Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناTuesday 26/03/2013 Issue 14789 14789 الثلاثاء 14 جمادى الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

ظهرت منذ مدة حملة قوية ضد ظاهرة تفشت وانتشرت وهي ظاهرة الشهادات الوهمية التي اتضح أنها متفشية للأسف بشكل فاق - وللأسف - ما تصوره المواطنون، وعمت قطاعات كثيرة منها قطاعات حساسة كالتعليم والصحة. ويبدو أن الكثير ممن دبجوا أسماءهم بألقاب وهمية لم يروا في ذلك ما يتنافى مع الدين، أو العرف، أو

الأخلاق، فلا يعقل أن يقدم على انتحال لقب مزيف غير حقيقي شخص يحترم نفسه ومجتمعه.

ويبدو أن الجهات الرسمية، وليس المواطنون فقط، صدمت بمعرفة مدى تفشي هذه الظاهرة بعد أن تصدى لكشفها عضو مجلس الشورى الدكتور موافق الرويلي، وعدد من المتعاونين معه. ولا زال المتابعون ينتظرون ما سيصدر من تشريع متوقع للحد من هذه الظاهرة، ومعاقبة من أقدموا عليها وانتفعوا بها سواء اجتماعياً، أو وظيفياً، أو مادياً.

وفيما يلي مقال سبق وأن نشرته في صحيفة الجزيرة قبل ما يزيد على خمسة أعوام عن تفشي ظاهرة المؤهلات الوهمية والفاسدة، وقد نشر المقال في شهر شعبان عام 1329هـ. وأترك القارئ الكريم مع هذا المقال.

“قوائم بشهادات مزورة بيعت بأثمان بخسة ويعلم الله فقط أين حاملي مثل هذه الشهادات اليوم؟ هذا فيما يتعلق بجامعات، أو مكاتب أمريكية، فما بالكم ببلدان عربية تباع فيها شهادة الماجستير بثلاجة، والدكتوراة بعربية فيات. وجامعة عربية مشهورة في دولة شمال أفريقية، على سبيل المثال تعتبر قبلة للباحثين عن الشهادات الميسرة، تيسير يشبه البيع، يؤمها حتى يومنا هذا كثير من فقهاء القانون لدينا، وهي معروفة لكثير من المسئولين الذين دخلوا مجال التعليم على كبر وبعضهم يشغل وظائف مؤثرة.

هذه الشهادات، وأشباهها أهم أسباب تردي الجامعات، والأداء الإداري لدينا لاسيما في غياب التحري الحقيقي عن الكفاءة، وغياب التقييم الموضوعي للأداء، واحتفاظ كثير من المسئولين بوظائفهم حتى التقاعد، أو ربما التجديد الاستثنائي لهم حتى بعد بلوغهم سن التقاعد. والتأهيل الضعيف عادة ما يعوض بأمور أخرى مثل المرونة الزائدة في التعامل مع الأنظمة، أو القبول بالتستر على ممارسات عملية غير موضوعية، أو المبالغة في إظهار الولاء، أو حتى لا سمح الله ممارسة النفاق الوظيفي والاجتماعي.

ما أغفلته تقارير البيع الصريح هو عمليات البيع النسبي، أو شبه البيع، للشهادات العليا، وخاصة لمبتعثي بعض الجامعات الذين لم يخضعوا، لفترة طويلة مضت، لرقابة أكاديمية جادة على أدائهم الأكاديمي أو شهاداتهم بعد أن تخرجوا من جامعات ضعيفة تبحث فقط عن رسوم دراستهم العالية لأنهم طلاب أجانب، ويجب تخريجهم كيفما اتفق، حتى أنه يخيل للمراقب أن هناك مؤامرة علمية تمارسها الجامعات الغربية على طلابنا بحيث تأخذ منهم أعلى الرسوم وتقدم لهم الحد الأدنى من التأهيل العلمي. فتقدمنا العلمي ليس المهم فالمحصلة النهائية في مصلحة الغرب، وهو أسرع الطرق لإنهاء اعتمادنا عليهم.

فليس غريباً أن تقابل محاضراً، أو دكتوراً تخرج من جامعة أمريكية أو بريطانية وهو بالكاد يتكلم الإنجليزية، ولا تعرف كيف كتب أطروحة شهادته العليا؟ والحقيقة أن الجامعات الأمريكية، والأوروبية هي في العادة جامعات ممتازة، ولكن نظرة هذه الجامعات للطالب الأجنبي، كمصدر دخل فقط، وعلى أنه سيعود ليعمل في بلاده ليعمل فيها، وانتشار النظرة الدونية في هذه البلدان للطلاب الوافدين من هذه الدول، أو حتى لدولهم، يدفعهم للقبول بمثل هذه الممارسات أو التستر عليها لاسيما في ظل غياب المتابعة الأكاديمية الجادة للمبتعث.

وفي بعض الجامعات البريطانية العريقة مثلاً يعمل بعض الأساتذة العرب ممن هم في منتهى الفساد الأكاديمي، وتوظفهم هذه الجامعات لاستقطاب الطلاب الخليجيين فقط؛ لأن رسوم دراستهم عالية جداً، ولأنهم عادة يقضون مددا طويلة في دراستهم، وبعد ذلك ييسرون عملية تخرجهم كنوع من الإغراء على الإقبال عليها من قبل طلاب آخرين. وعادة يدلون الطلاب على أطروحات سابقة للغش منها، أو لعرب آخرين يترجمون الأطروحات التي تكتب أصلاً بالعربية. ثم يتبادل هؤلاء الأساتذة الأدوار كممتحنين خارجيين للطلاب فيما هو أشبه بلعبة الكراسي. وهذه ممارسة معروفة ومتفشية إلى حد كبير.

وأصيب كثير من الأكفاء من أساتذة جامعاتنا أصيب بالإحباط لرؤية بعض أصحاب التأهيل الضعيف يمسكون بمفارص الأقسام والكليات ويتسبون في مزيد من التساهل وعدم الاكتراث، فتعويض النقص الأكاديمي يتم عادة بكثير من الفهلوة الإدارية والعلاقات الشخصية. والمحزن أيضاً أنه أحياناً تتم تغطيه الضعف الأكاديمي بالتشدد المبالغ فيه مع الطلاب الذي يصل أحياناً لترسيب غالبيتهم أو بخسهم درجاتهم كوسيلة لإبداء حرص ظاهري فقط على المستوى الأكاديمي.

والاعتراض على تعيين مثل هؤلاء لضعفهم الأكاديمي يُلتف حوله بتغيير لجان التعيين، واستبدالها بلجان هي الأخرى وهمية، لجان يتم تعيين حصرها بمتعاقدين بحيث يمكن التحكم بقراراتها مسبقا. وفي هذه الأجواء الوهمية يتهم الحريصون على الأمانة العلمية بأنهم غير مرنين، أو معقدين، أو صداميين، أو حتى صريحين أكثر من اللازم، فيتم إبعادهم عن اللجان والخطط، ويبدأ التخبط والارتجال ولوم القصور الأكاديمي على أمور واهية لا علاقة لها بصلب عملية التعليم؛ مثل نقص الحواسب أو المباني، أو المختبرات وغير ذلك. فيضاف الضغث للإبالة بصرف موارد إضافية للجامعات على شراء أجهزة وتجهيزات لا حاجة حقيقية لها. والحقيقة أنه لن يتحسن التعليم في جامعاتنا إلا باحترام المعايير العلمية الحقيقية، ومنع التدخل الخارجي في الجامعات، وتشجيع الصراحة، والشفافية، والنقاش الجدي في الاجتماعات. فنحن نلوم غيرنا والعيب في بعضنا”.

هذا المقال نشر وتذكرته في خضم الحملة الحالية المطالبة بتطهير الأجهزة الحكومية من حملة الشهادات الوهمية لأن وجودهم وتكدسهم في بعض الأجهزة الحكومية الحساسة سيعود عليها بكثير من الضرر أقله التساهل الأخلاقي في الأداء أو المعايير، ونسمع أن هناك لجنة عليا بصدد التشكيل للتشريع للحد من هذه الظاهرة وربما معاقبة من أقدموا عليها، فالتزوير جريمة في حد ذاته، والاستفادة من التزوير بأي شكل من الأشكال يعتبر في جميع الأنظمة والأعراف جريمة احتيال يعاقب عليها بأشد العقوبات. فترك هذه الظاهرة تستفحل دون عقوبة رادعة سيفاقم ضرر هذه الظاهرة، لا سيما وأن الكثير ممن أقدموا عليها يعلنون عن دورات، أو ورش عمل، أو حتى مراكز تدريب علناً في وسائل الإعلام معتمدين في ذلك على ألقابهم الوهمية، وعلى أمنهم من ملاحقتهم أو معاقبتهم، فمن أمن العقوبة أساء الأدب. والجميع ينتظر ما ستسفر عنه الأيام القادمة من إجراءات للحد من تفشي هذه الظاهرة التي تسببت في تدني مستوى كثير من القطاعات لدينا.

latifmohammed@hotmail.com
Twitter @drmalabdullatif- أستاذ في جامعة الملك سعود

وهمٌ .. أم تزوير أم تدمير؟
د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة