Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 21/03/2013 Issue 14784 14784 الخميس 09 جمادى الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

هاته هي مقالتنا الرابعة عن جامعة القرويين، أقدم جامعة في العالم التي تخرج منها المسلمون وممثلو الديانات الأخرى من نصارى ويهود؛ وأنصح نفسي وكل متتبع لمن أراد التوسع في معلوماته الرجوع إلى مؤلفات الدكتور عبدالهادي التازي

التي منها ننهل مثل هذا التوثيق التاريخي ذات البعد الاستشرافي وأشكره على تزويدي بنفائس المعلومات عن هاته الجامعة والتي أنشرها هنا تعميما للفائدة... وفي هذا الباب وتنافسا مع المدرسة المستنصرية ببغداد نرى جامعة القرويين تزداد بمدارس تحاكي هذه الأحياء الجامعية التي يعتبرها العصر الحديث من حسناته، فبعد مدرسة الحلفاويين كانت مدرسة فاس الجديدة، ثم مدرسة الصهريج، ومدرسة العطارين، ومدرسة الوادي، ومدرسة الخصة، ومدرسة أبي عنان، وكل هذه المدارس تحتوي على قاعة للدرس... يختلف عليها أستاذان، لكل منهما أوقاف خاصة، وإلى جانب هذه الأحياء الجامعية كانت خزانة الملك أبي يوسف وأبي عنان من بني مرين، ثم المنصور السعدي، هذه الخزائن التي تكون اليوم (خزانة القرويين) ذات الشهرة العالمية والمليئة بالمخطوطات الثمينة التي لا توجد إلا فيها، ومنها أرجوزة ابن طفيل في الطب وأجزاء من إنجيل القديس لوقا ويوحنا...

وعلى نهج ما استمر عليه العمل بالأندلس والمشرق، فإن الطلبة يحلقون على الأساتذة حلقا متوالية، وقد تبلغ الحلقات إلى عشرين أو تزيد، وربما اختلط بالطلاب علماء رأوا من المفيد بالنسبة إليهم ان يستمعوا إلى وجهة نظر خاصة، وربما استمر الدرس الواحد من الشروق إلى الزوال، ويغلب أن يخصص الصباح لدروس الفقه وما بعد الزوال للعلوم الأخرى، أما عن أمد الدراسة فقد تحدد في هذه المرحلة إذ كان لا يتجاوز سبع سنوات، وقد كان على “الأوقاف” طوال هذه المدة أن تؤوي الطلاب وتمونهم... وامتازت هذه المرحلة بأنها عرفت أياما للعطلة بالقرويين، فإلى جانب يوم الخميس والجمعة كانت الدروس بالقرويين تعطل أيام المصيف هذا إلى أيام رمضان، بيد أن جل العطل لا يمر دون أن يتناول الطلاب فيها فنونا خفيفة كالآداب وسير أعلام التاريخ.

ومن أبرز ما عرفته القرويين في هذه الفترة نوع من الامتحان الذي يجري الآن في الدول المتحضرة تخريج الأساتذة المبرزين، ذلك هو نظام “الإجازة” وإن أخص ما توصف به مناقشة نيل الإجازة أنها كانت بحق مجازا عسيرا لا يقتحمه سوى الأكفاء المقتدرين.

وإلى جانب العلماء الذين كانوا يمارسون مهمتهم ظهرت وظيفة جديدة بالقرويين تلك هي وظيفة المفتي الذي كان له مقر خاص بالقرويين وكان يسند إلى هذا المفتي جانب مهم من الأوقاف يصرفه باجتهاد في المشاريع الإحسانية التي تظهر له من خلال احتكاكه بمشاكل الناس.

ولم يكن غير العلويين كفؤا لاسترجاع الهدوء للمغرب بعد تلك الأيام القلقة، وهكذا ظهروا بسجلماسة، وقد كان جدهم علي الشريف على صلة تامة بعلماء فاس، وكان أول ملوكهم توفقا هو المولى الرشيد بن علي الشريف الذي دشن أيامه الأولى بالالتفات إلى الناحية العلمية بالمغرب، ثم كان المولى إسماعيل الذي نعمت البلاد على عهده باستقرار ظل مضرب المثل، واستطاع أن ينتزع ثغورا من يد الأجنبي، وفي صدرها “العرائش” واستعاض الناس عن النعال السود بالنعال الصفراء، وإثر وفاته شبت بعض الاضطرابات لكن الأمور لم تلبث أن رجعت إلى نصابها، وواجه السلطان العالم سيدي محمد بن عبد الله مشاكل لكنه استطاع أن يتغلب عليها، واستطاع مع ذلك أن يربط علاقاته بالدول الأجنبية في الخارج، واعتلى المولى عبد الرحمن بن هشام على العرش المغربي فواجهته مقاومة الجزائر التي كان يقودها حليفه الأمير عبد القادر محي الدين ضد الاستعمار المهاجم، وبعده ولده سيدي محمد الذي شعر بأن الاقتصار على معارف القرويين لا يكفي، وقد ظهر المولى الحسن فشاطر والده هذا الرأي، وأقر بعض الأنظمة التي كان يراها ضرورية للمحافظة على الكيان بيد أن المنية عاجلته، وتتابعت المناورات. وما أن ظهرت سنة 1331هـ (1912م) حتى فرض نظام الحماية بالمغرب، ونقلت العاصمة من فاس - على إثر “الأيام الدامية” - إلى مدينة الرباط، وبالرغم من أن بعض فصول نظام الحماية كان يعطي صلاحية “للمخزن” (الحكومة المغربية) فقد دأبت السلطات الاستعمارية تعمل على تجريده من كل مظاهر السيادة ووضعت يدها على سائر أجهزة البلاد لكن المغرب بعد نحو من أربعين سنة في الكفاح استرجع - بقيادة جلالة الملك محمد الخامس - سيادته، وطفق يبني استقلاله على أسس متينة ورشيدة.

والذي يعني بتاريخ القرويين لا بد أن يجد متعة في الحديث عن هذه “العادة” التي اكتسبتها القرويين منذ فجر الدولة العلوية، فلقد قرر العاهل المولى الرشيد أن يمنح عطلة ربيعية للطلاب الذين رافقوه في المعركة ضد الإقطاعية، فأضافوها إلى العطل التي عرفوها وقد أعطاهم “حق” تنصيب سلطان عليهم أثناء العطلة، يرشح هذا السلطان نفسه من بين الطلبة الآفاقيين بعد أن يشتري سلطنته “بالمزاد العلني”...

يعيش سلطان الطلبة في هذا الجو المرح زهاء أسبوع كامل على ضفاف وادي الجواهر من مدينة فاس، والحديث عن سلطان الطلبة جميل، والعادات التقليدية التي كانت تجري بمناسبة تنصيبه تدل على مدى تكريم السلطة المركزية للمعاهد العلمية فأنت تشهد سلطان الطلبة في جماعة من وزرائه وأعيان دولته، يستقبل عاهل البلاد الذي يزوره في حاشيته، ويتبادل “الملكان” التحية ولا تكاد أحيانا تميز بين “ملك سبعة أيام” وبين الملك الحقيقي.. وأخيرا يقفل العاهل إلى قصره بعد أن يقدم “للمملكة العلمية” أحمالا من السكر والسميد وقوارير من الزبد والسمن، وأكياسا من النقود، وقطيعا مهما من الغنم.

لقد استمرت القرويين تقوم بواجبها تلقائيا، فكان المعلمون يختارون من الكتب الدراسية ما يشاؤون ومن الفنون ما يتفق وأذواقهم ولكنه على هذه المرحلة أصبح من المؤكد أن يفكر في سن نظام لهذه القرويين، وقد كان الذي وضع الحجرة الأولى لهذا النظام هو السلطان سيدي محمد بن عبد الله (محمد الثالث) الذي راح يكون للقرويين “ملفا” خاصا بها سنة 1123هـ (1788-1789)، لقد أصدر مرسوما لشيخ القرويين على ذلك العهد يأمره فيه بتحديد المواد المدروسة والكتب التي ينبغي أن يستعان بها على تلك المواد، وتشير كتب التاريخ إلى أن هذا الإصلاح أمر به العاهل بعد أن قام باستشارات مع كثير من العلماء ومن ضمنهم أساتذة من الكنانة (مصر) مما يدل على مدى الأمل الذي كان يعلقه السلطان محمد الثالث على النهوض بمناهج القرويين.

وتؤكد المصادر أنه كان بفاس على هذا العهد أزيد من مائة وعشرين كرسيا لتدريس العلم موزعة على مختلف فروع القرويين “المائتين والخمسين” المنبثة في كل منعطف، وفي كل زقاق وعلاوة على ست ومائة مدرسة أولية من بينها دور للفقيهات، ومن تلك الكراسي يوجد عشرون كرسيا بجامع القرويين نفسها يجري العمل في نيلها على نهج الأكاديميات الأصيلة...

ومن غاب من كابر العلماء نال كرسيه آخر بعد مصادقة القاضي، وكل كرسي له أستاذه الخاص وكتابه الخاص ووقفه الخاص كذلك، ومع هذا فإن جل هذه المساجد يتوفر على خزانات علمية تحتوي على مخطوطات يستعين بها الطلاب.

جامعة القرويين والكراسي العلمية
د. عبد الحق عزوزي

د. عبد الحق عزوزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة