Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناTuesday 02/04/2013 Issue 14796 14796 الثلاثاء 21 جمادى الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

عوالم السياسة والدبلوماسية عوالم تلعب فيها الإستراتيجيات، ويلعب فيها الفكر أدواراً مهمة لأنهما يضعان الأسس التي ترسم بموجبها خرائط طرق المواقف سواء كانت تلك دبلوماسية أو حتى عسكرية، فهناك من يطلق تسمية دبلوماسية القوة حتى على الحملات العسكرية.

والسياسة علم بالمفهوم الإنساني، وليس بالمفهوم الطبيعي، فليس بها قوانين ثابتة، ولا أحكام قطعية أو مواقف نهائية، وهي تتغير بسرعة كبيرة أحياناً، ولذا فدراسة سياقاتها مهمة جداً لمعرفة توجهاتها، ولذا عرفت السياسة بفن تحقيق الممكن. وإذا طبّقنا وجهة النظر هذه على الظروف المستجدة على الأمة العربية وجدنا أن مشكلتنا الأساسية هي عدم قدرتنا على تشخيص الواقع: لا نعرف كيف وصلنا إلى هذا الوضع ولا إلى أين سننطلق منه؟.

فالأزمات كالمادة لا تفنى ولا تخلق من العدم، وعلاجها في معظم الأحيان لا يقبل أنصاف الحلول، فالفكر السياسي العربي الحديث، إذا جاز لنا إطلاق مثل هذا الوصف عليه، ينطلق من اعتقاد راسخ أن القوة والمال هما كل ما تحتاجه السياسة، ولذلك لجأت معظم الدول العربية لاحتكار هاتين السلطتين وتعاملت مع أزماتها من هذه المنطلقات.. فما دور الفكر إذاً؟ دور الفكر أنه يُوفر ويُقنن دور المال والقوة في تحقيق الأمنين الداخلي والخارجي لأي دولة كانت، ويكفل أيضا استمرار هذا الأمن، فالعلاج القمعي الذي وظّف في الماضي لقمع الأقليات أو التوجهات السياسية المعارضة ولَّد عنفاً مضاداً وحاجات جديدة لصرف مزيد المال والسلاح، واعتماد مزيد من القمع لحل الأزمات المتوالدة من بعضها. الدول العربية بمجملها في حالة استنفار مكلف شبه دائم، وترى نفسها تحت تهديد مستمر لأن الجذور الحقيقية لأزماتها لم تكشف، وإن كشفت لا تُعالج. وهي في الغالب تتركز في غياب الفكر الموضوعي والفكر الإستراتيجي. استخدم السودان القوة مع الجنوبيين، والآن الجنوبيون يزعزعون استقرار سودان الشمال، ودمّر عبد الناصر الإخوان بالقوة والسجن فيما مضى، وها هم اليوم الإخوان يهددون الآخرين بالأسلوب ذاته. العراق فشل في حل مشكلة الأقلية الكردية واليوم هم من يحكم العراق، والحقيقة أن انعدام العدل وانتشار الفقر في بعض الدول أدى لاضطرار السلطات لزيادة إحكام قبضتها على شعوبها لتتفجّر الشعوب بعد ذلك غضباً.. والمثل الصيني يقول: يلجأ للقوة من يفتقد العقل، وعدل عامل ربما وفّر استقرار قرن، والتاريخ أثبت أنه لا سلم مع الاستئثار والاستبداد.. والاستبداد عادة لا يُعمّر.

أزماتنا، ومن بينها أزمات بعض الحكومات مع شعوبها، أو مع بعض منهم عرَّضت حكومات المنطقة لضغوط هائلة يُمارسها الغرب والولايات المتحدة الأمريكية عليها، لاعتبارات قد تكون أحياناً داخلية، أو لابتزاز هذه الدول لمواقف إقليمية تتعارض مع مصالحها القومية أحياناً أخرى، مما يزيد تفاقم الفجوة بينها وبين شعوبها.. فالبراقماتيكية الأمريكية، مثلاً، هي مبدأ الاستفادة من الظروف المتاحة إلى أقصى درجة ممكنة، أياً كانت هذه الظروف، ونحن الذين نخلق الظروف التي تتصرف على ضوئها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه المنطقة، أي أننا نحن من يُحدد سياسة أمريكا في منطقتنا.

الفوضى تعصف بنا في كل مكان، فلو كان للنظام السوري عقلٌ رشيد وفكر نيّر لما تورط في مثل هذه الحرب البشعة مع شعبه.. ولكنه اعتمد للحظة الأخيرة سياسة القمع الوحشي بالجيش والشبيحة، وشراء الولاءات بالمال الوفير الذي احتكره، ودخل في تحالف إقليمي أقل ما يُقال عنه أنه غبي، تحالف مع نظام كانت المنطقة التي تنتمي إليها سوريا في حرب مستمرة معها.. وإيران بدورها لم تهمها مصلحة النظام السوري فدفعته طيلة هذه الأعوام لمزيد من البطش والاستبداد بشعبه، ومنطقياً كانت النتيجة ما نراه اليوم من حرب بغيضة.. أما إيران فتُخطط بشكل مدروس وهو التوسع في المنطقة وإثارة نزاعات خارجية لتقوية جبهتها في الداخل من جهة، ونقل حروبها خارج حدودها من جهة أخرى.. وللذكر فقط، فإيران لم تُشاطر سوريا أياً من منجزاتها العلمية والتقنية، واكتفت بتزويده بسلاح البطش والكلام ذاته ينطبق على دويلة حزب الله في جنوب لبنان.

الدول المحيطة بهذا المشهد كان ولا يزال لديها مشكلة كبيرة في تشخيصه أو التنبؤ بالسيناريوهات المحتملة التي يمكن أن يؤول إليها، والاستعداد لها.. وما زالت الدول العربية ممثّلة في الجامعة العربية تعيد لعب أسطوانتها المشروخة مطالبة المجتمع الدولي لتحمُّل مسئولياته، مسئوليات هي في صلب مسئوليتها هي ومن أجلها أنشئت.. ودول الخليج مثلاً لم تدرس دراسة جدية الآثار الديمغرافية والثقافية، ونستطيع القول الاستيطانية أيضاً، للعمالة الآسيوية الوافدة بكثافة إليها.. وهي ربما في غفلة عن أن هذه العمالة ربما لن ترحل، وأن بعض دول هذه العمالة تسير بخطط حثيثة لأن تصبح دولاً عظمى على مستوى العالم، وقد تكون كذلك في غضون عقود قليلة.. وكلما ازدادت قوة هذه الدول انفتحت شهيتها للتوسع والضغط لاستثمار هذه الجموع.

النظر للأمور بموضوعية وهدوء يُوضح أيضاً أن الصدام مع أمريكا، في هذا التوقيت على أي صعيد، ليس في صالحنا وبالخصوص في هذه المرحلة، ومن يقولون بغير ذلك يُخطئون تقدير الأمور بتغليب الشجاعة على العقل، لأن الصدام مع أمريكا لا يُشكّل مجازفة غير محسوبة فحسب، بل ربما يكون عملاً انتحارياً.. ولكن هذا لا يعني التسليم بشكل تام للضغوط الأمريكية ولكن التعامل معها بفكر وإستراتيجيات ذكية.. وهذا بالتأكيد يتطلب رؤية إستراتيجية للأمور تخرجنا من دائرة ردود الأفعال إلى دائرة خلق الأفعال والتفاعل معها بشكل إستراتيجي شامل مستمر يسمح بتقييم الأمور واتخاذ المواقف بشكل صحيح. فما تقوم به أمريكا في الواقع، وفي ظل أزماتها الاقتصادية، هو الهروب بالاندفاع للأمام بهدف تأزيم المنطقة على أمل أن يُؤدي ذلك لصياغة جديدة للسياسات فيها.. وقد استطاعت إسرائيل بكل دهاء، وبتشخيص حقيقي للمنطقة، وبالطرق المشروعة وغير المشروعة، استثمار أحداث المنطقة وتخبط السياسة الأمريكية فيها بشكل أسهم مباشرة في تأزيم العلاقات بشكل أكبر بين الحكومات العربية والإدارات الأمريكية المتعاقبة.. أما كيفية التعامل مع هذا الوضع فيتطلب رسم إستراتيجية تنطلق من ثلاثة محاور: الأول منع الوضع العربي من التردي والتّشظي أكثر مما هو عليه الآن بأي شكل من الأشكال؛ ثانياً، التعامل مع الضغوط الأمريكية بشكل يُقنع الأمريكيين بأن هذه الضغوط قد تُؤدي إلى عكس ما تتوخاه الإدارة الأمريكية منها؛ ثالثاً، الاستفادة بأكبر قدر ممكن مما أفرزته الأوضاع مؤخراً، لا محاولة إنكار هذا الواقع.. فمن الممكن أن تخرج إحدى القمم العربية بتوصيات حول أفضل السبل لاستيعاب الأموال العربية التي يحتمل إعادتها من الغرب، ورسم إستراتيجيات اقتصادية متصورة ومرنة على هذا الأساس حتى ولو لم تقم الدول العربية بمثل هذه الإجراءات عملياً، وكان ذلك من قبيل المناورة فقط، فالهدف هنا يكون إثارة قضية حجم الاستثمارات والمصالح الاقتصادية مع أمريكا والغرب وتسليط الضوء عليها باستمرار مما يُساهم في توعية الرأي العام الأمريكي والغربي بمصالحه مع العرب والمخاطر التي يجلبها الدعم الأعمى لإسرائيل على هذه المصالح.

كما أنه مما لا شك فيه فإن المواجهة المستقبلية مع أمريكا سيكون محورها الشعوب، سواء الشعوب العربية أو الشعب الأمريكي المُهمَّش إلى حد كبير في الإستراتيجيات العربية.. فستحاول أمريكا استمالة بعض الشعوب العربية بوعود وهمية مثل الديمقراطية والإصلاح بهدف إثارة المتاعب للأنظمة وخلق تباعد بين الشعوب العربية وحكوماتها لإضعاف الحكومات، وعليه فلا بد أن تقوم الحكومات بخطوات لاستباق ذلك والتقرب للشعوب وإجراء بعض الإصلاحات، لا سيما وأن هذه الإصلاحات هي على المدى البعيد في مصلحة الأنظمة وستسهم إلى حد كبير في رصّ صفوف شعوبها خلفها.. ولذا فيجب على الحكومات التخلي عن الاعتقاد الخاطئ بأن منحها مزيداً من الحقوق والتمثيل لشعبها يفقدها جزءاً من هيبتها.. والله من وراء القصد.

latifmohammed@hotmail.com
Twitter @drmalabdullatif- أستاذ في جامعة الملك سعود

سلاح الفكر.. وسلطة السلاح
د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة