Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 28/02/2013 Issue 14763 14763 الخميس 18 ربيع الثاني 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

جامعة القرويين بمدينة فاس بالمغرب هي أول جامعة أُُنشئت في تاريخ العالم، وأقدمها على الإطلاق. بُنيت الجامعة كمؤسسة تعليمية لجامع القرويين الذي قامت ببنائه السيدة فاطمة بنت محمد الفهري عام 245 هـ - 859م، في مدينة فاس المغربية..

وحسب موسوعة جينيس للأرقام القياسية، فإن هذه الجامعة هي أقدم واحدة في العالم والتي ما زالت تدرس حتى اليوم.. وقد سبقت الزيتونة بتونس والأزهر بمصر، كما أنها تُعد أقدم من جامعات أوروبا بمائتي عام إلا تسع سنين: فقد تأسست أول جامعة في أوروبا وهي جامعة ساليرن سنة 1050 ميلادية في إيطاليا، ثم أصبحت معروفة بمدرسة نابولي.. ثم تأسست جامعة بولونيا للحقوق.. ثم جامعة باريس، وقد اعترف بها لويس السابع سنة 1180.. ثم تأسست جامعة بادوا سنة1222 م، ثم جامعة أكسفورد عام1249 م، ثم جامعة كمبدرج عام 1284 وجامعة سالامانكا في إسبانيا سنة1243م.. أما جامعة القرويين فهي أقدم جامعة ظهرت قبل أوروبا بمائتي عام إلا تسع سنوات.. وجامع الأزهر بناه جوهر المغربي سنة 360هـ، ولم يتخذ معناه الجامعي إلا سنة547هـ، فالقرويين أقدم من الأزهر بـ125 عاماً، وأقدم من الأزهر جامعة بـ302 عام.

ولقد عرف المغرب، منذ كان، كما يكتب المؤرخ المغربي العلاّمة عبد الهادي التازي، ملاذاً للاجئين والخائفين الذين اتخذوا منه وطناً ثانياً، فمنهم آلاف وردوا من الأندلس أيام الحكم بن هشام، ومنهم مئات وردت من القيروان أيام دولة الأغالبة...

وعني الإمام إدريس الثاني بضيوفه فكان أن خصص القطاع الشرقي من فاس للسادة الأندلسيين في ربيع الأول 192 (يناير 808) فعرف بعد بعدوة الأندلس، ثم في ربيع الآخر من السنة الموالية خصص لإقامته هو مع فريق آخر من القيروانيين الجانب الغربي، ونسب هذا الجانب من المدينة لهؤلاء السادة القيروانيين، وهكذا أصبحت فاس مدينتين اثنتين (عدوة الأندلس، والمدينة العظمى) التي يسكنها القيروانيون، هؤلاء الذين تدعوهم الكتب القديمة بالقرويين ميلاً للتخفيف من بعض الحروف.

ولقد كان في عداد هؤلاء المهاجرين الذين وردوا من إفريقية (تونس)، الذين التجؤوا إلى فاس منذ بداية القرن الثالث الهجري محمد بن عبد الله الفهري القيرواني الذي توفي بعيد وصوله، فترك ثروة طائلة لكريمتيه: فاطمة ومريم، فحققتا بتلك الأموال مشروعاً ظل إلى اليوم شامخاً ناطقاً يرفع من شأن المرأة المسلمة إلى يوم الدين وهو جامعة القرويين.. وعندما أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز هاته السنة أمرين ملكيين بتعديل مواد في نظام مجلس الشورى وتكوين المجلس لمدة أربع سنوات، تبدأ من تاريخ انتهاء مدة مجلس الشورى الحالي، وبضم نساء بنسبة عشرين في المائة من إجمالي أعضاء المجلس، حيث تضمنت التشكيلة الجديدة 30 سيدة فإن ذلك تكليف لها ودورها التاريخي في الرقي بالمجتمعات العربية والإسلامية على السواء...

لقد كثر الواردون على مدينة فاس وأمست الساكنة في حاجة إلى مسجد كبير جامع، فإن “مسجد الشرفاء” بالعدوة الغربية و”مسجد الأشياخ” بالعدوة الشرقية المؤسسين من لدن إدريس الثاني، كل منهما أضحى لا يفي بحاجة الناس، فلتتطوع فاطمة ببناء مسجد في تلك المنطقة، ولتقم أختها مريم بنفس المهمة في هذه المنطقة منافسة حميدة لأختها...

كان في عداد المهاجرين القيروانيين الذين التجؤوا إلى فاس منذ الأيام الأولى للإمام إدريس بن إدريس كما قلنا فريق أسرة فهرية لم يلبث أن التحقت به بقية أفراد الأسرة أيام الإمام يحيى الأول حفيد إدريس 249هـ (863م) ومن بين هؤلاء يوجد الفقيه أبو عبد الله محمد بن عبد الله الفهري سالف الذكر...

امتد سلطان الإمام يحيى وعظمت دولته وحسنت آثار أيامه، واستجدت فاس في العمران، وبنيت بها الفنادق للتجارة والحمامات وسائر الأرباض ورحل إليها الفقهاء والعلماء وسائر الناس من الثغور القاصية...

وهنا مسّت الحاجة إلى مسجد جامع كبير ووقع اختيار أم البنين فاطمة على البقعة التي بنيت فيها عام 245=859 جامع القيروانيين أو (القرويين) كما ينطق بها.

ولقد وجد المؤرخون في جدران هذه المؤسسة العظيمة، وفي كراسيها العلمية، وفي مرافقها العديدة الدالة، وفيما مر بها من رجال، وما شاهدته من أحداث، وما مر بها من ظروف وصروف، وجدوا في كل ذلك فصولاً تختصر ترجمة السيدة فاطمة وترسم الخطوط الكبرى لما يُمكن أن يُقال عنها...

ويكفي أن نذكر أن ابن أبي زرع في كتابه (الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس) خصص حديثاً طويلاً للحديث عن هذا الجامع، وصفته وما زيد في كل زمان، من حين أسس إلى وقت تأليف الكتاب عام ستة وعشرين وسبعمائة = 1326م.

وعلى هذا النحو أيضاً خصص أبو الحسن علي الجزنائي فصلاً مسهباً من كتابه (جنى زهرة الآس في بناء مدينة فاس) للحديث عن جامع القرويين بما يشتمل عليه من أثاث فريد من نوعه اكتسبه على مدى السنين مما كان مصداقاً للعبارة الصغيرة والعظيمة في ذات الوقت التي قالها ابن خلدون وهو يسجل مبادرة السيدة أم البنين قال: “فكأنما نبهت عزائم الملوك من بعدها”.

ووقع اختيار فاطمة على حقل شرقي المدينة القروية ورثه من أبيه شاب فاضل من هوارة، فدفعت “نصيباً مهماً” من مالها الحلال الطاهر وأخذت - بمطالعة السلطان والعلماء والفقهاء - تستعد للبناء في جزء من الأرض، لقد كان المشروع في حفر الأساس أول رمضان سنة 245 (30 نوفمبر 859) والتزمت أن تستخرج مواد البناء من نفس المكان حتى لا تكون هناك ريبة فيما يقوم عليه المسجد، وكان مما أدخل البهجة على قلبها أن وجدت بالمكان معدنا للحجر وآخر للرمل، وأنبطت إلى جانب هذا بئراً ظل المسجد يعتمد عليها طوال سنواته الأولى، ونتيجة لهذا “الالتزام” لم ينته البناء إلا بعد هذا التاريخ...

ولقد كان تصميم هذه القرويين مربعاً على نحو ما عُرف في المساجد الإسلامية الأولى إلا أن تربيعه لم يكن تاماً فطوله من شرق إلى غرب يعادل (تسعة وثلاثين متراً) ويعادل عرضه (اثنين وثلاثين متراً) أي (1.248 م2).. لقد كان يتألف من أربعة أساكيب تمتد من الغرب إلى الشرق، واثني عشر بلاطاً تمتد من الجنوب إلى الشمال.

وإذا كانت القرويين - سواء في الزيادة الأولى أو الثانية - تتسم - على العموم - بطابع التوسعة في البناء فإنها على عهد الموحدين والمرينيين، والوطاسيين، والسعديين والعلويين تمتاز بالتأثيث وتعدد المرافق، فنراها تزدان بالثريا الكبرى التي لا تضاهيها في المغرب إلا ثريا مدينة تازة التي أنشد على لسانها:

إن الثريا التي بتازى بها افتخرت

على البلاد فما مثلي في البلاد يرى!

والأجراس القشتالية الإسبانية التي تحولت بدورها إلى ثريات وعُلقت تكريماً لها في بيت العبادة، وتزدان “بالخصة الحسناء” ثم تكتسب “غرفة للمؤقتين” والساعات المائية التي بقيت شاخصة إلى اليوم، هذا إلى مرافق جديدة خاصة برجال القرويين من مصريات (سكن) ومخازن...

وعلى عهد العلويين أُعيد النظر في مرافقها وأصلحت سائر جوانبها، وأضيف إلى أسماء الملوك المنقوشة هناك اسم السلطان المولى إسماعيل... وحمد بن عبد الله، ومحمد بن يوسف (محمد الخامس)، وللحديث بقية..

جامعة القرويين بصيغة المؤنث
د. عبد الحق عزوزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة