Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناWednesday 20/03/2013 Issue 14783 14783 الاربعاء 08 جمادى الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الأخيــرة

أكيد، من استحل لحم أخيك سوف يستحل لحمك. على المشكك في هذا المثل أن ينتظر دوره. العراق تم تفكيكه، ويعاد الآن تركيبه ليصبح بهوية فارسية وكردية وبقايا هوية عربية.

سوريا في الطريق، وتفكيكها إلى دويلات مسألة وقت. التاريخ السياسي العربي، الأموي والعباسي جغرافيا تم مسحه من السبورة. المرجح أن الدور القادم سيكون على الجغرافيا الحاضنة للمجد الديني العربي، وذلك أيضا مسألة وقت. من يشم في هذا التشاؤم روائح عقلية المؤامرة يجب عليه أن يشرح بطريقة مقنعة ما جرى في العراق وسوريا. ذلك النصيب من الذنب الذي تتحمله الأنظمة البائدة والفاشلة في العراق وسوريا ذنب مشترك تتحمله كل الأنظمة العربية، وأوجه الشبه بينها كثيرة. الفشل في إدارة الشأن الداخلي، بشروط العقد الحقوقي الاجتماعي لإدارة الدول، فتح الأبواب للتدخل الخارجي ولتحطيم كل شيء بما في ذلك الروح الوطنية.

أصيب عرب الجوار بالهلع لأن العراق غزا الكويت وكان ذلك الاحتمال أكثر من وارد، ولم يكونوا مستعدين للدفاع عن أنفسهم ضد أي غزو خارجي فاستنجدوا ضد الشيطان المحلي اللعين بشياطين ألعن، وفتحوا الأبواب كرها للعبث بالتاريخ والجغرافيا والمستقبل. الغزو الاستكمالي الغربي للعراق عام 2003م لم يكن يستهدف رأس النظام وتخليص الناس من الشر والظلم في الداخل. الهدف كان استئصال العراق من الجسد العربي، وهذا ما حصل. النتائج تتحدث عن نفسها. لم يعد العراق عربيا ولا يستطيع أحد في العراق أن يقول أنا عربي لأنه سوف يلقى حتفه في الحال. عندما ينعدم التضامن بين الناس يعيش كل فرد مع مخاوفه الخاصة، خوفه على نفسه ونسائه وأطفاله. يصبح كل واحد جبانا بمفرده، والنتيجة جبن وخنوع جماعي وشامل في انتظار فرج يأتي من السماء.

تقاسم الشياطين التركة العراقية، أخذ الفرس حصتهم والكرد حصتهم، وللغرب الحصة الكبرى في استثمار الثروات وصفقات إعادة بناء ما هدموه. لم يبق من العراق العربي سوى الصحراء والفقر والخضوع.

سوريا في الطريق لتلقى نفس المصير. الدولة التي تستعمر العراق وتتحكم بالكامل في سمائه وأرضه وأمنه تستطيع منع القوات والإمدادات الإيرانية من الوصول إلى سوريا وإتاحة الفرصة للشعب السوري الثائر لتصحيح أوضاعه مع طغاته بنفسه. هذا يتطلب ببساطة قطع شرايين وأوردة تواصل النظام السوري مع إيران عبر العراق ومع حزب الله عبر لبنان، لكن هذا لم يحدث والسبب واضح. لو أرادت أمريكا لكسرت سيقان وأضلاع الوجود الفارسي في العراق ولمنعته من مشاركتها هناك، بدلا من الضجيج الإعلامي والتهريج بمنعه من تصنيع السلاح النووي.

الشياطين تحتاج بعضها، مؤقتا على الأقل، حتى تسقط الذبيحة الثانية ثم يتم تقاسم التركة. طنطنات الفضائيات العربية وأبواق الإعلام الرسمية تضخ الدخان الأسود في الأجواء لكي لا يرى الناس الحقائق الموضوعية بوضوح.

غدا لن يبقى من الوجود التاريخي والجغرافي العربي في سوريا سوى الخوف والجوع والخضوع تماما مثل العراق، ثم يأتي دور الضحية الثالثة.

أحجار البيت العربي القديم تتهادى حجرا حجرا، والناس في الجوار تتفرج على مصائب الأخوة والأوطان، يشلها الفزع ورخاوة الشبع.

أحيانا يمكن وصف المصيبة الكبرى بالمهزلة، رغم أن المهزلة أكثر ملاءمة لوصف ما يثير الضحك والسخرية، لكنها هنا مهزلة تستثير البكاء والعويل. دول الجوار الناجية حتى الآن من قبضة الشياطين لا تجد ما هو أفضل من الاحتماء بالشياطين أنفسهم. تقاطع المصالح الظرفي لا يعني على الإطلاق عمق الصداقة والتمازج الحضاري. ليس هناك تمازج ولا توافق. هناك تاريخ طويل من النفور والنيات السيئة وانتهاك القوي للضعيف.

في تلك الحقب التاريخية التي تصبح فيها جهود الدول مركزة بالأساس على حفظ الأمن الداخلي فقط والانصراف إلى الاستمتاع بكماليات الحياة، يصبح المستقبل مرتهنا للشيطان. الدول العربية المجاورة للعراق وسوريا تعتمد في حماية أمنها الخارجي على معاهدات صداقة مع الغرب، خوفا من إسرائيل وإيران ومن بعضها البعض.

الغرب في حقيقته لا يرى في المنطقة العربية بكاملها سوى أسواقا ومصادر ثروات طبيعية. فقط الضرورات السياسية تضطره للتقاسم مع إسرائيل وإيران بسبب قدرتهما على التنغيص عليه لو حاول الاستفراد بالغنائم. أصبح الوجود العربي طريدة العصر بشكل مكشوف، لماذا؟.

لأن أنظمة الحكم العربية كلها تركز على حفظ أمنها الداخلي بطريقة الإبقاء على توازنات الماضي بشروط الماضي وإغفال المستقبل. لذلك أصبح الأمن الخارجي العربي مرتهنا عند من لا يصح ولا يجوز الوثوق به بناء على الأدلة الماثلة للعيان.

لا يحفظ الأمن بشقيه الداخلي والخارجي سوى الثقة الكاملة بين الحكومات والمحكومين، ومن تغدى بأخيك سوف يتعشى بك.

إلى الأمام
من تغدى بأخيك تعشى بك
د. جاسر عبدالله الحربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة