Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناWednesday 20/03/2013 Issue 14783 14783 الاربعاء 08 جمادى الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

متابعة

رحيل معمري حرمة الواحد تلو الآخر
الشيخ (عبد الله الفهيد) وشيء من مآسي الماضي
حمود بن عبد العزيز المزيني

رجوع

انتقل إلى رحمة الله تعالى الشيخ - عبد الله بن عبد العزيز الفهيد، فجر الخميس 18 - 4 - 1434 هـ، عن عمر يناهز المائة عام، فهو من الجيل الذي عاش فترة الزمن القديم بكل ما تحمله من مشقة وآلام، فترة كانت الحياة فيها هي حياة أهل هذه البلاد الصعبة منذ آلاف السنين باديتهم على نفس النمط، وقروييهم في قرى طينية متناثرة في مجاهل الصحراء.. حتى أنعم الله على هذا الوطن بالذهب الأسود الذي نقلهم بتوفيق الله ثم بهذه القيادة إلى هذه النهضة الشاملة والتطور الحضاري في فترة زمنية وجيزة، عمل عبد الله بن فهيد عام 1350 هـ عند الشيخ عبد العزيز بن محمد العتيقي. في مدرسته التي افتتحها بالمجمعة في بيته الذي كان من أكبر بيوت المجمعة آنذاك.

افتتحها في بيته هذا وليس في بيت استأجر له كما ذكر الخريف في مقال له عن الشيخ عبد العزيز بن ربيعة بهذه الصحيفة - والشيخ العتيقي رمز من رموز المنطقة فقد كان أحد أعضاء لجنة تسليم جدة، كما اختاره الملك عبد العزيز عضوا في المجلس الشوري الذي كونه بالحجاز - بعد ذلك انتقل عبد الله بن فهيد للعمل في خط التابلاين عند إحدى الشركات التابعة لأرامكو... إلخ.

ولتتضح معاناة تلك الأجيال كما ألمحت فقد روت لنا جدتي لأمي حصة بنت منصور الفهيد رحمها الله، مثلا من ذلك قالت: كنا أربع بنات صغار في بيتنا بحرمة وكانت أمي وأبي ليسا على وفاق. حتى انتهى أمرهما إلى الطلاق، فقدم قريبها من الزبير لأخذ والدتي إلى أهلها.. فلم يوافق والدي على ذهابنا معها وبعد توسل وإلحاح.

وافق على أن تصطحب معها الصغيرة منا فقط، وهي شيخه ابنة الخمس سنوات.

ولا أنسى ذلك المشهد الحزين عندما ركبت والدتنا وأختي على ذلك البعير متجهة إلى الزبير برفقة تلك القافلة، وأخذت تبتعد عنا شيئا فشيئا حتى غابت عن أنظارنا وغبنا عن ناظريها، وكلنا بكاء وحرقة على والدتنا وأختنا.. فارقونا ونحن ثلاث بنات صغار في البيت لم تتجاوز الكبيرة منا سن الحادية عشرة من عمرها.

بقينا في بيت والدنا بدون قريبة تكبرنا وكنا لا نجيد لصغرنا عملا ولا طبخا.. أما والدتنا فقد عاشت هناك زمنا ليس بالقصير حتى فارقت الحياة ولم نشاهدها. وأما أختنا شيخه فلم نشاهدها إلا بعد أن أصبحنا عجائز وذلك عام 1381هـ تقريبا بعد مجيء السيارات حيث جاءت لزيارتنا في المجمعة فلم نتعرف عليها ولم تتعرف علينا بل عرفوا بعضا على بعض.. ولولا ذكرياتنا وذكرياتها التي لا زالت عالقة في أذهاننا عن بعض المواقف لما كنا صغارا في بيتنا، وعن ذلك المشهد الحزين عند رحيلها عنا مع والدتنا.. لانتابنا شك من أنها هي أختنا..

المثل الآخر من معاناة تلك الأجيال أنه إذا عم القحط الأراضي النجدية وتكالبت عليهم السنون أضطر أهلوها إلى النزوح زرافاً ووحداناً إلى الإحساء والخليج والعراق طلباً للقمة العيش فيموت الكثير منهم في مجاهل الصحراء قبل وصول مبتغاهم.. حكى لنا الجد عبد العزيز بن فهد الفهيد، أنه عم القحط والدهر منطقة سدير فرحل الكثير من أهلها إلى تلك الجهات وخاصة الزبير بالعراق، فضلت إحدى القوافل الطريق ولم يكن لدى البقية من الزاد والماء ما يكفيهم لمواصلة البحث عنهم.. فاضطروا إلى مواصلة سيرهم على ركابهم إلى العراق، وبعد مدة جاءهم الخبر أن تلك القافلة رجالهم ونساءهم وأطفالهم مع جمالهم هلكوا جميعاً في الصحراء من شدة الظمأ.. أما هو ومن معه فقد بقوا يعملون في الزبير حيث انقطع سبع سنين متواصلة عن زوجته ومن بقي من أقاربه في حرمة، فلما عاد بعد تلك المدة. جاء إلى بيته يسأل عن زوجته حصة فقيل له «صح النوم» زوجتك لها أولاد من زوجها الآخر..؟ خلعت منه بعد مضي أربعة أعوام من غيبته.

هذه السنين والتي يسميها أهل نجد سنين الدهر وسنين الجلوات.

تتكرر عليهم في دورات مناخية متعاقبة كما في عام 1136هـ حسب تاريخ ابن غنام حيث عم القحط نجد وهلكت البوادي وغارت الآبار وجلا أهل القرى إلى الزبير والبصرة.

وتكرر ذلك عام 1182هـ وكذلك عام 1197 حيث انتشر القحط والغلاء العظيم واستمر ثلاثة أعوام وأطلقوا على ذلك العام - دولاب - وفي عام 1288هـ عادت إليهم الكوارث حتى أكلوا الميتات، وجلوا إلى الإحساء والكويت والزبير والبصرة، وفي عام 1316هـ تكرر الوضع وسميت تلك السنة - سنة الجلوة - حسب كبار السن وهكذا حتى انعم الله على هذه البلاد بالأمن والاستقرار على يد موحد هذه البلاد جلالة الملك عبد العزيز.

وإنعام الله تعالى على أهلها باكتشاف البترول.. هذه أوضاع وحيات الأجداد التعيسة تعمدت التطرق إلى أمثلة منها لكي نحمد الله تعالى على ما نحن فيه من نعمة، فبضدها تتبين الأشياء.

ونحمد الله على ما ننعم به من أمن واستقرار بين أمواج متلاطمة من حولنا، والعاقل من كانت عضته بغيره لا بنفسه.. كان الخال رحمه الله حاد الذكاء سريع البديهة حاضر الرد.. كما كان شديد التعصب لبلدته حرمة، فكانت كثيرا ما تثور الزوابع بينه وبين أهل المجمعة حول هذا الموضوع في مجلس والدي عبدالعزيز المزيني. رحمه الله.. وكان حتى وفاته لا يقتنع ولا يريد أن يقتنع بأن المجمعة استوعبت بلدة حرمة وتجاوزتها من كل اتجاه.

حكى لي الأخ محمد السيف مدير مكتب بلدية المجمعة في حرمة أنه قبل بضعة أعوام مره الخال عبد الله الفهيد مع أحد أبنائه لإنهاء إجراءات أراض لهم هناك.. وقد تعطلت معاملة أحدهم.. فقال له ابن سيف مداعبا إن خلصت (وإلا فنومة ابن فهيد على ما قال المثل) فضحك الخال وسأله عن هذا المثل الذي تمثل به.

فقال ابن سيف هذا مثل دارج عندنا في سدير.. فما كان منه إلا أن قال له: ابن فهيد صاحب هذا المثل هو هذا المائل أمامك.. وأعلمه بقصة المثل.. فبقي ابن سيف مشدوها..

أسرة الفهيد إحدى الأسر القديمة في حرمة ولها أملاك قديمة تثبتها الوثائق الموجودة من نخيل وسواها، ولكنها هاجرت عن بكرة أبيها إلى الزبير.. ولم يبق منها إلا جدي عبد العزيز وابنه الوحيد الخال عبد الله هذا.

والذي أنجب رجالا ستة حفظ الله بهم هذه الأسرة من الانقطاع.

والله ولي التوفيق.

- المجمعة

رجوع

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة