Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناWednesday 10/04/2013 Issue 14804 14804 الاربعاء 29 جمادى الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

يفصل ما بين إنشاء مركز الملك عبدالله الدولي لخدمة اللغة العربية واتجاه بعض المدارس الخاصة إلى التعليم باللغة الإنجليزية فراغ هائل أو حفرة واسعة عميقة، إذا لم يتم ردمها فسوف نواجه عما قريب وضعا ثقافيا مزدوجا؛

ثقافة وعاؤها اللغة العربية وأخرى وعاؤها اللغة الإنجليزية.

أو بتعبير آخر: سوف ينشق المجتمع إلى عالمين مختلفين فى الانتماء والفكر الثقافي والعلمي. لماذا يحصل هذا الانشقاق، وهل من ضرورة تدعو لذلك؟ هناك عدة اعتبارات يتخذها المتحمسون للتعلم باللغة الإنجليزية مبررا لتحول مدارسهم إلى هذا النمط التعليمي، من بينها: أولا أن التعلم باللغة الإنجليزية يهيئ الطالب للدراسة فى جامعات الدول المتقدمة وتسهيل القبول بها، وثانيا أن المنهج الدراسي بالإنجليزية أقوى من حيث المادة وينمي قدرة الطالب على التفكير العلمي؛ وبالنسبة للمدرسة يصبح الطريق إلى التميز والسمعة الرنانة مفتوحا.

ولا يغير من الأمر شيئا توفير مسارين فى المدرسة، هما المسار التقليدي الرسمي والمسار الأجنبي ليختار الطالب بينهما. كما لا يفيد الاحتجاج بأن دروس الدين واللغة العربية تبقى كما هي. فالواقع أن اللغة العربية لا تبقى كما هي، بل تتحول إلى لغة ثانوية - أو أنها تصبح هي اللغة الأجنبية.

ولا يهون الأمر بوجود مدارس أجنبية فى بعض البلدان العربية التى تأثرت طويلا بالثقافة الغربية.

وعندما أصدرت وزارة التربية والتعليم عام 1428هـ قرارا بالسماح لبعض المدارس الأهلية بتدريس المواد العلمية باللغة الإنجليزية ثار جدل فى وسائل الإعلام بين فريق تحمس لاتخاذ هذا التوجه نموذجا تعليميا، وفريق حذر من السير فى هذا الاتجاه لأن عواقبه الوخيمة أقوى من نتائجه المنتظرة، وأن السماح لبعض المدارس الأهلية بذلك سيخلق طبقية فى التعليم وسيعقبه السماح للعديد من المدارس حتى يتحول الأمر إلى سباق تجاري.

والآن وقد نما عدد المدارس السعودية الخاصة الآخذة بالمنهج الأجنبي - ومنها مدارس أهلية مرموقة وذات عدد ضخم من الطلاب - فلا أريد أن أبالغ فأقول إن خطرا يلوح فى الأفق وأن جحافله الزاحفة على اللغة العربية سوف تهزمها فى دنيا العلوم والتقنية، لأننا نملك من آليات التحصين والمواجهة ما يحتاج منا فقط أن نستعمله، ويكفينا تحجيم التوجه للمنهج الأجنبي إلى الحد الأدنى الضروري وإبقاؤه استثنائيا. أما الخطر الحقيقي فإنه يكمن فى الاعتقاد بأن اللغة العربية غير قادرة على استيعاب علوم العصر وتقنياته، وأن الوسيلة الوحيدة للحاق بركب التقدم العلمي والتقني هي التعلم باللغة الأجنبية.

ولا يمكن وصف هذا الاعتقاد بأقل من أنه ساذج. فنحن نرسل البعثات منذ عشرات السنين إلى الخارج للدراسة الجامعية والدراسات العليا، فيتخرج منها كوادر متخصصة حقيقة، لكننا نستورد معهم العلوم والتقنية جاهزة معلبة باللغة التي درسوها بها، لنعيدها على أسماع طلابنا فى الجامعات، ولنستهلكها كما هي فى حياتنا اليومية، فهل سيصنع طلاب المنهج الأجنبي غير ذلك بعد دراستهم فى الخارج وعودتهم منه؟ إذ لا يمكن بناء حضارة علمية دون غرس بذورها في التربة المحلية.

ويعيدنا هذا إلى مركز الملك عبدالله لخدمة اللغة العربية الذي أنشئ عام 1431هـ وعين الدكتور عبدالله الوشمي رئيسا له عام 1433هـ. لخص الدكتور الوشمي أهم أهداف المركز بأنها:

(المحافظة على سلامة اللغة العربية وإيجاد البيئة الملائمة لتطويرها وترسيخها ونشرها والإسهام فى دعمها وتعلمها ووضع المصطلحات العلمية واللغوية والأدبية والعمل على توحيدها ونشرها...)، وهذه الأهداف تذكرنا بمجامع اللغة العربية فى القاهرة وبغداد ودمشق وعمان.

والحق أن المجامع اللغوية ومثلها هذا المركز تصب اهتمامها على مادة اللغة من حيث هي مفردات ومشتقات ومصطلحات وأساليب تعلم، وهذه كلها أدوات توضع فى خدمة من يستفيد منها ويستعملها، لكن المجامع لا تؤلف الكتب العلمية ولا تترجمها ولا تخرج من يقوم بذلك؛ ولذا فهي لا تلاحق ما يستجد على مدار الساعة في عالم البحوث والابتكارات العلمية والتقنية، ومن ثم تنقله إلى أذهان الدارسين بلغتهم الأم.

هذه مهمة شاقة وتتطلب كفاءات عالية من المتخصصين فى العلوم المختلفة ويجيدون اللغتين العربية والأجنبية ولديهم القدرة على أن يترجموا ويؤلفوا ويدرسوا باللغة العربية، كما تتطلب مراكز للترجمة لديها الإمكانات البشرية والتنظيمية ووسائل الاتصال بمصادر المعلومات والأموال اللازمة لذلك كله؛ فالمطلوب ضخم بقدر ضخامة المواد العلمية المطلوب تعريبها.

ليست الترجمة هي الهدف النهائي، ولكنها أساسية لتعريب ما يدرس الآن باللغة الإنجليزية، وأساسية للتواصل مع العالم ومتابعة ما يستجد من بحوث واكتشافات ونظريات.

وربما يعود التأخير فى تنفيذ مشروع المركز الوطني للترجمة - الذى أعلنت كلية اللغات والترجمة بجامعة الملك سعود فى جمادى الآخر عام 1429هـ انه ينتظر موافقة مجلس التعليم العالي - إلى إدراك تعذر تنفيذه بالإمكانات المتاحة بشريا وماليا.

وقد أجاب الدكتور أحمد زويل عندما سئل مرة عن دور الترجمة فى نقل التقنية والعلوم الحديثة بأنه لا يمكن الحديث عن دور فعال إذا لم نكن نتقن لغتنا العربية. ومركز الملك عبدالله لخدمة اللغة العربية -وإن كان لا يستطيع بمفرده تحقيق جميع أهدافه- إلا أنه يستطيع الإسهام فى الرقي بمناهج وطرق تعليم اللغة العربية منذ الروضة وحتى نهاية مراحل التعليم بهدف واضح هو الوصول فى النهاية إلى القدرة التامة على التعبير باللغة العربية الفصحى كتابة وشفاهة، علما وعملا - وليس مجرد الانتهاء من مقرر معين والنجاح فيه، فمثل ذلك يقوم به التلقين الذى لم يفرز سوى مستويات ضحلة فى العلوم كافة بما فيها اللغة الأم.

وقد كتب الدكتور ابراهيم الشمسان فصلا ممتعا حول تعلم اللغة العربية ضمن كتاب أصدره مركز حمد الجاسر الثقافي عن الدكتور عبد العزيز المانع - تكريما له- ركز فيه على أولوية تعلم المهارة اللغوية والتدرج فى التدريب عليها قبل قواعد النحو والصرف وعدم مزاحمتها بمقررات أخرى.

إن إجادة اللغة العربية مع إجادة لغة ثانية (غالبا الإنجليزية) سوف تمكن المتخصصين والأكاديميين من الترجمة والتعليم باللغة العربية العلمية، وهذه خطوة كبرى فى سبيل استيعاب علوم الحضارة الحديثه والمشاركة الخلاقة فى بناء نهضة أصيلة.

لكي لا تهزم اللغة العربية...فى عقر دارها
د. عثمان عبدالعزيز الربيعة

د. عثمان عبدالعزيز الربيعة

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة