Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSaturday 23/03/2013 Issue 14786 14786 السبت 11 جمادى الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

يحدث هذا الحوار في كل يوم تقريباً: سنلتقي في هذا المكان.. ما رأيك الساعة السادسة مساءً؟ ممتاز. قبل أن نخرج للقاء الفعلي يبدأ التبادل التلفوني أو الواتس أب وين بالضبط؟ أوف. الطريق زحمة مرة... شارع الملك فهد مسدود... وش رأيك بس نروح للمقهى اللي في مملكة المرأة أسهل...؟

وينه بالضبط؟ أظن جنب البنك... وتنتهي السادسة ولم نصل إلى الموعد. وحين نصل بعد ضوضاء الشارع ولهاثنا المحموم للاطلاع على توتير أو الواتس أب أو الأيمل عبر هواتفنا الذكية نسترخي أخيراً في لقائنا أمام كأس القهوة أو العصير.. لكننا لا نقف بأنفسنا عند ذلك ونبدأ الحوار البشري المتوقع.. كلا أيدينا تتحرك في وجل وقوة عقلية عاصفة تجبرنا على أن يكون عقلنا حيث هي هواتفنا الذكية بحيث تمتد يدنا مباشرة بعد السلام لالتقاط تلفوناتنا والتواصل مع أحد آخر على الواتس أب أو الأنستجرام أو الرد بسرعة على الأيمل أو الرسالة النصية ومن أمامي تفعل تماماً الشيء نفسه دون حرج؟ ماذا أصابنا جميعاً؟؟؟

كل لقاء سواء كان اجتماعاً علمياً أو مهنياً أو عائلياً أو ترفيهياً يسبقه حملة رسائل راكضة تلاحق عقل وعين كل واحد فينا عبر هاتفه الذكي وكأننا لن نلتقي أبداً إن لم تكن موجودة. وأنا أكتب لكم هذه المقالة سمعت رنين الواتس أب أكثر من مرة وكنت مضطرة إلى الرد على الهاتف مرتين وتفقدت رسائلي النصية مرة وقبله بريدي الإلكتروني ولم يكن هناك وقت للتوتير!!

إنه الإدمان الفعلي.. نحن السعوديين أطفالاً وشباباً وشيوخاً... رجالاً ونساء نعاني من ظاهرة إدمان استخدام الأجهزة الإلكترونية.. هي من يحدد خريطة يومنا ولقاءاتنا ومواعيدنا وسلاماتنا وأخبارنا. وبحسب الإحصاءات فإن 95% من سكان المملكة يملكون جوالات.. كما أشارت دراسة أجرتها غوغل بتفوق السعوديين على باقي سكان المنطقة العربية في استخدامهم لهواتفهم الذكية. ويبلغ متوسط الوقت الذي يمضية معظمنا كما في إحصاءات 2011 (132) دقيقة في اليوم أي أكثر من ساعتين، وهي أعلى من معدلات مشاهدة التلفزيون التقليدي التي كان متعارف عليها عالمياً.

هل هناك من مشكلة في ذلك؟ نحن الآن أفضل. فنحن نجري عمليات بحث عن كل ما نريد عبر جوجل بدل إطلاق أحكامنا على الأشياء والأحداث جزافاً كما كنا في السابق، ونحن نتواصل مع العالم ومع من حولنا بشكل مستمر بفضل هواتفنا الذكية، كما أننا بالتأكيد نستخدم وقتنا بشكل أفضل مما سبق مما يعني مزيداً من قدرتنا على التنسيق وتقديم الخدمات والعمل والاجتماعات والمال والمعارف، فما الخطأ في ذلك؟

الخطأ أننا لا نستطيع أن نعيش من غيرها.. الخطأ هو في هذا الإحساس بالفراغ والقلق حين لا نقلبها بين أيدينا. القلق في أننا صرنا نستطيع أن نتحدث بشكل أفضل مع الآلة ونتواصل معاها بارتياح أكبر مما نفعل حين ننظر مباشرة في عين شخص أمامنا فتقف الكلمات عاجزة عن التعبير في حين ننطلق كالطيور المحلقة في حضرة الواتس أب أو التوتير ونضيع.. نعم نضيع حين نفقد اتصالنا بالشبكة العنكبويتة ونستمر في تقديم اعتذاراتنا لكل من حولنا حين لا يمتلكون حق اختراقنا المستمر أربع وعشرين ساعة.

لم نعد ملكاً لأنفسنا.. أو ذواتنا. أصبح عقل ومشاعر وأفكار كل منا ملكاً للآخرين من حولنا ممن يتوقعون أن نبقى على اتصال بهم، حيث تعطي الهواتف الذكية فرضية تم قبولها جمعياً: أن الآخرين يمتلكون القدرة على الوصول إلينا في أي وقت يرغبون، كما نملك نحن الحق نفسه تجاه أرضهم الخاصة وهي ذواتهم... ولأننا محاطون فعلياً بالآخرين حتى ونحن وحيدون فعلياً عبر هذه التكنلوجيا.. تسيطر فكرة التواصل الجمعي على عقولنا فتتلبسه.. وتبدأ في التعود عليه بحيث اعتدنا الآن أن نهرع لتفقد هواتفنا قبل أن نشرب قهوة الصباح، ونشعر بضرورة ملحة لتفقد ما وصل إلينا من الآخرين الذين استمروا في اقتحامنا حتى ونحن نيام بحيث أضحي هذا السلوك لازمة يومية مثل استخدام الفرشاة!! لكن العجيب أننا حين نكون فعلاً في صحبة هؤلاء الناس يبدأ القلق، فهناك آخرون لا نعرف ماذا أرسلوا، كما أن من بحضرتنا مجهولون إنسانياً لنا، ونحن نفهمهم أكثر عبر وسائل التكنلوجيا بحيث أصبح التواصل الإنساني معهم مرهقاً ومقلقاً! وحتى نعرف تغلغل ذلك في حياتنا راقب أي سعوديين في أي جمع وأي اجتماع وأي حفلة وسترى أن الجميع يلتصقون في حميمية واضحة بشيء واحد دائماً وأبداً.. إنها جوالاتهم؟!!

أجهزتنا الذكية تحمينا من قلق المعرفة الجديدة أو تعميق علاقاتنا القائمة.. تمنحنا الراحة بوجود الآخرين حتى لو كنا غرباء في مكان ما أو عرس أو حفلة. وهي تضفي الشعور بالأهمية تتلبس الشخص فلا يشعر بوحدته الفعلية أو بقلق واقعه أو علاقاته التي تمضي في الهواء معلقة وغير محددة بفعل غيابه الحقيقي عن التواصل الإنساني المباشر لفترات طويلة بحيث نفقد تدريجياً قدرتنا على أن نكون بشراً كما خُلقنا؟ هل أبالغ؟ ما هي تجربتكم أنتم إذن؟؟

كيف يحول إدمان التكنلوجيا الإنسان إلى كائن غير إنساني
د. فوزية البكر

د. فوزية البكر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة