Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 04/03/2013 Issue 14767 14767 الأثنين 22 ربيع الثاني 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

محليــات

كانت البارحة ليلة بهيجة زاهية حقا من ليالي الفكر والأدب، ازدهى فيها نادي الفروسية بالرياض بجمع كبير من العلماء والأدباء والكتاب الذين احتفوا بصدور سيرة الشيخ الأديب عبد الله بن عبد العزيز بن إدريس «قافية الحياة» وليس عجبا أن يأتلف كل هذا الجمع للاحتفاء بصدور هذه السيرة الثرية، وليس غريبا أيضا أن يعد الدارسون والباحثون صدور سيرة ابن إدريس حدثا ثقافيا مهما؛ ذلك أن الشيخ ابن إدريس رجل مخضرم عايش القديم والجديد، ورجل يجمع بين العلمين الشرعي والأدبي، وهو إلى ذلك شاعر وناثر، وهو أيضا ناقد أدبي وكاتب صحافي، فلا يمكن أن يغفل المؤرخ الفطن عن تأثير صدور كتابه «شعراء نجد المعاصرون» عام 1380هـ على طريقة جديدة في التحليل الأدبي للشعر لم يألفها الدارسون آنذاك؛ وهي نسبة الشعراء إلى تيارات فنية وموضوعية في تعريف أغراض الشعر بتقسيمه إلى مدارس كالواقعية والرومانسية والكلاسيكية والرمزية وغيرها، ونحن وإن كنا لا نرى أن ابن إدريس قد أشبع شعر وشعراء تلك المرحلة تأملا وتحليلا، وتلمس بعمق سمات وملامح تلك المدارس على ما جمعه من شعر؛ لأن حديثه عن التيارات الفنية جاء معزولا عما اجتهد في جمعه من قصائد، فكأن الغاية من درسه كانت هي التعريف بالمدارس ثم نسبة الشعراء إليها مع تقديم نبذ يسيرة عن حيواتهم؛ على الرغم من هذا المأخذ الفني إلا أن مجرد التعريف بتلك التيارات والاجتهاد في نسبة الشعراء إليها وجمع ذلك القدر الكبير من النصوص الشعرية النادرة هو في ذاته فتح كبير في عالم النقد آنذاك ومتكأ تاريخي مهم يعود إليه الباحثون بين آن وآن كلما عنت لهم دواعي الكتابة والدرس في التطورات الفنية والموضوعية التي مر بها الشعر في منطقة نجد خلال خمسين عاما تقريبا.

وابن إدريس إلى ذلك أيضا رائد صحافي؛ فقد تولى رئاسة تحرير جريدة الدعوة في أول عدد من صدورها بتاريخ العاشر من محرم من عام 1385هـ ولمدة تقرب من تسع سنوات كتب افتتاحياتها بلون من الكتابة المقالية الصحافية سهل وميسور، وخرج بموضوعات جريدة تنحو إلى المحافظة الشديدة من أساليب الوعظ والتعليم إلى الخوض العميق في هموم الأمة السياسية وقضايا الوطن التنموية وما يتطلع إليه من نهوض وتقدم، وكتب في نقد العادات المرذولة، وكتب في ما يحسن الأخذ به من وسائل التطوير بما لا يتعارض مع قيم الدين، ووقف أمام التيارات الفكرية المنحرفة التي كانت آخذة باهتمام الناشئة من الشبان آنذاك كالشيوعية والتغريب وتيارات الإلحاد وما أشبهها مما هو مبسوط في مقالاته الافتتاحية التي تحتفظ بها إضبارات جريدة الدعوة، وأرى أن من الواجب جمع تلك المقالات - إن لم يكن أصدرها بعد - في كتب على منوال صنيع الشيخ عبد الله بن خميس رحمه الله في كتابه «فواتح الجزيرة» التي كانت افتتاحيات لمجلة الجزيرة الشهرية، وأكاد أقول إن أثر ابن خميس في مقالاته الجريئة في افتتاحيات الجزيرة الشهرية واضح وبين، وبخاصة أن ابن إدريس تولى رئاسة تحرير الدعوة مطلع عام 1385هـ بعد توقف مجلة الجزيرة بسنة بصدور نظام المؤسسات الصحافية، فواصل ابن إدريس الأسلوب النقدي نفسه وبالحرارة نفسها؛ لكن بما يناسب جريدة ذات توجه ديني، فكان لابد أن تتناسب قضايا مقالاته مع اتجاه الجريدة التي يكتب فيها ويرأس تحريرها.

للشيخ ابن إدريس أربعة جوانب آمل ألا يغفل في سيرته عن الإسهاب في تفاصيلها؛ وهي: الشعر، النقد، الصحافة، الإدارة الثقافية، ولكنه بين كل هذه الشواغل المهمة لا بد أن يؤرخ من خلال سيرته - كما آمل - لنمط الحياة الاجتماعية وهيمنة لون من التقاليد التي كانت تقيد انطلاقة الحياة آنذاك نحو التحديث، وشظف العيش، وأساليب تلقي العلم، وبخاصة أنه قد تخرج في أول دفعة من كليتي الشريعة واللغة ضمن ستة عشر طالبا عام 1376هـ لتضاف الدراسة الأكاديمية في هذه الكلية إلى تلقي العلم على الطريقة التقليدية القديمة في حلقات المساجد على يدي المشايخ، وسيجد القارئ - إن توسع ابن إدريس في تتبع تفاصيل تلك المرحلة التي تقع زمنيا بين عام 1360هـ وعام 1390هـ - تدوينا تأريخيا لجوانب التلقي والدرس وطلب العلم والمفهومات الاجتماعية، وما كان يقلق ويخيف المحافظين من دواعي بدايات الانفتاح والتحديث التي كانت تتتالى مقسطة وهادئة؛ لكنها تؤسس بلا شك لمرحلة جديدة مختلفة ستتشكل ردود الفعل عليها مطلع القرن الخامس عشر الهجري بحركة رافضة ممانعة لذلك الاتجاه التحديثي؛ وتجلى ذلك الرفض في تلك الفتنة التي أوقد أوراها جهيمان في الحرم المكي الشريف مطلع عام 1400هـ.

إنني أعد إصدار هذه السيرة حدثا أدبيا لافتا لابد أن يتأمله النقاد والدارسون بما ينطوي عليه من خبايا وأسرار وما يفيض به من رؤى وأفكار، وما تمانع عنه الأديب ابن إدريس مما لم يستطع أو لم يحبذ آنذاك الإفصاح به.

وسأشير في الجزء الثاني من هذا المقال إلى ما يحسن بأدبائنا ومثقفينا والبارزين فينا من سياسيين ورجال أعمال أن يكتبوه؛ لأن حياتهم ليست لهم وحدهم؛ فقد تحولت بعمق التجربة إلى مجتمعهم ليستلهم منها الدرس، ويستنبط العبر والأحكام ويدرس المواقف.

يتبع

moh.alowain@gmail.com
mALowein@

كلمات
بمناسبة إصدار ابن إدريس سيرته الذاتية: أيها الأدباء اكتبوا سيركم فهي ليست لكم بل للتاريخ! 1-2
د. محمد عبدالله العوين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة