Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 18/03/2013 Issue 14781 14781 الأثنين 06 جمادى الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

يحفل تاريخ العالم في الشرق القديم بأساطير تحكي قصة الصراع في حياة البشر، ومن أهمها ملحمة جلجامش وأسطورته التي كانت تدور حول رغبته في الخلود، وقد كانت الخرافة تتحدث عن أن ثلثي جلجامش إله، والثلث الباقي بشر، وبسبب الجزء الفاني منه بدأ إدراك حقيقة أنه لن يكون خالداً، وكان ذلك مصدرا لاضطرابه. وتتحدث الملحمة أن جلجامش كان ملكا غير محبوب من قبل سكان أورك حيث تنسب له ممارسات سيئة منها ممارسة الجنس مع كل عروس جديدة، وأيضاً تسخير الناس في بناء سور ضخم حول أورك العظيمة، وكان مصدرا للأذى للجميع، وكان همه الأبدي أن يظل خالداً، وأن يتخلص من جزئه الفاني، لكن محاولاته باءت بالفشل، وكانت نهايته الفناء مثل مختلف الحكام الذي حكموا الشرق والعالم أجمع.

تحاكي هذه الأسطورة رمزياً الحياة السياسية لعدد من الزعماء العرب، الذين كانوا يفكرون أنهم خالدون، وأن صفة الخلود تجري في دمائهم وعروقهم، وكان ذلك سبب نهايتهم المأساوية عبر العصور، ولو أنهم فكروا كبشر مصيرهم الفناء، ربما كان وضعهم في الزمن الحاضر أحسن حالاً، ولو أنهم أسسوا أنظمة لا تغيب عنها شمس الخلود، لبقيت أسماؤهم في أذهان مواطنيهم للأبد، فقد كان هم الرئيس العراقي صدام حسين أن يحفر اسمه في عقل كل عراقي بحروف من دم، على أنه الرئيس الأوحد والخالد ذو الأسماء الحسنى، وقد كان مصاباً بالفعل بداء جلجامش، فبني له تمثالاً في كل ميدان، وكانت نهايته مأساوية، ولو أصلح العراق واستغل سلطته في تحويل العراق إلى بلد ديمقراطي لا يسمح بالنزاعات المذهبية والطائفية لكان خالداً في ذاكرة العراقيين، ولبقي اسمه محفوراً في قلوبهم قبل عقولهم، لكنه داء العظمة والاستعلاء.

ظهرت مقولة السلطة المطلقة مفسدة مطلقة بكامل معانيها في حياة معمر القذافي، فقد كان يتحكم بإطلاق منقطع النظير في حياة الليبيين، وكان يشعر بجبروت فريد، وكانت فترة حكمه طغيانا واستبدادا، وكان لا يتردد في قتل معارضيه أو سجنهم للأبد، ولم يتوقف عن إضافة الألقاب لنفسه، كان آخرها ملك ملوك إفريقيا، وكان بأفعاله تلك يتصرف ككائن خالد، وليس كبشر فان، ولم يتصور أي كان أن نهايته المأساوية ستكون بتلك الصورة المؤلمة، لكنها طبيعة الإنسان الفانية، الذي لابد من أن يواجه قدره يوماً ما، عندها لا تبقى في صفحات الأيام إلا أفعاله وأعماله.

لم تغب تلك الفكرة الأسطورية عن حياة بقية القادة العرب، فقد صدّق الرئيس المصري السابق حسني مبارك أنه باق في الحكم للأبد، وأن بناء مزيد من السجون كفيل لخلود اسمه في عقول المصريين، كان يعيش في برج عاجي، وكان دائماً يسخر من معارضيه، ولم يكتف بذلك، فقد كان يهيئ أبناءه للخلود معه في كرسيه العالي، وكانت نهايته أقل عنفاً عن سابقيه بسبب يقظته الأخيرة عندما تنازل عن الحكم في الثواني الأخيرة من حياته السياسية، وهو ما لم يفعله في الوقت الحاضر الرئيس السوري الحالي بشار الأسد، الذي تقدم قصته الحالية خليطا من فكرة الخلود الأسطورية وقبضة الحكم الأمني الشرير، فالرجل كان يعي جيدا أنه غير محبوب، و أن جزءا من قوته كونه يحكم البلاد من خلال القبضة الأمنية، وعبر الرعب الذي ينشره بين شعبه، لكن في لحظة غير عادية خرج الشعب ليحارب من أجل حريته متجاوزاً كل حواجز الأمن، وقد تطول الحرب معه، لكنها في نهاية الأمر ستكون لهم الغلبة مهما فعل من جرائم في حق شعبه.

تعبر أحياناً فكرة الخلود في الحياة الدنيا في أذهان البشر، ولا تعتبر فكرة خالصة للحكام فقط، فالإنسان يتصرف في كثير من الأحيان على أنه يعيش للأبد، لكن تلك الفكرة تتضخم في عقول بعض الحكام بسبب إحساسهم بالفوقية والقوة المطلقة، وذلك أحد أهم أسباب شعورهم بالجبروت والطغيان، وعادة ما يصاحبها مشاعر الشك وهواجس الوسواس، فتجعل منه كائنا غير طبيعي، لا يثق فيمن حوله، وقد يصل بهم الحال الى ان يكون الشك تهمة تقود للسجن المؤبد لمعارضيه، والشك سلوك سائد في أذهان رموز الاستبداد في حياة البشر، ولنا عبرة في ما فعله هتلر وستالين وصدام حسين ومعمر القذافي بشعوبهم وأوطانهم.

بين الكلمات
ذهنية الاستبداد وفكرة الخلود
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة