Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناWednesday 27/03/2013 Issue 14790 14790 الاربعاء 15 جمادى الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

طوال مدى زمني استغرق حتى الآن اثنين وعشرين عاما أنصت الطبيب البارع استشاري الطب الباطني وطب الجهاز الهضمي الدكتور محمد المفرح إلى مرضاه الذين يراجعون عيادته الخاصة

وهم يبرحون له شكاواهم المرضية ويصفون الأعراض التي تنتابهم وتدفعهم إلى مراجعته. ومع أنه ابن البيئة وابن ثقافتها إلا أنه لم يكن يكتفي بسماع الشكاوى بشكل عابر وعلى عجل ليأخذ زبدتها ثم ينساها وينشغل بفحص المريض وكتابة وصفة العلاج، بل كان يعطي المحادثة مع المريض أهمية بالغة ويعمل على أن يفهم الشكوى ودلالاتها التعبيرية قبل أن يترجمها إلى إجراء طبي.

وهذا الإنصات والاعتبار أصل من أصول المهنة لا يلتزم به مع الأسف الشديد كثير من الأطباء الذين يصبون جل اهتمامهم واعتمادهم على التقنية الحديثة، وقد يرى بعضهم فى الإنصات لشكوى المريض إضاعة للوقت.

فى أحاديث المرضى الكثير مما لفت انتباه الدكتور المفرح ودعاه إلى تسجيلها، ثم إخراجها في كتاب صغير الحجم سماه (في عيادتي: طرائف وفوائد من أحاديث المرضى) ويضم فصولا متنوعة منها ما يحوي حكما وأمثالا ومنها ما يحوي أوصافا للأعراض المشتكى منها ومنها ما يحوي مسميات باللهجة الشعبية المحلية يطلقها بعض المرضى على أعضاء في الجسم أو على أعراض مرضية معينة، وكثير من الأحاديث يحوي عبارات تفيض بالمرح والملاحة وتنبئ عن راحة نفسية يحس بها المريض أمام طبيبه.

والمؤلف بإصدار هذا الكتاب يخدم فئتين من القراء : الفئة الأولى هم الأجيال الشابة من الممارسين الصحيين وخاصة الأطباء الذين بعدت بهم الشقة عن سماع أو فهم بعض مغردات اللهجة العامية وخاصة تلك التي يعبر بها كبار السن من موروث لغوي قديم ومن بيئة محلية ريفية. وهؤلاء سوف يدركون عند الاطلاع على هذه الأحاديث مقدار الأهمية التي يعطيها المرضى لتفهم الطبيب لشكاواهم من خلال ما يبذلون من جهد كبير في وصف الأعراض التي يشكون منها وإبرازها بشكل يجسد ويؤكد ما يريدون إيصاله إلى فهم الطبيب ويغنيهم عن الشرح الطويل.

فيمكن النظر إلى الكتاب من هذه الزاوية على أنه يحاول بناء جسر تواصلي بين جيلين.

على أن بعض العبارات الموغلة في المحلية قد لا تكون معروفة لطبيب مجرب مثل الدكتور المفرح، ولهذا يحرص ويجب كذلك أن يحرص كل طبيب على أن لا تمر تلك العبارات مر الكرام، بل يستوضحها من المريض حتى يفهم ما يقصده.

أما الفئة الثانية فإنهم قدامى الممارسين الصحيين وغيرهم ممن تخطوا مرحلة الشباب ، فهم سوف يضحكون ويشعرون بالسلوى والحنين حين يسترجعون في ذاكرتهم ما سمعوه مكررا من أمهاتهم أو آبائهم عندما يلم بهم عارض مرضي (قل صح) ويتذكرون أيضا البيئة التي نشأوا فيها صغارا، بل يشعرون بالامتنان لكون مثل هذه الأحاديث وجدت من يسجلها ويوثقها قبل أن يمحوها تقادم السنين.

وربما تجد فئة ثالثة في هذا الكتاب إضافة نافعة إلى الكتب المهتمة بعلم الاجتماع الطبي أو علم ثقافة الشعوب (إثنولوجيا).

فإن ما ضمه هذا الكتاب بين دفتيه من أحاديث متنوعة الأغراض بلهجات أصلية معبرة إنما هو انعكاس للبيئة المحلية بما تضفيه من لون خاص بها على ثقافة المجتمع الذى عاش في تلك البيئة. ويكفي استعراض أمثلة قليلة من صلب الكتاب للدلالة على ذلك، وهي غيض من فيض:

- الجمل يضلع من أذنه : أي أن الأمر اليسير قد يؤثر على الجمل ولو أنه يتحمل الكثير.

- فلاح يقول : عندي غازات ببطني تقل(مثل) خرير ماء.

- مريض يصف ضعف حاله: (يالله أطمر العرفجة)- وهذه الشجرة البرية الصغيرة لا يصعب تخطيها.

ويخطر على البال عند تأمل مثل هذه الأمثلة تساؤل عن السبب في أن كثيرا من المرضى يعمدون في الأحاديث التي سجلها الكتاب إلى توضيح شكواهم مستعينين بعبارات التشبيه بأشياء من البيئة أو بأوصاف حركية( يمرس، يفرك، يدخن...الخ) بدلا من الوصف المباشر.

هل هو قصور في اللغة - ولا أظن ذلك- أم هو الاعتقاد بأن الوصف المبالغ فيه هو الأحرى بالتصديق وكسب تعاطف الطبيب، مما يعنى أنه يمثل موقفا نفسيا تجاه العارض المرضي يعكس شعور المريض بأنه مغلوب من هذا المهاجم الغريب لا سيما إذا كان المريض يراجع بعد مدة طويلة من المعاناة.

الأرجح أن الأمر لا يعدو أن يكون نوعا من النمط الثقافي السائد في طريقة رواية الأحداث.

وعلى الرغم من أن أحاديث المرضى تدور كلها حول حالات مرضية والمرض ليس فيه متعة أو تسلية إلا أن القارئ يعجب من جو المرح واللطافة الذي يتصف به الكتاب مما قد يوحي بصورة الجو السائد في العيادة.

ولكن لماذا العجب؟ فإن الجو المرح غير المتشنج يبني الثقة التي يجب أن تطبع العلاقة بين الطبيب ومرضاه والتي من دونها يضيع كثير من جهد التشخيص والعلاج.

أنا أعرف أن شهادتي حول هذا الكتاب ومؤلفه مجروحة بحكم الزمالة المهنية والصداقة، إلا أنني وجدت أن مثل هذا الكتاب حدث فريد لا يصح حرمان القراء من التنويه عنه.

تباريح مرضى في عيادة طبيب
د. عثمان عبدالعزيز الربيعة

د. عثمان عبدالعزيز الربيعة

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة