Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 08/04/2013 Issue 14802 14802 الأثنين 27 جمادى الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

نحن اليوم في عصر بات الواقع فيه (أقرب) إلى الخيال إن لم يكن (أغرب) منه أحياناً! وتدليلاً على ذلك سأنقل عبر السطور التالية ما رواه لي صديق قبل حين من الزمن حديثاً فيه من الطرافة قدر يوقض الابتسامة النائمة، وفيه من (الفكاهة) قدر من (المرارة) يتنافس عليها (الضحك) البريء والألم (المطرز) بالحزن!

***

وما يشدني في هذه (الرواية) ليس مدى صلتها قرباً من الخيال، أو نأياً عن الواقع، فدنيانا نحن معشر البشر، الماضي منها والحاضر، مترعة بمثل هذا النسيج العجيب من الحكايات (البيروقراطية) التي يتنافس على (أُبوّتِها).. الحقيقة والخيال معاً! وأزعم أن من يقرأ هذه الحكاية، قد يجزم أن لا خيالَ فيها، ما دام أن إنساناً متدثراً بـ(البيروقراطية) هو بطلها، بدءاً ونهاية!

***

والآن.. دعونا نتابع وقائع هذه الرواية:

مواطن مغلوب على أمره في شأن من شئون حياته تقوده خطاه يوماً إلى إحدى المصالح الحكومية لمتابعة شأن له كان قد أحيل إليها من إدارة أخرى، وكان المواطن يحمل معه (قسيمةَ) مراجعة تضمّ رقم وتاريخ معاملته، وكان يمنيّ النفسَ بالأمل أن تنتهيَ معاملتُه و(معاناته) صباح ذلك اليوم.. بعد أن أعياه الجهدُ، وكدُّ الذهن وشقاء الوجدان بحثاً عنها.. ومتابعتها، هنا وهناك!

***

يصل المواطن إلى الإدارة التي تستضيف معاملته.. والابتسَامةُ لا تفارق شفتيه تفاؤلاً بما هو قادم، وبعد دقائق من البحث والسؤال، يجد نفسه أمام الموظف المختص بموضوعه.. وكان غارقاً بين رُكام الملفّات والأوراق المنتثرة ذات اليمين وذات الشمالِ، ويبادر المواطنُ الموظفَ بالتحّية.. فيستقبلها الأخير بنصف ابتسَامة.. تسبقها عبارة (أيّ خدمة) ثم يسلمّه (قسيمةَ) المراجعة التي بحوزته.. وقلبه يعزفُ دقاتٍ من الفرح والقلق معاً!

***

ينظر الموظف إلى القسيمة.. وبها يهتدي إلى معاملة المواطن، فينتشلها من بين (هضاب) الأوراق بين يديه.. ويتأمّلها، وفجأةً يرفع بصَره الغائرَ خلف نظارتين سميكتيْن أبلاهما التعب مخاطباً المواطن: هذه معاملتك.. حقاً.. لكن، هناك اختلاف يسير بين رقمها، والرقم المدوّن في (قسيمة) المراجعة التي جئت بها، فالصفر في الخانة اليمنى من رقم القسيمة مفقود!

***

ويرد المراجع مفجوعاً، وهو لا يكاد يصدق أذنيه:

(وما الحل؟)، ويأتيه الرد قاصفاً قاصماً: عدْ إلى الإدارة التي سلّمتك القسيمة لإضافة الصفر المفقود! ويعاجله المراجع قائلاً: ولكن بأي وزر تعطل مصلحتي ما دامت (معاملتي) رابضة بين يديك اهتداءً بقسيمة المراجعة التي كانت بحوزتي؟ ثم إن عدم وجود (الصفر) في هذه القسيمة لا يسوّغ لك عقابي.. بالعودة من حيث أتيتُ بحثاً عن صفر مفقود!

***

لم يمهله الموظف الغارق في (بيروقراطيته) كي يكمل حديثه، فقاطعه في الحال: (هذا هو النظام) ثم ناوله القسيمة، وعيناه زائغتان وكأنه يندب حظه الذي ساقه إلى هذا المكان، وهنا بلغ المواطن من الاحتقان حداً جعله يخرج قلماً من جيبه ويضيف (الصفر) المفقود إلى الخانة اليمنى من رقم القسيمة.. قبل أن يعيدها إلى الموظف بصوت منشطر بين الحزن والانكسار!

***

هنا صاح الموظف: (هذا تزوير.. تزوير).. ويتدخل أهلُ الخير من الحاضرين لتهدئة روع الموظف والمواطن معاً، وأفلحوا في إقناع الموظف بأن إنجاز معاملة المواطن حق ملزم له، وأنّ ما فعله المواطن بإضافة الصفر المفقود أمر لا تزويرَ فيه، فقد غاب الصفرُ سهواً.. وعاد طوعاً، وليس في إعادته اعتداءٌ على حق!

وهنا، يتراجع الموظف عن غِيّه بسلام.. وينتصر العقل والعدل!

الرئة الثالثة
الصفر (البيروقراطي) الضالّ!
عبد الرحمن بن محمد السدحان

عبد الرحمن بن محمد السدحان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة