Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 05/04/2013 Issue 14799 14799 الجمعة 24 جمادى الأول 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

هُذيل بن رُزين أحد حكام طوائف الأندلس، استبد بما تحت يده، فأصبح حاكماً مثل أقرانه، لكنه كان حذراً محايداً ينأى بنفسه عن الدخول في الصراعات، وساعده في ذلك محبة شعبه لـه، وقد حكم نحوا من ثلاثة وثلاثين عاماً، وقد كان جباراً قتل والدته بيده في قصة ليس من المستحسن إيرادها، ورأى من رأى أن ذلك من كمال مروءته، وهذا نعت غير صائب، وكان بارع الجمال، حسن المعشر، وقد عاش حياة مترفة، فسارع إلى اقتناء أجمل الجواري، ومنهن تلك الغادة التي اشتراها من الكناني، والتي قال في وصفها ابن حيان بأنه لم ير في زمانها أخف منها روحاً، ولا أسرع حركة، ولا ألين عطافاً ولا أطيب صوتاً، ولا أحسن غناء، ولا أجود كتابة ولا أبدع أدباً، ولا أحضر شاهداً، مع السلامة من اللحن في الكتابة والغناء، لمعرفتها بالنحو واللغة والعروض.

وكان في بلاط هذيل أجمل جواري عصره البارعات في الغناء والموسيقى، وكانت جلسات أنسه أجمل جلسات عصره، وقد جمع من الجواري نحواً من مائة وخمسين، ومن الوصفاء الصقالبة ستين وصيفاً، وكان وافر الجود والكرم، فسيح الجناب للقُصاد، ولا شك أن من كانت هذه صفته جلب محبة الناس إلى قلبه، وكثر زواره، وتراحم رواده، فالطير يقع حيث ينثر الحب، فلو لم يكن حب، لما وقع الطير، فما للطير والأرض القاحلة والممحلة، وهكذا بنو البشر على مر الدهور، وليس المال وحده، الجالب لمحبة الناس، لكن مع أهميته هناك حسن الخلق والتعامل، وقضاء حاجة الناس والعدل بينهم في شؤونهم.

بعد موت هذيل خلفه ابنه عبد الملك بن هذيل، وقد حكم نحو ستين عاماً، وسار على سياسة أبيه في اتخاذ الحياد نهجا في مسلكه السياسي، ويصف ابن حيان لنا حال عبد الملك وهو من معاصريه فيقول : « إنه كان سيئة الدهر، وعار العصر، جاهلاً لا متجاهلا، خاملاً لا متخاملاً، قليل النباهة، شديد الإعجاب بنفسه، بعيد الذِهبة بأمره، زارياً على أهل عصره، إن ذكرت الخيل فزيدها، أو الدهاة فسعدها وسعيدها، أو الشعر فجريرها وأُسيدها، أو الأمراء فزيادها ويزيدها أو الكتاب فبديع همزان، أو الخطابة فقس سحبان، أما العلم فليس منه ولا كرامة، خلي من المعارف، وشعره أهتف من كل هاتف.

وأقول : « إن أجمل ما يميز شيخ المؤرخين في الأندلس ابن حيان صاحب الكتاب الشهير (المقتبس) أنه يقول في كل فرد محاسنه وعيوبه، كما يراها بمنظاره، فلا يجعل من يتحدث عنه ملاكاً لا يتصف إلا بالصفات الجليلة، ولا رديئا لا يتحلى ببعض الخصال الحميدة، إلاّ إذا كان كذلك، كما كانت حال المستكفي والد ولاّدة الشاعرة المشهورة وصاحبة ابن زيدون الغني عن التعريف، لكن هناك من ألف البدء بالتمليح والإسهاب في المديح كما هي عادة الفتح بن خاقان.

وهنا يستحسن التوقف عند هذا الكلام لنقول: إن المؤرخ المنصف هو ذلك الذي يقول ما يراه صواباً دون غاية بعيدة، أو نيل جائزة قريبة، وقلما نجدها إلاّ في مؤرخ مقتدر مثل ابن حيان الذي كان صوتاً مميزاً في تاريخ الأندلس، لكن معاييره في الخمول من عدمه تتمثل في صراعه مع الأعداء ولاسيما النصارى المحيطين بهم من كل جانب.

إن كثيرا من المؤرخين المداحين قد قصروا في نقل الحقيقة للأجيال اللاحقة، فأسهبوا في المديح والإطراء، وأخذوا جانباً واحداً لغاية معينة دون غيرها، وكأن بعض من كتبوا عنهم لغاية معينة كاملو المحاسن والصفات، ومن كتبوا عنهم لمناوأتهم لممدوحهم مكتملو المثالب والعيوب، وهذا لا يتفق مع الطبيعة البشرية للإنسان الذي لا يخلو من محاسن أو عيوب، لكنها تزيد وفرة عند بعضهم وتقل عند آخرين، وما كانت العبرة بعدد المحاسن والعيوب، لكن العدد ونوع تلك الصفات هي التي يمكن من خلالها أن يحكم على الفرد سواء في حياته أو بعد مماته.

ولهذا فإن التاريخ ليس بالضرورة أن يكون منصفاً، فعواطف المؤرخين وأهواؤهم وغاياتهم تلعب دوراً هاماً في صنع صفات من مضوا، ولذا كان ابن حيان شيخ المؤرخين مرجعاً اعتمد عليه من جاء بعده، لكونه ينقل الحقيقة كما يراها، وقد أنصفه المؤرخون اللاحقون كما أنصف من سبقه أو عاصره.

نوازع
آل رُزين في سانتامريه
د.محمد بن عبد الرحمن البشر

د.محمد بن عبد الرحمن البشر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة