Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 31/03/2013 Issue 14794 14794 الأحد 19 جمادى الأول 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

متابعة

بطل معركة ميسلون - ابن دغيثر مرة أخرى - ومواضيع تاريخية
بقلم: يعقوب الرشيد

رجوع

كثير من الحقائق تفسر نفسها، ومنها معركة ميسلون التاريخية الشهيرة عام 1920 في سوريا، 25 كيلومتراً غرب دمشق، التي ذكر بيان قيادة جيش المشرق الفرنسي، الذي صدر من بيروت مساء يوم المعركة، الموجود في متحف اللوفر باريس، أن معركة ميسلون هي من أشرس المعارك، وأخطرها، تلك المعركة التي واجه فيها الجيش الفرنسي في الحرب العالمية الأولى أولئك الأعراب الهجانة الشجعان، وقائدهم البطل البارع الملهم ناصر بن دغيثر.

رحل ابن دغيثر عام 1986م عن (112) -طيب الله ثراه- وكان النشامى الهجانة (العقيلات) بأسلحتهم التركية والإنجليزية الحديثة في حينه على وشك دحر الجيش الفرنسي الغازي في المعركة الضارية رغم العدد والمعدات الحديثة للجيش الفرنسي، وفق ما ذكرت الوثائق، من أنه جاء من فرنسا خصيصاً لغزو سوريا لتنفيذ مشروع (سايكس - بيكو) البريطاني الفرنسي المشؤوم في تقسيم المنطقة، فالطيران العسكري الفرنسي المدرب لذلك، الذي يقلع من المطارات العسكرية اللبنانية، القليعات، ورياق القريبة من الحدود السورية، هو السبب في انسحاب المقاتلين الهجانة البواسل، بأمر قائدهم الملهم ابن دغيثر بسبب نفاد الذخيرة، وكان ابن دغيثر يدور بينهم خيّالاً خلال وطيس المعركة يناديهم، وينتخي بهم (عليهم.. عليهم يا أولاد على «نخوة أهل القصيم» يا إخوان من طاع الله.. عليهم، عليهم.. الجنة يا باغيها)، فكانوا يهللون، ويكبرون، يقاومون المدرعات، والمشاة، ويستظلون بين الأشجار، في منطقة ميسلون الزراعية، حماية من قصف الطائرات، ويقاتلون مما قلل الخسائر كثيراً. ونُشرت صور كبيرة لابن دغيثر وهو خيال، وبيده السيف في ساحة المرجة - قلب العاصمة دمشق، تصوير الأرمني الدمشقي، آنوش هاكوبيان، مع أهازيج أهل دمشق في الإطناب في المدح، مع تهليل، وزغاريد النساء، التي يذكرها أيضاً الدكتور محمود شاكر، أستاذ التاريخ بجامعة الإمام محمد بن سعود سابقاً، وهو من أبناء قرى دمشق، والكتابات على جدران ساحة المرجة - قلب مدينة دمشق، في الإطراء بمدح ابن دغيثر ورجاله، وذكرها بعض المؤرخين أيضاً، ولم يذكروا الجيش النظامي، ولا يوسف العظمة، لأنهم لم يكونوا بالمعركة لأن الجيش النظامي كان قد حُلّ بطلب من بريطانيا للخروج من سوريا، ومع ذلك لا يذكرها الإعلام السوري (الإقليمي) حتى بالإشارة. وعند دخول الجنرال غورو دمشق، بالدعم البريطاني الغربي، طلب إبقاء الصور والكتابات في أماكنها، وقال «إنهم مقاتلون شجعان؛ يستحقون ذلك، وقائدهم البارع الملهم ابن دغيثر». والجنرال غورو أنشأ جيش الجندرمة (الدرك) في سوريا من هؤلاء الشجعان البواسل، الذين قاتلوه بشراسة في معركة ميسلون، وكان المسؤول العسكري الفرنسي المكلف بتجنيد الأفراد يسأل المتقدم للتجنيد «هل أنت من الرس؟»، فإذا قال نعم، ألحقهم مباشرة بالقطعات، تماماً ما فعله الجنرال جلوب باشا، عندما نقل من قيادة البصرة في الحرب العالمية الأولى إلى الأردنإنشاء الفيلق العربي، استعان بالأبطال الذين قاتلوه في معركة الشعيبة التاريخية - شمال قصبة الزبير غرب البصرة، بقيادة البطل الضرغام سليمان باشا قائد الجيش التركي، وأبي فارس مولود مخلص التكريتي قائد الفرسان، والبطل الشهير والزعيم أعجمي باشا السعدون، ومحمد مبارك العصيمي (أخو عصمة)، رئيس شرطة الزبير، وسفاح بن صحن (أخو عفرة)، ومشحن بن معيصب في قيادة المجاهدين البواسل من أهل الزبير، وكان قائد المجاهدين أعجمي باشا يدور بين المقاتلين أثناء وطيس المعركة خيالاً يناديهم وينخاهم، ويقول «يا عزوتي، قلبي فداكم، يا أهل ديرة ابن عوام، يللي على الموت دلاقة.. عليهم»، ويرد المجاهدون الزبيريون الأشاوس «حنا لها يا باشا كما خبرتنا.. والله أكبر... والموت للكفرة الغزاة». وأعجمي باشا رحل إلى تركيا، وأعطي أراضي زراعية جنوب تركيا، وعائلته أيضاً موجودة هناك الآن، ومبارك أخو عصمة إلى دمشق، وعائلته أيضاً موجودة هناك الآن، وسبق للزبيريين وشيخهم ابن زهير دحر آخر غزوة للفرس على البصرة من المحمرة على الساحل الإيراني جنوباً شرق ساحل شط العرب، وذلك بطلب من العثمانيين الذين كانوا في قتال شرق أوروبا، للسيطرة على مناطقها المضطربة وقتها هناك، وقررت السلطة العثمانية تخصيص رواتب لبعض الأسر، وفرمان الدولة بأن لأهل الزبير اختيار شيخهم؛ لذا لا توجد وثائق كثيرة في أرشيف مكتبة السليمانية في إسطنبول، وجاءهم الشيخ خزعل بين مرداو شيخ المحمرة، وسلطان عربستان بطلب من أصدقائه الكويتيين، الذي زار أحدهم فعلاً الزبير، وفرش له سجاداً أحمر للصلاة في مسجد جامع الزبير بن العوام، وصلى فيه، رغم أن الشيخ خزعل شيعي المذهب، ولكن ليس طائفياً، وزوجاته بعضهن سنة من البصرة للدفاع بالزبيريين والاستفزاع بهم من قبيلة مطير وشيخهم الدويش فيصل بن سلطان، والملك عبدالعزيز كان يطري الشيخ خزعل، وأنا سمعته في ذلك، وكان شيوخ الكويت قد التجؤوا في قصر واسع شبه قلعة في منطقة الجهرة شمال الكويت، وفيه شيخهم سالم المبارك وعبدالله الجابر المبارك، وفتح لهم القصر (القلعة) للدخول بسلامة إلى الكويت.

والزبير بدأت حوالي في القرن العاشر الهجري، في البداية جاؤوا بطلب من السلطة العثمانية لنقل البضائع بأنواعها القادمة بالسفن الشراعية من الهند، وجنوب شرق آسيا، وشرق إفريقيا، ونقلها إلى تركيا عن طريق بغداد والموصل، ومنها إلى إسطنبول الموصل، وأخرى بغداد حلب إسطنبول، وكذلك حلب إلى ميناء مرسين التركي، جنوب أزمير على البحر المتوسط، إلى أوروبا. والأمريكان استعانوا بالعقيلات، الذين كانوا ينقلون البضائع من حلب إلى إسطنبول مرسين أثناء الحرب الأهلية الأمريكية بين الشمال والجنوب الأمريكي، استعانوا بهم لنقل المعدات بواسطة الجمال في الجنوب الصحراوي الرملي، وهناك تمثال (للحاج علي) تقديراً لشجاعته وللخدمات التي قدمها، حيث جاءت سفن إلى بيروت ونقلت 20 من العقيلات مع الجمال إلى أمريكا.

والمؤسس الملك عبدالعزيز بن سعود أصدر عام 26 من القرن الماضي هويات أي تابعية (جنسية سعودية)، وأرسل خياشاً (أكياساً منها) إلى ابن دغيثر في الزبير، وقد استلمها أهل الزبير، وطلبوا تابعيات إضافية كثيرة رغم أن الحكم في العراق في حينه معادٍ للسعوديين، وكان الزبيريون يرفعون العلم السعودي في الاحتفالات والمناسبات، وفي العرضات يتذكرون نجد، وفي العرضة يحدون، ويقولون «شيخنا ابن سعود - لو شدا الحرايب لو حكم بالسيف ما حد يرده»، وحاول النظام في بغداد منعهم، ولكن الزبيريين استمروا. وعندما عاد الملك عبدالله بن الحسين مع وصي العراق عبدالإله إلى العراق عن طريق مطار البصرة بعد خروج رشيد عالي الكيلاني من بغداد، دعا الزبيريون الملك عبدالله بن الحسين إلى الزبير، وقد جاءها بسيارة مكشوفة، ومعه ثلاثة من أهل الزبير (أعرفهم)، والملك عبدالله كان بالجبة الملكية والعمة والقفطان، وعندما دخل الزبير (فجع)، وقال «ها أنا في نجد»، واستدرك وقال «إن الشعب الذي أحسن من حكامه في العراق، هم إخواننا أهل نجد».

ضابط الأمن البريطاني في الزبير المعين في الحرب العالمية الأولى أغلق مكتب الأمن في الزبير بعد سنتين من افتتاحه؛ لأنه لا يوجد حاجة له؛ فأهل الزبير وقد توالت هجراتهم للزبير لأسباب أكثرها للظروف الاقتصادية، عُرفوا بالصدق، والأمانة، ويحلون الأمور بينهم، وكان في الزبير في ذلك الوقت عشرون أسرة من آل بسام، وسبع أسر من العذبي آل صباح، وأسر نجدية كثيرة...!

ومن جانب آخر، فإن هذا ما ذكرته الصحافة العالمية في حينه وكذلك المؤرخون المعتبرون والكتاب والشعراء المعروفون، عرباً وأجانب، ومنهم الدكتور أحمد قدري (دمشقي) وأبو خلدون ساطع الحصري (عراقي) وفيليب حتي مؤرخ وأستاذ تاريخ جامعة برنستون (لبناني أمريكي) وأحمد شوقي (مصر) وموسى سليمان (أردني) ولورنس العرب والناشر الإسلامي السوري الشيخ زهير الشاويش -حفظه الله- وأطال بقاءه، وما نشره الأستاذ عبدالله العقيل من أهل مدينة الرس في السعودية من معارف عن البطل ابن دغيثر، في حلقات بجريدة الجزيرة السعودية، ثم في كتاب عن نفس الموضوع، وكان بعض المؤرخين خاصة أبو خلدون يطلقون على الهجانة «الأعراب الشجعان»، والحقيقة كان أهل الحاضرة في نجد حالتهم الاجتماعية في ذلك الوقت مشابهة إلى حد كبير حالة أبناء البادية (وأنا عشت تلك الفترة، وأعرفهم)...!

هذا، ولا يستهان بالأبطال والشجعان السوريين من تاريخهم الناصع الذي ظل يكافح ويناضل لأجل الاستقلال من الاستعمار الفرنسي، وقد قدموا الكثير من الشهداء الأبرار في مقاومتهم الاحتلال الغاشم حتى انتزعوا استقلالهم. وهنا نريد أن نسجل أيضاً الفخر بالمقاومة السورية الباسلة الحالية ضد التسلط الطائفي العلوي الصفوي والعمل المزدوج، ولا ننسى دور الهجانة في القتال دفاعاً عن سوريا، حتى وإن حاول من حاول أن يطمسوا ويدفنوا ذلك من قبل وبأقلام رخيصة مأجورة، فإلى متى يستمر هؤلاء القوم الذين يخلقون أبطالاً دون بطولات، وبطولات دون أبطال، وينسجون القصص والهالات والروايات في كتب تاريخية ومناهج دراسية، ويترك الأبطال الحقيقيون لمعركة ميسلون الخالدة، أجارنا الله وإياكم من أمثال هؤلاء الذين يكتبون وينشرون من إقليميتهم الضيقة الحاقدة ومن مخابيهم، وليس من ضمائرهم...!

وتؤكد هذه المصادر المعتبرة أن الذين خاضوا معركة ميسلون هم وحدهم الأعراب الهجانة من أبناء الجزيرة العربية، بينما الإعلام السوري، الذي لا يعرف الأنصاف، عمل على قلب الحقائق والتضليل وتسويق الأكاذيب بشكل كامل، ويشيد زوراً بأبطال بدون بطولات، وهي (عقدة الضعاف)؛ لأن الجيش النظامي كان قد حل بطلب من بريطانيا لتنفيذ مشروع التقسيم المشؤوم؛ لذا لم يواجه الجيش الفرنسي سوى جيش الهجانة البواسل، وكانت وفاة الملك فيصل بن الحسين في أحد فنادق مدينة بيرن عاصمة سويسرا بوجود الألمعي البارز أمير البيان الأمير شكيب أرسلان، واعتبرت وفاته في حينها حادثة مشبوهة، وعندما جاء الإنذار الأخير الفرنسي إلى الملك فيصل بمغادرة سوريا طلب ابن دغيثر، وقال له «يا ناصر بعدي» - وهو تعبير بالنخوة - لن نستسلم للغزاة، اجمع ربعك النشاما لمنازلتهم، وبيض وجهنا مع العرب». قال ابن دغيثر «حنا لها كما عرفتنا يا طويل العمر، وإن شاء الله تشوف رؤوس حمر العتارى مجدعة في أرض المعركة». وتمكن ابن دغيثر من جمع سبعمائة من الذين قاتلوا تحت قيادته في اجتياح الأردن وسوريا، وسبق أن حرر كامل مناطق سوريا، واستقبل الشعب السوري إخوانهم المقاتلين العرب بالترحاب الحار، والنساء مع الزغاريد والتهليل، ثم تقدم ابن دغيثر من دمشق بقيادة نوري السعيد بأمر الملك فيصل بن الحسين إلى بقية مناطق سوريا، ومنها دير الزور وحلب، وهزيمة مصطفى كمال (أتاتورك) في معارك حلب وقلعتها الشهيرة، الذي أصبح رئيساً للجمهورية التركية. ويعتز ابن دغيثر بأهل بيشة (جنوب غرب السعودية) المقاتلين الأشاوس، الذين كانوا أول من دخل قلعة حلب، حيث كان قد أمر الشريف فيصل أن يدخل ابن دغيثر ورجاله دمشق أولاً مع القائد العام للقوات الشريف ناصر بن جميل جد الملك حسين بن طلال لوالدته، والشريف ناصر بعدها استقر في القاهرة مع أسرته، وكان يطنب في مدح بطولة ابن دغيثر ورجاله الشجعان في مجالسه، بخصوص المعارك في الأردن وسوريا، وعلى الأخص ملحمة ميسلون الخالدة، ولم يذكر يوسف العظمة ولا الجيش النظامي؛ لأنهم لم يكونوا موجودين في المعركة؛ وذلك لمقدرتهم وأمانتهم في السيطرة على دمشق، وتأمين سكانها، وقد نقل ذلك السفير السعودي في القاهرة في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي فوزان السابق، وكان (عقيلياً قصيمياً)، ذكر ذلك في تقارير رفعها إلى الملك عبدالعزيز بن سعود عن أحاديث الشريف ناصر بن جميل، وهي موجوة في ملفات الشعبة السياسية (الديوان الملكي) الذي كان رئيسه رشدي ملحس (نابلسي- قومي الاتجاه)، وقد طلب نشرها في جريدة أم القرى في مكة المكرمة، ولكن رئيسه يوسف ياسين (من اللاذقية) رفض ذلك.

أفراد قبيلة الرولة والحويطات سمح لهم فيصل بدخول دمشق، بعد أن استقرت الأمور فيها بواسطة الهجانة، أما اللواء يوسف العظمة وزير الدفاع فقد ذهب لمنطقة المعركة في موقع ميسلون لإعادة كتيبة المدفعية، التي تطوع أفرادها من الجيش المنحل وقائدها الشجاع ملازم (حموي)، الذي خرج معهم للمشاركة في قتال الجيش الفرنسي القادم من بيروت، وعندما سأل العظمة الملازم الحموي آمر الكتيبة «من أمرك بالذهاب مع الهجانة لقتال الفرنسيين؟»، أجاب الملازم فوراً بأنه «الله، وهذا جهاد»، وهنا غضب اللواء العظمة وصفع الملازم، ورد الملازم عليه بطلقة من مسدسه، وقتل يوسف العظمة بشهادة أفراد كتيبة المدفعية في حينها، ومنهم عريف كان واقفاً بجانب الملازم من إحدى قرى دمشق، وقد روى الحادثة بعض أبناء قريته، ومنهم المؤرخ السوري الدكتور محمود شاكر (حي يرزق) أستاذ التاريخ في جامعة الأمام محمد بن سعود سابقاً، وهو من قرية العريف الدمشقية، وكذلك المفتي الحاج محمد أمين الحسيني، الذي عايش المعركة زعيماً مسلماً كبيراً، وكان يشيد برجال الهجانة وبطولاتهم في معركة ميسلون الخالدة، ويقول إنهم الوحيدون الذين كانوا في المعركة، وقد ذكرها للحاضرين في مجلسه، ومنهم كاتب هذه السطور والسفير السعودي في بيروت آنذاك سعود الدغيثر، الذي ذكر ذلك في تقاريره إلى الملك سعود وإلى وزارة الخارجية، وذلك في منزل المفتي في منطقة الجمهور ببيروت، وإلى آخرين، منهم عبدالكريم نيازي من أهالي مكة المكرمة (حي يرزق)، وكان رئيس الكشافة المسلم. هذه هي الحقيقة الثابتة المجردة.

وقد أصدر السوريون كتباً ومناهج دراسية وبنوا تماثيل، كل هذا جاء فجأة بعد معركة ميسلون بسنوات عدة، والفرنسيون الذين غادروا سوريا استغربوا في حينه من ذلك الادعاء، وكتبوا أنه لا أساس له من الواقع، وأن التاريخ المنزه عن الخوف والغضب هو الذي يبرز الحقائق المنزهة؛ لأن الحقيقة وحدها تبقى..!!

أما البطل ياسين باشا الهاشمي الذي كان قائد الجيش التركي في منطقة السويس، فقد كان كثيراً من قيادات الجيش التركي البارزين عراقيين، والعثمانيون كانوا يثقون ويعتمدون على القوات العراقية، وكذلك على الهجانة النجديين الذين ساعدوا أيضاً في استعادة منطقة أدرنة في الجانب الأوروبي من تركيا في الحرب العالمية الأولى من اليونان، وانتشرت أغاني وغيرها في حينها تطنب بجيش الهجانة، وظهرت أغان وأهازيج في مدح الجيش التركي والهجانة، منها «أدرنة ردوك بالتركي والعربي.. يا أدرنة»، والأتراك فتحوا فروعاً للمعاهد العسكرية التركية فقط في العراق، وياسين الهاشمي التحق بالملك فيصل بدمشق مستشاراً عسكرياً، وكان يرى عدم إعادة تشكيل الجيش النظامي لمقاومة الجيش الفرنسي الزاحف إلى دمشق من بيروت لعدم الإمكانية والمقدرة من مختلف الجوانب وللمحافظة على أرواح الجنود، والاستعانة بقوات الهجانة الأعراب الأشداء في قتال الكر والفر، كما أثبتوا ذلك في معارك الأردن وسوريا...!

والعراقيون أحفاد أبطال القادسية الأولى يطلق عليهم منذ بداية القرن الماضي (بروسيا الشرق)، وهم الألمان الشماليون، الذين دحروا الغزاة الفرس الإيرانيين في القادسية الثانية، وأنقذوا بلدان الخليج من سيطرة الأعداء التقليديين الفرس على مدار التاريخ. وفي حرب عام 1948م وصلوا إلى ناتانيا (10 كيلو من تل أبيب)، وجاء إنذار حاسم من الأسطول السادس الأمريكي إلى القائد العام الملك عبدالله بن الحسين بأن يمنع العراقيين من دخول تل أبيب، وينسحب بعيداً، وكان القائد العراقي البطل اللواء عمر علي كردياً..!

وكان ابن دغيثر لا يعرف شيئاً من الإعلام، ولم يسمع به، والإعلام لم يتصل به، وابن دغيثر لم يذهب مع فيصل إلى العراق حين طلب منه ذلك إثر تسميته (ملك العراق) لرغبته بأن يكون رئيساً لتشريفات البادية في بغداد، وفاء من فيصل لابن دغيثر الذي كان فيصل يقول أمام رجاله «ابن دغيثر عصابة راسي، ويدي اليمنى»، وذكر ذلك نوري باشا السعيد، وناجي باشا السويدي، أحد رؤساء الوزراء، وتحسين قدري رئيس البروتوكول في بغداد، وعين عبدالله الخماش من منطقة الطائف، الملقب في بغداد بـ(المضايفي) بهذا المنصب إثر اعتذار ابن دغيثر.

وعندما جاء نوري باشا للرياض ومعه الدكتور عبدالله الدملوجي وزير الخارجية لإعادة العلاقة الدبلوماسية مع العراق قال الدملوجي لمحمد بن دغيثر رئيس الديوان الخاص للملك عبدالعزيز «الباشا يريدك سفيراً في بغداد تقديراً لما يعرف عن ناصر بن دغيثر»، ولكن محمد فضّل البقاء عند الملك عبدالعزيز - كما قال لي..!

ثم دعا الملك عبدالعزيز بن سعود ناصر ابن دغيثر للرياض، وعينه مشرفاً عاماً على تحصيل الزكاة في منطقة الجوف، وكانت وظيفة مرموقة في ذلك الوقت، وبعدها عاد واستقر في بلدته الرس، منطقة القصيم، يزاول مهنته في تجارة الإبل، وأصبح من كبار تجارها في نجد بعيداً عن الإعلام وأهله، ونجد كانت قاحلة ليست مغرية للزيارة، بينما كانت عودة أبو تايه شيخ الحويطات الذي استقر في عمان قد أثيرت حولها الهالات في الإعلام الأردني والبريطاني دون معرفة الحقيقة الثابتة..!!؟

وجيش إبراهيم باشا كان يأتيه الطعام من البصرة عن طريق الكويت، بواسطة المقاول ابن فداغ؛ لأنه لا يوجد في نجد ما يغذي حتى أهلها، والمثل القديم «نجد تالد، والعراق إيغذني»..!!

إن هذه المعلومات والأخبار، التي يرددها المهتمون بتاريخ هذه البلاد جاءت في مختلف الوثائق والمذكرات المعتمدة، ومنها القاهرة عن حملة جيش إبراهيم باشا، ويقولون إن المؤرخ والراوية كاتب هذه السطور هو صاحب كتاب (نجديون وراء الحدود)، الذي سرق منه باعتراف السارق، كما هو معروف، وغيره من الكتابات في الداخل والخارج، وقد عايش ستة ملوك في السعودية، وعمل فترة عند المؤسس الملك عبدالعزيز بن سعود، الذي كان يثق به ويوده، وكانت له كتابات معبرة عن قناعة، وليست لأي سبب آخر، في الدفاع عن هذه البلاد وأهلها ضد الافتراءات التي كانت تدغدغ عواطف البعض في السعودية، وخارجها، ومنها بعض المقالات الأسبوعية في جريدة الحياة البيروتية بتوقيع عربي (لظروف خاصة) فترة الرئيس كامل مروة. ومروة كان من أبرز الصحفيين العرب، وجريدة الحياة كانت من أوثق الصحف التي يعتمد عليها العرب والأجانب.

أبناء الرس، (أهل الحزم)، وهي نخوة أهل الرس، معروفون بالشجاعة والشراسة في القتال، وكان آخر رئيس للهجانة للشريف حسين بن علي حاكم الحجاز عبدالله الدخيل (أبو محماس) من أهل الرس، أبناؤه موجودون في المدينة المنورة، وبعده ناصر بن دغيثر، وأهل الرس على مدار تاريخهم الناصع وموقفهم المعروف في دحر جيش إبراهيم باشا، ومنعه من دخول مدينتهم، وكان محمد جد ناصر بن دغيثر من أبرز المقاتلين المقاومين لجيش الباشا المحيط في الرس، وله قصائد وأهازيج في دحر الجيش الغازي.

هذا، ويستغرب الكثير عدم الاهتمام بهؤلاء الأبطال، الذين هم مفخرة للبلاد وأهلها، وعدم تسمية - على الأقل- شوارع أو ميادين وغيرها في الرياض وخارجها بأسمائهم. والله المستعان!!

yar@alrasheedgroupscos.com

رجوع

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة