Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناTuesday 26/03/2013 Issue 14789 14789 الثلاثاء 14 جمادى الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الأخيــرة

هناك أس من أسس الاقتصاد المختلط، هَذّب كثيراً من شراسة وظلم النظم الرأسمالية الصرفة تجاه المستهلك، مؤداه أن تقوم الدولة بشكل دائم بمراقبة الأسواق، والتدخل متى وجدت أن تجاراً في السوق يسعون إلى (احتكار) عرض سلعة ما بغرض الحد من كميات عرضها بما لا يتناسب مع الطلب فيرتفع بالتالي سعر السلعة. في الدول التي تعمل باقتصاد السوق أصبح هناك عرف مؤداه أن من أهم مهام الدولة التي تعتمد على هذا النمط من الاقتصاد أن تتدخل السلطات من خلال القوانين والتنظيمات لتمنع الاحتكار.

الأرض الصالحة للسكن في المملكة بوجود الخدمات الأساسية فيها، أصبح يتحكم فيها تجارٌ عقاريون وجدوا أن بقاء ثروتهم في الأرض وعدم عرضها في السوق، فضلاً عن بيعها أو تطويرها، هي أفضل تجارة بأقل كلفة؛ فالأسعار تتزايد مع الزمن بتزايد الطلب على السكن، وتزايد الطلب يجعل الثروات تتزايد دون أن يُقَدّم صاحب الملك (تاجر العقار) أي نشاط، أو يتكبد أي تكاليف، أو يُقدِم على أية مخاطرة؛ وطالما أن هناك أرحاماً تلد، فإن هناك بالضرورة طلباً يتزايد، ووجود الطلب كفيل بتضخيم ثروة تاجر العقار لتصل في غضون سنوات معدودة إلى أضعاف مضاعفة.

في المقابل فإن (احتكار) هذه الأراضي من قبل تجار العقار وعدم عرضها في السوق، مع تزايد الطلب، أدى لتزايد أسعار الأراضي إلى درجة غير معقولة، وغير مقبولة، بل وجنونية، ولا يمكن السكوت عليها، فضحاياها يتزايدون مع مرور الوقت، والسكوت عليها يعني حُكماً أن عواقبها ستكون وخيمة، وستنعكس انعكاساً سلبياً على الأمن والاستقرار؛ وكل من قال غير ذلك، أو بسّطَ من هذه الأزمة التي تزداد ضغوطها مع الزمن، خاصة على الشباب وذوي الدخل المحدود، فهو كمن يرى الطوفان قادم ويقول: ليس ثمة إلا (سحابة صيف)!

طيب.. وش الحل؟ ..

الحل أن تتدخل الدولة، وتضع آليات قانونية مُحكمة تهدف إلى الضغط على تجار العقار لأن يعرضوا عقاراتهم ويدخلوها إلى السوق، ولا (يحتكروها)، كأن تفرض رسوماً أو (غرامة على المحتكر) تطال كل مالك عقار أبقى كمية تزيد عن عشرين ألف متر مربع في ملكه ولا يستثمرها عقارياً، مدة تتجاوز الثلاث سنوات ولم يتصرف فيها؛ بحيث تجعل من هذه الكمية من الأرض في حالة النأي بها عن العرض في السوق، أو عدم تطويرها وتجميدها، (مُكلفة) عليه في النتيجة، ما يضطره إلى عرضها للبيع في السوق، أو تطويرها، أو تدويرها؛ المهم عدم احتكارها.

والإسلام كما هو ثابت يُحرم الاحتكار، وينبذه، ويعتبره عملاً غير مشروع، وهناك الكثير من الأحاديث التي تؤكد هذا التوجه. منها ما رواه «مسلم» في صحيحه: (لا يحتكر إلا خاطئ)، وكذلك ما جاء في «الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين» ما رواه معقل بن اليسار عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم فإن حقا على الله تبارك وتعالى أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة. قال: آنت سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ؟ قال : نعم؛ غير مرة ولا مرتين) .. وقد عرّف الفقهاء الاحتكار بأنه (احتباس السلع بحيث يضر بالعامة حبسها). وقد اختلف الفقهاء في ما يجري فيه الاحتكار، فمنهم من قصره على الطعام وما في حكم الطعام، ومنهم من جعله عاماً في كل ما يحتاجه الإنسان في الحياة. والأقرب أن يكون في كل ما يحتاجه الإنسان من الضروريات، ولا تدخل الكماليات في إطار الاحتكار المحرم؛ فكل سلعة يكون في حبسها عن العرض في السوق ضرراً تدخل في المعنى، لأن الأحاديث (الصحيحة) الواردة فى منع الاحتكار جاءت مطلقة من غير تقييد؛ وبناء على ذلك فإن السكن وما يتعلق به كالأرض مثلاً يدخل في نطاق التحريم. والفقهاء يجمعون على أن من مهام ولي الأمر أن يمنع الاحتكار بالسبل التي يراها كفيلة باجتثاثه من المجتمعات؛ ومن هذه السبل (التعزير) بالمحتكر إذا أصر على احتكاره؛ ومن أنواع التعزير المتعارف عليه التعزير بالمال وهو (عقوبة من ارتكب ذنباً لا توجب حداً، أو ترك طاعة واجبة بأخذ شيءٍ من ماله تغريماً وعقوبةً له). يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (والتعزير بالعقوبات المالية مشروع أيضا في مواضع مخصوصة في مذهب مالك في المشهور عنه، ومذهب أحمد في مواضع بلا نزاع عنه، وفي مواضع فيها نزاع عنه، والشافعي في قول). ونظراً لما يترتب على هذا الاحتكار من مضار اجتماعية فإن (التعزير) بالمحتكر بأخذ شيء من ماله عقوبة مشروعة، لذلك تكون الغرامات والرسوم بهذا التكييف مشروعة أيضاً.

بقي أن أقول: إن من المضحكات المبكيات أن تتدخل الدولة في تسعير الآيس كريم والمشروبات الغازية - مثلاً في أسواق المملكة، وتترك أسعار الأراضي تتضخم حتى (التغول) ولا من حسيب ولا رقيب.

إلى اللقاء.

شيئ من
احتكار الأراضي وضرورة تدخل الدولة
محمد بن عبد اللطيف ال الشيخ

محمد بن عبد اللطيف ال الشيخ

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة