Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 15/03/2013 Issue 14778 14778 الجمعة 03 جمادى الأول 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

كانت محاضرتي في الأسبوع قبل الماضي في الجامع الكبير بالرياض بموضوع (القرآن يهدي للتي هي أقوم)، استعرضت فيها مبادرة الجن بالإسلام، فسألني أحدهم بعد المحاضرة: كيف نجد هذه المساهمة ونحن لا نراهم ولا نعلم عن عالمهم شيئاً، فلعلك تفيدنا؟

فقلت له: أخبارهم كثيرة وطويلة، جاء بعضها في كتب التفسير بل في القرآن الكريم، وفي السنة ضمن المعجزات التي صاحبت الدعوة ومعجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنهم لا يُرون كما قال سبحانه {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} (27) سورة الأعراف. وقد يرون متلبسين بغير حقيقتهم. والمعجزات النبوية كثيرة ومشعبة، وأكثرها أخبار متواترة تُروى بالسند، وهذا مع البحث قد يستغرق زمناً.

فقال لي هذا الأخ - وهو غير سعودي فيما بان لي، لكنه حريص -: لعلك تستلّ لنا من ذلك حديثاً في بابك بجريدة الجزيرة التي تطالعنا بها كل يوم جمعة. قلت: سأفعل إن شاء الله، ولن أستقصي؛ لأن الموضوع طويل، لكن أجدادنا العرب قالوا في أمثالهم: يكفي من القلادة ما أحاط بالعُنُق، وهذا باب قد دخل فيه الكثيرون فأبدأ بما قاله ابن كثير في تفسيره - رحمه الله - وفي تاريخه فهو يقول:

إن الجن الذين كانوا يسترقون السمع منها هواتف الجان، وما شوهد من نور أضاءت له بلاد الشام. وقال: بينما عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جالس مع أناس يتحدثون عن الجن قال خريم الأسدي: ألا أحدثك كيف كان إسلامي؟ قال عمر: بلى، قال: إني يوماً في طلب ذود لي، أنا منها على أثر تنصب وتُصعد، حتى إذا كنت بأبرق العراق أنخت راحلتي، وقلت: أعوذ بعظيم هذه البلدة أو قال الوادي، فإذا هاتف يهتف بي:

ويحك عُذ بالله ذي الجلال

والمجد والعلياء والإفضال

ثم اتلُ آية من الأنفال

ووحِّد الله ولا تبالي

فذعرت ذعراً شديداً، ثم رجعت إلى نفسي فقلت: يا أيها الهاتف ما تقول.. أرُشد عندك أم تضليل.. بين هداك الله ما الحويل.

فأجابني هذا الهاتف:

هذا رسول الله ذو الخيرات

بيثرب يدعو إلى النجاة

يأمر بالبر والصلاة

ويزع الناس عن الهِنَاتِ

ثم ردّ عليّ هذا الهاتف من الجن:

أرشدني أرشدني في هديتا

لا جعت ما عِشتَ ولا عريتا

ولا برحت سيدا مقيتا

ولا تؤثر الخير الذي أُتيتا

فكانت عادتهم في الجاهلية أنهم يستعيذون بسيد هذا الوادي من الجن فردّ عليه الهاتف بأن يستعيذ بالله، وهذا دليل على أن هذا الجني قد أسلم منذ عرف الرسالة، بدليل آخر قاله لما عرف سؤاله سترشدا.

صاحبك الله وأدى رحلكا

وعظّم الأجر وعارف نفسك

آمن به أفلج ربي حقكا

وانصره نصراً جيداً لنصركا

قال: قلت له من أنت عافاك الله حتى أخبره إذا قدمت عليه؟ قال: أنا مَلك بن مَلكَ، وأنا نقيبه على جن نقيبين، والنقيب إبلك، حتى أضمها إلى أهلك، إن شاء الله. فقدمت المدينة، والناس أرسال إلى المسجد، والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب، فقلت: أنيخ على باب المسجد حتى يصلي وأدخل عليه فأسلم، فلما أنخت راحلتي خرج إليّ أبو ذرّ، فقال: مرحباً وأهلاً وسهلاً، قد بلغنا إسلامك فادخل وصل، ففعلت، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرني بإسلامي فقلت الحمد لله، فقال: أما صاحبك فقد وفى لك، وهو أهل لذلك، وأدى إبلك إلى أهلك (تاريخ ابن كثير 2 : 446).

أما كتاب دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني فقد أورد نماذج كثيرة في كتابه دلائل النبوة، ومن ذلك وتحت عنوان ذكر ما سُمع من الجن، وأجواف الأصنام، عن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أورد بالسند المتسلسل إلى الصحابي جابر بن عبدالله رضي الله عنه، قال: أول خبر كان بالمدينة بالبعثة أن امرأة من أهلها كان لها تابع من الجن، فجاء في هيئة طائر أبيض، فوقع على حائط لهم. فقالت له: ألا تنزل إلينا فتحدثنا ونحدثك، وتخبرنا ونخبرك، قال لها: إنه بعث نبي بمكة حرّم الزنا ومُنع منا القرار. وآخر بسنده إلى الصحابي ضَره يقول: كانت امرأة بالمدينة يغشاها جان، فكان يتكلم بصوته. قال: فغاب ولبث ما لبث، فلم يأتها ولم يختلف إليها، فلما كان بعد مدة إذا هو يطلع من كوّةٍ فنظرت إليه فقالت: يا ابن لوذان، ما كانت لك عادة تطلع من الكوّة فما بالك؟

قال إنه خرج بمكة نبي، وإني سمعت ما جاء به، فإذا هو يحرّم الزنا فعليكِ (دلائل النبوة 69 -70). ولأنهم مبلّغون بشرع الله، ونبينا محمد مبعوث للثقلين الجن والإنس، فإنهم يحضرون مجالس الذكر، ويطبقون، وهم مثل الإنس منهم المطيع ومنهم العاصي، كما بين الله ذلك في سورة الجن.

وقد روى عبدالله بن عباس بالسند قال: هَتَفَ هاتف على جبل أبي قبيس بمكة، الجبل المطلّ على الكعبة، فقال شعراً:

قبّح الله رأي كعب بن فِهرٍ

ما أرقّ العقول والأحلام

دينها أنه لُصنّف فيها

دين آبائها الحماة الكرام

حالف الجن حين يقضى عليهم

ورجال النخيل والآكام

وبعد هذه الأبيات ثلاثة أخرى؛ لأن أكثر هواتف الجن بالشعر، والشعر هو المذياع عند العرب ولسان حالهم المعبّر عما يريدون، وقد ذمه الله في آخر السورة، واستثنى {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} (227) سورة الشعراء.

ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسمعه من حسان بن ثابت وعبدالله بن رواحة وكعب بن مالك وغيرهم، فحسنه حسن ورديئه سيئ.

عوداً على بدء، فبعد هذه الأبيات الثلاثة ثلاثة أخرى لم نذكرها اكتفاء بالأولى، ثم قال ابن عباس: فأصبح هذا الحديث قد شاع بمكة المكرمة، ثم أصبح المشركون يتناشدونه بينهم؛ لأنه تمجيد لواحد من مشركي الجن اسمه مسعر من عفاريتهم، فأعجب المشركين، وهمّوا بالمؤمنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هذا عفريت من عفاريت الجن اسمه مسعر والله يخزيه”، قال الراوي: لأن مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كان سبباً، طُرِدَت العفاريت كل مَطَرد.

فمكث الناس بعد تلك الأبيات ثلاثة أيام، فإذا هاتم آخر على جبل أبي قبيس يقول: نحنُ قتلنا مسَعَرا.. لما طغى واستكبرا.. وسفّه الحق وسن المنكرا.. قنّعته سيفاً جروفاً مبترا.. بشتمه نبيّنا المطهّرا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك عفريت من الجن يقال له سمحج سميته عبدالله: آمن بي فأخبرني أنه في طلب مسعر منذ أيام، فأمكنني الله فقتلته. فقال علي بن أبي طالب: جزاه الله خيراً يا رسول الله.

وقصة سواد بن قارب، وهو من الكهّان قبل الإسلام، وكان له مرئية من الجن، فلما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه أصابه الجني قال: فضربني برجله وأنا بين اليقظة والنوم، وقال: قم يا سواد بن قارب فافهم واعقل إن كنت تعقل، إنه قد بُعث رسول من لؤي بن غالب، يدعو إلى الله وإلى عبادته، ثم أنشد ثلاثة أبيات، فلم أرفع بذلك رأساً وقلت: دَعني أنام فإني أمسيت ناعساً. وفي الليلة الثانية، أتاني وضربني برجله، وقال: ألم أقل يا سواد بن قارب قم فافهم، واعقل إن كنت تعقل، إنه قد بُعث، إنه قد بُعث نبي من لؤي بن غالب، يدعو إلى الله ولعبادته، ثم أنشأ ثلاثة أبيات من الجني. قال: فلم أرفع بذلك رأساً، فلما كانت الليلة الثلاثة أتاني وضربني برجله، وقال: ألم أقل يا سواد بن قارب: افهم واعقل إن كنت تعقل، إنه قد بُعث رسول من لؤي بن غالب، يدعو إلى الله وإلى عبادته، ثم أنشأ الجني ثلاثة أبيات أخرى.

قال سواد فوقع في قلبي حب الإسلام، ورغبتُ فيه، فلما أصبحت شددت على راحلتي إلى مكة، فأسلمت. (مختصره من كتاب دلائل النبوة للأصبهاني ص70-75).

وهذا يدل على سرعة استجابة الجن للإسلام، ودورهم في الدعوة إليه.

وهذا الكتاب مليء بالحكايات المماثلة، وإلى العدد القادم لإكمال الحديث.

للحديث صلة

mshuwaier@hotmail.com

الجن يدعون إلى الإسلام 1-2
د.محمد بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة