Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 10/03/2013 Issue 14773 14773 الأحد 28 ربيع الثاني 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

مدارات شعبية

سياحة في بيت
هل من حق الشاعر الدعاء على من لم يتعاطف معه؟!

رجوع

كتب- عبدالعزيز القاضي

النويفج

يا عل عين ما بكت فرقى الأظعان

تعطى النويفج لين تذبل ذبليا

جزا الحربي

والبيت مطلع قصيدة من غرر قصائد الغزل النبطية، والأظعان: الأحباب المسافرون، وهو جمع مفرده ظعينة وهي: المرأة في الهودج فوق الجمل (فصيحة). والنويفج: التهاب أو تقرح بسبب مرض أو قذاة، يصيب العين فيسهرها ويمنع عنها النوم، ولعله (العُوّار) بضم العين وتشديد الواو، قالت الخنساء:

قذىً بعينكِ أم بالعين عُوّار

أم ذرّفت إذ خلت من أهلها الدار؟

والعُوّار كل ما أعلّ العين وعقرها، ويراد به الرمد أحيانا، وأحيانا يطلق على الرمص في الحدقة، كما يطلق على اللحم الذي ينزع من العين بعدما يُذَرّ عليه الذّرور، ولعل هذا المقصود بالنويفج، قال خضير الصعيليك:

لا سلهمت يا كن فيها سماليل

والا النويفج لافها عقب ذرّه

وقال محدى العنزي:

عيني جزت من نومها وش بلاها

كن النويفج لايفه عقب ذرار

كما يُطلق النويفج - كما يبدو - على القذى وهو ما يقع في العين وما تَرمي به، قال بصري الوضيحي:

البارحه ماغمض الجفن بمراح

كن النويفج باوسط العين هاوي

وفي كلماتهم: (يا مال النويفج) وهو دعاء بالإصابة بهذا الداء، ويزيد بعضهم للتأكيد (يا مال النويفج اللي ينفجك)! والنويفج في أصلها مفردة شمالية صرفة لكن اتسع مدى استعمالها فيما بعد فصارت من الكلمات الشائعة في معظم لهجات أهل الجزيرة والخليج، خصوصا أنها رنانة عند الدعاء، وحروفها ممتعة تطرب الفم والقريحة، ولذلك وظفها الشاعر جزا بن صالح الحربي وهو من سكان الكويت، في مطلع هذه القصيدة، فأضفت عليه جمالا لغويا جذابا، ونصف جمال الشعر توظيف لغوي. ومعنى ذبليا: ذبولا، وهذا البناء الذي يزاد في آخره ياء ممدوة بألف، دارج في كلامهم وخصوصا في الشعر. كما يلجأ الشعراء إليه في بعض الكلمات لإقامة الوزن والقافية، وهي إضافة مقبولة، كقول جزا في هذه القصيدة:

وتفرقوا من نقرة العد سلفان

أحد رحل جنوب وأحد شمليا

أي: شمالا، وقوله:

على الذي له داخل القلب مسكان

وعليه ما اسمع عاذلي لو عذليا

أي لو عذل، وقوله:

عليك يا المجمول يا خدر الأعيان

سمّيت حالي لين جسمي نحليا

أي نحل وهزل.. وهذا كثير في هذه القصيدة وفي غيرها من الشعر، ويزيده - إذا كان في محله- رونقا وجرسا موسيقيا حلوا.

وفي بيت السياحة هذا يدعو الشاعر على من لا يُبكيه فراق الأحبة بأن يصاب بهذا المرض، وخص مرض العين لأن العين هي التي شحّت فلم تسفح دموعها عند الفراق، فكأن النويفج هو جزاؤها المناسب لعقوقها وعدم تألمها، وقد عاقبها الشاعر العربي بعقاب من نوع آخر فقال:

بكت عيني غداة البين حزنا

وأخرى بالبكا بخلت علينا

فعاقبت التي بالدمع منّت

بأن غمّضتُها يوم التقينا!

لكن لماذا دعا الشاعر هنا على من لا يبكيهم فراق الأحبة؟ أليس الكل حرا في تصرفاته وانفعالاته واستجاباته؟ أليس في هذا الدعاء اعتداء على الناس مرفوض عقلا ودينا وذوقا؟ وهل يقصد بالأظعان أحبابه هو أم جميع الأظعان؟

العاشق عندما يخترق قلبه سهم الفراق يجأر بالأنين، ويريد من كل من حوله أن يشاركه ألم الوجد، والشاعر يغضبه برود الناس وعدم استجابتهم الغريزية للمثيرات المؤلمة فيدعو عليهم أحيانا، كما أنه يرى أن المسألة ليس فيها حرية اختيار لأنها غريزية لا عقلية، وعدم استجابة الجوارح للمثيرات ما هو إلا قصور إنساني، وجمود في المشاعر، وموت في القلب، وميت القلب الذي لا تؤلمه سهام الفراق وعذابات الوجد الخفية يجب أن يذوق - في رأيه طبعا - عذابا ماديا ملموسا كالنويفج!

اعتدنا أن يدعو الشعراء على من يلومهم ولا يعذرهم في غرامهم وتباريح وجدهم، بأقسى الدعوات وأفحش الألفاظ، قال نمر بن عدوان:

من لامني به ثور أو هو حمارا

والثور خير منه لو دير يندار

وقال محمد العبدالله القاضي:

ما لامن أحد لو عن الحال يدرون

ومن لامني بمورّد الخد ينصاب

تشيله رياحينٍ من الجن يدوون

بالسبع سبع سنين ما عنه نباب

أي تدور به الجن في سبع السموات سبع سنين لا أحد يعرف عنه فيها شيئا. وهذا الدعاء كثير جدا في الشعر، لكن غير المعتاد أن يهاجم العاشق من لا يباكيه في فراق محبوبه، ولا يشاركه ألم هذا الفراق.

يقول عبد الله العليوي:

من واهجٍ بالحشا شقيت أنا جيبي

ومن لامني بالهوى يصلى لواهيبه

ويقول حمد السعيد:

سم حالي جعل من لامني يعطي السموم

وابتلاني جعل يبلى بمثله لايمي

ويقول فراج الكرشمي:

عسى من لامني في حب مثله

يقاسي لوعته في من يعزه

ومثل هذا الدعاء في الشعر ليس فيه اعتداء لأنه ليس موجها لشخص بعينه، ولأن الشعر في أصله خيال والخيال خلاف الحقيقة، وقوانين الحق والباطل لا تُطبّق على شعر الغزل لأنه عالم افتراضي وأحلام يقظة جميلة.

والبيت هنا يحتمل أنه يقصد من لم يبكِ لأظعان محبوبة الشاعر - تحديدا - عند رحيلها، لأنه يرى في ذلك عقوقا له واستهانة بمشاعره. أو أنه يقصد كل من لا يفجعه فراق الأحبة، ولا تحركه مشاعر الهلع من فجاءة ظعن الأظعان. كما يحتمل أبعد من ذلك وهو الدعاء على كل من لم يعشق أو يخفق فؤاده بلهفة لحبيب، على طريقة قول الشاعر العربي:

إذا أنت تعشق ولم تدرِ ما الهوى

فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا

lkadi61@hotmail.com

رجوع

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة