Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 25/03/2013 Issue 14788 14788 الأثنين 13 جمادى الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

يحكم التاريخ الاجتماعي في البلدان المسيحية مركزي قوة منفصلين عن بعضهما البعض هما الدين والدولة، وحين كان التزاوج بين السلطتين في العصور الوسطى متينا وقويا وخادما للمصالح المشتركة كانت الأمة تعيش في الهامش والتخلف حتى ظهرت الحركات التنويرية

في القرن السابع عشر الميلادي، لتظهر فيما بعد ثورات التحرر سعيا لتحقيق الطموحات.

أما في التاريخ الإسلامي فلم تظهر هذه الثنائية في السلطة حتى نهاية الإمبراطورية العثمانية، على أن بوادرها ظهرت في أفكار بعض المثقفين العرب والمسلمين اعتبارا من منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، يرى ذلك الكاتب والمؤرخ الأمريكي برنار لويس في كتابة الذي ترجمه إلى العربية الأستاذ إبراهيم شتّا بعنوان «لغة السياسة في الإسلام» والذي دون فيه الكلمات والمصطلحات السياسية العربية وتلك التي دخلت إلى اللغة العربية مشتقة من لغات تركية وفارسية ولاتينية، وبالتأمل في كثير من المصطلحات والكلمات التي دخلت الثقافة العربية نستطيع فهم مسارات الفهم والوعي الذي دخل واثر في العقل والفعل العربي.

إن المتمعن في معاني الكلمات والمصطلحات السياسية المستخدمة اليوم يجد أن بعض معاني الكلمات العربية قد تغير في الفهم والوعي، وعلى سبيل المثال نرى كلمة (أصولي) في اللغة العربية مشتقة من مفردها « أصل» أي مصدر الشيء، وهي تستخدم كوصف لمن يتبع القواعد والقوانين ويبني عليها وبالتالي لا علاقة لها بالتطرف والتشدد، بينما صارت مستخدمة في اللغة السياسية الدارجة اليوم في ثقافتنا العربية باعتبارها وصفاً للتشدد، وربما التطرف الديني، متسقة في المعنى مع تلك التي تطلق في الثقافة الأوربية المسيحية على رجال الكنائس وبعض التنظيمات (البروتستانية) التي تؤكد على الأصل الإلهي حرفيا وعصمة كتب الأناجيل رغم اختلاف نصوصها، ويمكن القياس بذلك على مصطلح « إرهابي» الذي ظهر مؤخرا وأصبح مستخدم في ثقافتنا العربية، وربما توسع ليغطي بأثره السياسي ليشمل الفكر واللفظ، بل وحتى العمامة واللحية، بينما نجد أن أصل المعنى العربي لكلمة إرهاب هو الإخافة أو بث الرعب في الآخر، أو كما يسمى اليوم توازن الرعب بين طرفين لمنع الأذى أي منع الجرم، وتم استخدامه من قبل الغرب لوصف عمل إجرامي بالفعل لدى العرب وغيرهم، فالقتل والتدمير تجاوز الإرهاب إلى الإجرام، لكن لأن الوصف جاء لفعل سياسي تدخلت اللغة السياسية في تعريفه، وأصبح مصطلح الإرهاب شاملاً لكل ما يحيط بمنفذي تلك الجريمة رأيا وفكرا وثقافة، وحتى المظهر والهيئة، ومن علامات الحنكة والحكمة نلحظ باعتزاز دقة التعريف لدى القيادة في وطننا، وهي تستخدم وصف «الفئة الضالة» في بياناتها الرسمية حماية للثقافة الإسلامية، وحتى لا تطغى اللغة السياسية على أصل المعنى في اللغة الثقافية، إلا أن بعض وسائل الإعلام لا تولي هذا الفصل الاصطلاحي في المعنى القدر الكافي من الاهتمام، وقد تكون معذورة بحكم أن تمازج الثقافات وتداخل مدلولاتها وأدواتها في الوصف والتعريف فيما هو اكبر وأوسع مدى في الأثر والتأثير كالليبرالية والعلمانية والقانون والدستور والديمقراطية، وكثير غيرها أصبح جزءاً من اللغة السياسية الدارجة، ولو عدنا بهذه المصلحات إلى معانيها في اللغة العربية فربما ذهل المرء من سعة التغير في مساحة التهجين الثقافي، بيد أنه لا قدرة أو إمكانية للارتداد إلى الخلف، فالعالم اليوم يوشك أن يكون ذا لغة سياسية واحدة، إن لم يكن كذلك بالفعل.

إن اثر التلاقح والامتزاج بين الثقافات يقود إلى التجانس في الرؤية والفكر حين يأخذ مداه الكافي، وإذا كانت حركة النمو والتطور الثقافي في وطننا العربي واجهت صعوبة في بداياتها نهاية القرن الثامن عشر الميلادي فقد ظهرت بقوة في نهايات القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وأصبحت اليوم مندمجة ومتناغمة في لغتها السياسية والإدارية والتنظيمية اجتماعيا ومدنيا مع الثقافة السائدة، وتكاد تقنية العصر الالكترونية أن تصل إلى العمق الروحي في القيم والمعتقد، بل هي ناشطة في ذلك فعلا، وهذا ما نراه في ثقافة الاستهلاك والتملك اجتماعيا، والصراع الفكري سياسة وثقافة نخبويا في أكثر من قطر عربي حتى صار يطلق عليها اليوم تيارات، يأخذ كل منها لون فكري يراه هو الأصح والأصوب، وفي النهاية ربما نصل إلى المرفأ السياسي الذي وصلت إليه أوروبا باعتباره مسار طبيعي لحركة النمو والتطور الحضاري وليس حكر لأمة دون امّة، وربما أيضا بشكل مختصر ومتجاوز لكثير من العقبات التي واجهوها هناك، هناك وصلوا إلى قاعدة الانطلاق الأصلية وهي فصل الدين عن الدولة، كما جاء فيما يسمونه وصية المؤسس (مالله لله وما لقيصر لقيصر) فانكفأت الكنيسة للروحانية وطقوسها وتُرك للمجتمعات حرية إدارة شئونها، ولأن فصل الدين عن الدولة غير موجود في الثقافة الإسلامية من الأصل، فان حالة النمو والتطور في الثقافة السياسية العربية والإسلامية الظاهرة فيما نراه اليوم من حراك بين التيارات المتصارعة فكريا وسياسيا في وطننا العربي ستقودنا في نهاية الأمر إلى ما يطمئن ويستريح له الناس في ما يحقق الطموح ويحمي الأصالة الموروثة.

Hassan-Alyemni@hotmail.com
Twitter: @HassanAlyemni

إذا كان المهزوم يتبع المنتصر فإلى أين؟
حسن اليمني

حسن اليمني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة