل فاته نَقْلُ عالمٍ مؤرخ أمين عايش أحداث النصيريين وسعيهم في تمكين الأعداء من ثغور الشام وما حوله، وذلك العالم المؤرخ مُعايش الأحداث، وهو الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى.. وبعد وقائع التاريخ الواضحة فمن ينصب نفسه للزعامة في الدعوة إلى الله لا بد أن يكون متبحراً في علوم الشريعة، وهذه كتب المِلل والنحل بين يديه؛ فهل رأى فيها عن الباطنية غير الإلحاد عقيدة، والإباحية سلوكاً، والتضليل في جحد الحقائق، والاستغفال بصنع الأكاذيب، وهذا هو (بحار الأقذار) أهمُّ مصادرهم المعتمدة اليوم، وأكبرها حجماً، وقد طبعوه مئات المرات؛ فهل سيجد فيه خبراً صحيحاً، أو دلالة غير تحريف الكلم عن مواضعه؟.. وهل سيجد فيه معقولاً، وهل سينعم بالتقوى مع طائفية سبئية مجوسيةلعن خير أمة أُخرجتْ للناس؟!.. هذا مع جُبْننا السياسي في وصف كل فرقة بما ينطبق عليها، والصراحة بتمييز أهل القبلة عن غيرهم ممن قبلتهم مشاهد ومعابد شرق القبلة المُطهَّرة؟!!.. وهل غبيت عليه الأعباء الفاطمية والقرمطية التي ضايقت صلاح الدين الأيوبي في جهاده المقدَّس، وقتلت ثلاثين ألفاً في زمزم، وقال قرمطيهم: (أنا بالله وبالله أنا.. يخلق الخلق وأفنيهم أنا).. وأضف إلى ذلك انتزاع الحجر الأسود عشرين عاماً، وتوقُّفَ الحج أعواماً، وقبل ذلك (أحداث الأصيفر المنتفقي الباطني)، ثم ما تلا ذلك في وقت قريب من ظلمٍ بإلحاد في حرم الله، وما فني من الحجيج العزُّل حتى أصبح الإعداد للحج كل عام في هذه الدولة الكريمة أكبر تعبئة عسكرية لمواجهة التحدي ؟؟!!.. ثم هب أنه انخدع بأن حزب الله في مواجهة للصهيونية، وأن الخميني أقام دولة إسلامية؟!!.. وما كان له أن ينخدع، لأن مواجهة حزب الله بصواريخ حكمها حكم الألعاب النارية مرسوم لها من الطرفين أن تقع في الفضاء الشمالي الغربي من فلسطين، ولم يُؤْثر قط أنه هلك يهودي من جرَّائها، ولم يُؤْثر قط أنه أُصيب أحد من حزب الله، بل كان الحزب حماية لإسرائيل من الجهة الجنوبية، ومنطلقاً لها في ضرب القوى العربية والإسلامية المبدَّدة في الشمال الشرقي وفي الشمال المباشر.. وما كان له أن ينخدع بالمسيرة الكاذبة في طهران (خيبر خيبر يايهود)، ولا تزال إسرائيل في عافية، والشعار تحريض لإسرائيل لا تهديد.. وما كان ينبغي له أن ينخدع بمسألة حماسهم الكاذب في مسألة (سلمان رشدي) ولا يزال أكثر عافية وأمْناً.. وما كان ينبغي له أن ينخدع بالثورة التصديرية، وما هي إلا تثوير لشيبةٍ ضلال عاش آمناً مُطمئناً مدعوماً في فرنسا، ثم جاء يستلم الحكم بعد نومه ثماني ساعات متوالية وقد احترقت أوراق الشاه أمام مصالح الغرب - بالغين المعجمة -، وكلاهما شر، إلا أن الشاه على مجوسيته أرحم بشعبه من جلاد لفَّق دينه من وضعية يهودية وانتماء عرقي للمجوس!!.. وما كان ينبغي له أن ينخدع وهو يقرأ أسفار تلك الثورة العدوانية؛ فماذا سيرى في طروسها المظلمة غير العُنف والإلحاد والإباحية والمنامات والأكاذيب والخرافات، وجَعْلِ (قم) وقبور جنوب العراق القبلة الأولى!!.. ثم هب أنه انخدع؛ فالخطأ مستدرك؛ فماذا يرى اليوم مما يبصره الأعشى؟!.. ألا يرى أن الباطنية وإسرائيل والغرب أقوى حِلْفٍ مسلَّط على دين المسلمين الصحيح وأرواحهم وبلدانم؟!..ألا يسمع بقبور يُقدِّسها اليهود في إيران، وبتقارب ديني من أجل طلائع يهودية في إيران تنصر الملك الداوودي الذي يحكم العالم ألف عام وما هو في ديننا غير المسيح الأعور الدجال ومُدَّته قصيرة جداً يقتله عيسى بن مريم عليه السلام، ولن يكون ذلك إلا بعد نصر طويل مكين للمسلمين، وبعد تحقُّق الفتح الثاني بعد تحقُّق الفتح الأول على يد الخليفة محمد الفاتح مِصْداقاً للخبر الشرعي.. ألا يرى أن المسلمين محاصرون مُشَدَّدة عليهم الرقابة في كل عملٍ دعوي، وفي كل دعم للمنشآت الإسلامية في الخارج باصطناع دعوى (الإرهاب)، وهذه الدعوى غير واردة على الباطنية الذين أتيحت لهم الفرصة بلا مراقبة ولا مضايقة للانتشار في الآفاق بالمال، ودعاة الضلال، ومُشتري الذمم، ومستغلِّي حاجة الفقراء، ومنتهزي الشهوانيين في تسهيل ما حرَّمه الله من إباحيتهم.. بل جهود الأغيار متواصلة لتمكينهم من مناصب قيادية في الأمتين العربية والإسلامية؛ فياأيها الغنوشي اتق الله قبل أن تواجه يوماً تشخص فيه الأبصار وما بعده إلا العمر الأبدي نعيماً أو جحيماً: أن تحكَّ رأسك لتلتمس تزويراً لما هو مشاهد الآن ولن تستطيع ذلك.. ثم اسأل نفسك عن (سوريا) أي بلدٍ هي؟.. أهي عربية أو أعجمية أو خواجية؟.. ثم الحلف الذي يُبِيد أهلها ويحرق أرضها ولاسيما (إيران / حزب الله / روسيا / النصيرية / الصين) مع إذنٍ صامتٍ من القُوَى العالمية أعطى روسيا والصين حق الفيتو - بعد التمهيد للدولة العالمية الواحدة -: أسألك بالله هل هذا الحلف ضدَّ سوريا العربية المسلمة حلف عربي إسلامي، وهل الثورة الخمينية (أو التثوير) التي أفرزت هذا الحلف ثورة إسلامية ؟!!.

قال أبو عبدالرحمن: الأمور واضحة قديماً عند مَن ينظرون بنور من ربهم، وهي واضحة الآن لمن على بصره غِشاوة.. والحقيقة الناصعة التي لا أشك فيها مستقبلاً - إن لم يتراجع النظام الدولي عن التضليل، وقَهْرِ العلمنة والعولمة، وينشر روح العدل على التساوي بين ثلاثي المتقدمة والنامية والمتخلفة -:أن هذه الشعوب العربية والإسلامية ستتسرب مع من يوجد من قادتها الأخيار، وستنفلت من حكامها المأجورين الأشرار.. ستتسرب من آفاق القارتين الآسيوية والأفريقية، وسيبيعون أنفسهم لربهم، ويعيشون على الكفاف، ويكون كثيرُ رزقِهم من غنائمهم من الأغيار، ولا يُرَوِّعهم الموت في سبيل إحدى الحسنيين، ولن يبالوا بإحراق الموارد -؛ لأن الظلم العالمي لم يُبْقِ لهم شيئاً يأسون عليه -، والمواجهة يداً بيد؛ لأنهم أهل الشجاعة الذين يرجون من الله ما لا يرجوه الأغيار.. لن يبالوا بذلك؛ لأنهم يأبون أن يحارَبوا في أرضهم ومن مواردهم وإستراتيجيتهم، والحريق العربي الذي يسمونه ربيعاً أبعد عنهم الوهن من حب الدنيا وكراهية الموت وإن كان بتحريض الأغيار، لأن الشعوب صبرت على ظُلم الحكام معادَلةً بين الخسائر والأرباح، وأريد بالتحريض تجريد الشعوب من القدرات والسلطة التي تزع، ووحدة الأمة والجيوش مع إعداد مسبق لمن يخلف مَن احترقت أوراقهم من صميم التعددية المزروعة؛ فكان هذا الحريق الذي أُرْغموا عليه تجربة ناجحة في القدرة على الفداء وتوحيد الهدف، وبطن الأرض خير لهم من الغبن والقهر ونشر الفساد إلحاداً وإباحية على أرضهم.. والأغيار أجبن من إمضاء حرب عالمية مُبيدة وهم لن يستعملوها على أرض فيها جنودهم ومصالحهم مواردَ وإستراتيجيات، وإذا التحم الجهاد المقدَّس فلا مجال لفرار المعتدي إلا بإبادة أو أسر.. ولله جلّ جلاله في غيوبه سِرٌّ بركته لأهل الإسلام الصادقين؛ فأصحاب الخندق في أعظم حصار يُقابَل الآن بالحصار الدولي، فنصرهم الله بقدر كوني.. بريح مَزَّقت خيام عدوهم وأعمت أبصارهم؛ فآثروا الإياب على الغنيمة.. وفي بدر كان المسلمون قلة يرون عدوهم أقلَّ منهم كي لا يفشلوا ويتنازعوا، ثم يأتي المدد بملائكة الرحمن، وما النصر إلا من عند الله؛ فمن حُرِم نِعمة الإيمان ولم يُصدِّق فهو محجوج بأمتن برهان من التواتر لم ينكره في حينه ولا في الأجيال التي تلته مباشرة كافر ولا مؤمن.. وهذا العلم المادي بكل جبروته أعجز من أن يواجه إعصاراً ناسفاً، أو فيضاناً مغرقاً، أوبركاناً محرقاً، أو نيازك بدأت ترمي بالرجوم على روسيا، أو زلازل تُهِيل عليهم التراب، أو خسوفاً تبتلعهم.

قال أبو عبدالرحمن: وعناصر أدبيات الشيخ الغنوشي الدعوية موجزة في أنه ليس صاحب موقف واحد، وليس له مبدأ مستقِّرٌ على عقيدة المسلمين ومصالحهم؛ فما عُرِف عنه إلا الثناء والتزكية للخميني ولتديُّنه الإلحادي منذ حياته وهو يتهدد بلاد العرب والمسلمين إلى هذا اليوم، ثم أثنى وهو في العراق على صدام حسين وكان قبل ذلك قد كفّْره ولم يخجل من فضيحة كتاب له بين يدي الناس ثلثه عن تقديس الخميني.. وكان القذافي وَفْق منطق سياسي مُتقلِّب يدعم الغنوشي بالمال في منفاه، وكان البغدادي المحمودي هو الوسيط الجادُّ في ذلك، ومع هذا قابل المحمودي بالإساءة وسَّلَمه هو وحزبه لخصمه في طرابلس.. ودعا الغنوشي وحزبه حزبَ الله إلى اجتماع وُدِّي أثنى فيه على الحرَاك الخميني الذي يديره فيما بعد على خامنئي، وكان هذا في الوقت الذي تجزر إيران وحزب الله والحلف الإسرائيلي وقوى عالمية أخرى الشعب السوري وتُحرق أرضه.. وأما تصريحاته في واشنطن المسوِّدة وجهه من ناحية الحسد للسعودية على استقرار أحوالها الدينية والدنيوية، ومن ناحية مسالمته إسرائيل؛ لأنهم أهل كتاب (؟؟!!): فذلك نباح وضرطة مسلوخ، وكثير من الإخوانيين أنكروا ذلك عليه على استحياء.. ولكن المؤلم أن يكون في مملكتنا شريحة تافهة تتبنَّى هذا الموقف، وبعد أن لقي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز - رحمه الله تعالى- ربَّه قال سخيف ممسوخ جعل الله في وهجه الظلمة والقبح: (هذا أوان الحَراك السعودي)!!.

قال أبو عبدالرحمن: من الظلم أن نعدُّ كل الإخوانيين حركيين بهذا السوء، وآية ذلك ما ترونه من موقف كثير من الإخوانيين الحركيين ضد محمد مرسي - وهو محسوب عليهم -؛ لأنه اختطَّ منهجاً عاقلاً؛ ليحصل له ما لا يُدْرَكْ كلُّه، ولم يتخلَّ عن ولائه لدينه، ولم يجعل له من إسرائيل والباطنية وليجة؛ ولهذا لا تزال إلى هذه اللحظة تُسْتَنبح عليه كلاب الدنيا؛ فيا لله كيف يمكن للأمة أن تُهادِن أمثالَ هؤلاء المتأسلمين المنافقين، ودعك من الزعم بأنهم مِمَّنْ يُعَلَّق عليهم أمل في المستقبل؟!.. وآخر ما أقوله: إننا في بلد لم تعرف فيه غير الإسلام والمسلم حاكماً، ونالها - بقدر الله الكوني - إكراه عالمي في مواقف محدودة؛ فقابلت ذلك بالمعادلة العاقلة التي تقتضي تحمُّل شيئ من الغبن مُقابل دَفْعِ مفسدة أكبر، وإشفاقاً من التضحية بمصلحة أكبر أيضاً، والله دافع عنها البلاء بمنائر الإيمان، ومنابر الدعوة، واحتضان هموم المسلمين، وإقامة دور تحفيظ القرآن وتعليمه؛ فإذا أرغم النظام الدوليُّ الظالمُ المستضعفين على الجهاد، وإذا لم يبق لديهم ما يأسون على فواته: فإن دوحة العروبة والإسلام قيادة ورعية سيكونون الطليعة في الجهاد المقدَّس، والله المستعان، وإلى لقاء قريب عاجل إن شاء الله.

الداعيةُ إلى الله لا يُنافِقُ
أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة