Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 29/03/2013 Issue 14792 14792 الجمعة 17 جمادى الأول 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

المعتصم بن صمادح، المكنى أبو يحيى، أحد حكام الطوائف في الأندلس، وقد تولى أمر ألميريا وما حولها، الواقعة في الجنوب الشرقي من الأندلس، ولسنا هنا بصدد الحديث عن تاريخه، وإنما عن نمط حكمه وحياته التي ارتضاها لنفسه ولمن تحت سلطته، فقد حاول تجنب الدخول في الصراعات التي كانت قائمة بين حكام الطوائف، وحاول تلافيها إلا إذا جر إليها جراً، ولهذا فإن ابن بسام في كتابه الذخيرة، قد قال: (ولم يكن أبو يحيى هذا من ملوك الفتنة، أخذ إلى الدعة واكتفى من بالضيق من السعة، واقتصر على قصر يبنيه، وعلق يقتنيه، وميدان من اللذة يستولي عليه ويبرز فيه، غير أنه كان رحب اللقاء، جزل العطاء، حليماً عن الدماء والدهماء، طافت به الأمثال، واتسع في مدحه المقال، وأعملت إلى حضرته الرحال).

وأردف ابن بسام قائلاً: (إن ما خاضه المعتصم من الفتن والحروب مع خصومه من ملوك الطوائف، لم يكن مما يتفق وطبيعته الوادعة، وإنما استدرج إليها وأكره عليها إكراهاً).

وبهذا يمكننا القول: إنه يؤثر العيش الهادئ ليستمتع بما حباه الله دون عناء وهو الذي حكم نحو واحد وأربعين عاماً. ولا بد لرجل له هذه الصفات أن يعشق الأدب ويقرب إليه الأدباء، وأن يعتني ببناء القصور حتى يعيش حياته بعيداً عن ويلات الحروب ومكر الساسة، وهموم السياسة في عصر الطوائف المليء بمثل هذه المماحكات التي لم تؤد إلى خير بلاد الأندلس وأهلها.

كان وزيره أبو الأصبغ عبد العزيز بن أرقم شاعراً مميزاً، يحسن الوصف والمديح، وهذا ما يتفق مع منصبه، فلكونه وزيراً لحاكم أندلسي وشاعراً، فليس أمضى سلاحاً من المديح والوصف للوصول إلى قلب الحاكم، وكان من شعراء بلاطه ابن القزاز، أشهر من قال الموشحات في زمانه وغير زمانه، وكذلك الشاعر المتهكم خلف بن فرج، المعروف بالميسر، ومن أشهر شعراء بلاطه ابن الحداد (وادي آشي) وهو ليس شاعراً فحسب، بل كان فيلسوفاً وعالماً، شأنه شأن علماء آخرين عاشوا في كنفه مثل الجغرافي المشهور أبو عبد الله البكري صاحب المعجم اللغوي والجغرافي، الذي يعد من المراجع الهامة حتى يومنا هذا.

والحقيقة أنه وأسرته بيت أدب وشعر، وقد نقل لنا ابن بسام بعضاً من طرائف شعره ومنها:

وتحت القلائل معنى غريب

شفاء القليل وبرء العليل

فهل لي من نيله نائل

ولابن السبيل إليه سبيل

فما لي إلا الهوى ملجأ

فغير الغواني متاع قليل

ذريني أعانق منك القضيب

وأرشف من ثغرك السلسبيل

ومع قدراته الشعرية فإنه كان مهتماً بشؤون الدين، وله مجالس مشهورة للمناظرة والنقاش فيما يخص الشريعة الإسلامية، وكان قد خصص يوماً في كل أسبوع يستقبل فيه العلماء ورجال الدين يتدارسون التفسير والحديث، وأبناؤه معز الدولة، ورفيع الدولة، ورشيد الدولة، من الشعراء المبرزين، شأنهم شأن والدهم، وربما في بيئة أدبية هادئة كهذه أن يساعدهم من هو حولهم، يعيش في ظلهم وتحت رايتهم.

في هذا الميدان الأدبي، والحياة الهادئة الباذخة، البعيدة عن قرع السيوف وميدان المعارك، كانت الأحداث تسير بسرعة فائقة في نهاية الأمر، وقد تقدم بالمعتصم العمر، فقد كان الفونسو السابع يضيق على حكام الطوائف المنشغلين بالصراع فيما بينهم والذين يدفعون له الضرائب الباهظة ليعينهم على إخوانهم من الطوائف الأخرى، وكان الفونسو يشترط على من طلب عونه على أخيه أن يدفع أموالاً كثيرة استطاع بها فيما بعد إسقاط طليطلة والتوسع في أراضي المسلمين.

التجأ حكام الطوائف إلى زعيم المرابطين يوسف بن تاشفين، فعبر البحر، ووقعت معركة الزلاقة المشهورة التي انتصر فيها الجيش المرابطي، ومني الجانب المسيحي بهزيمة ساحقة، وفي هذه المعركة لم يكن المعتصم حاضراً ولا راغباً في المشاركة، وقد اعتذر بكبر سنه وضعفه، وأرسل جيشه بقيادة أحد أبنائه للمشاركة في المعركة.

ولم يكن المعتصم على وفاق نفسي مع المعتمد بن عباد، ربما لدواعي الغيرة والحسد، رغم أنه استقبل المعتمد وأكرمه إكراماً باذخاً، ولهذا فقد استغل المعتصم عبور يوسف بن تاشفين الذي يقربه ويدنيه، فأوغر صدره على المعتمد وقال فيه ما لم يقله مالك في الخمر.

والنفس البشرية مهما سمت بالعلم والأدب ومحاولة البعد عن المعارك الظاهرة، إلا أنها تظل تحمل بين جنباتها شيئاً من الصفات غير المحمودة، وقد ظهرت في سلوك المعتصم نحو المعتمد عندما أصبحت الظروف مناسبة، فهل منّا من يستطيع السيطرة على البواعث السيئة مع القدرة على ذلك؟ إنها نعمة لم نتزين بها.

نوازع
المعتصم بن صمادح
د.محمد بن عبد الرحمن البشر

د.محمد بن عبد الرحمن البشر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة