Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 11/04/2013 Issue 14805 14805 الخميس 01 جمادى الآخرة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

لابد أولاً أن نعترف أننا في المملكة العربيَّة السعوديَّة نعايش ونتعايش مع ثقافات شعبية مُتعدِّدة ولها مظاهر ومعالم مختلفة تتقاطع أحيانًا وربما تتناقض وتتنافر في عدد من مفرداتها أحيانًا أخرى، كما أنّه يجب القول هنا: إن من الصعوبة بمكان أن تَتمكّن وأنت الشَّخص المهتم بالرصد الثقافي الوطني من الاطِّلاع على الخريطة الوطنيَّة للثّقافات الشعبية، بل من المستحيل أن تتعرف عليها بِكلِّ تفاصيلها وبجميع ألوانها وأطيافها خارج حدود أسوار الجنادرية، إِذْ لا يمكن لك -وأنت المرتبط بعمل يوجب عليك الوجود في مدينة ما من مدن هذا الوطن المعطاء- أن تسافر إلى جميع المناطق وتجوب هذه القارة مترامية الأطراف، وعلى افتراض أن ذلك تحقَّق لك فإنك لن تتمكن من معرفة أبرز معالم ثقافة هذه المنطقة أو تلك من زيارة خاطفة وسريعة.. ولذلك يمكن الجزم بأن المنظمين لهذا المهرجان الوطني المهم استطاعوا طوال هذه السنوات التي تزيد على الربع قرن بثلاثة أعوام أن يرسموا معالم خارطتنا الثقافيَّة بِكلِّ إبداع وإتقان وبامتياز، وذلك من خلال تخصيص بيوت متقاربة ومستقلة تعكس أول ملمح من ملامح الثَّقافة المناطقية ألا وهو البناء المعماري الذي عُرفت به هذه المنطقة أو تلك وصار معلمًا مميزًا لها.. وداخل هذا الكيان وبين جنباته وفي ساحاته تقرأ بِكلِّ سهولة ويسر ثقافة المائدة الشعبية، وتسمع ألوانًا من التراث، وتُروى لك قصص وحكايات، وترى وتشاهد صورًا وفنيات.. ومع كل هذا الجهد الذي حقَّه الشكر والإشادة إلا أنني أعتقد أن الرسالة التي يجب أن تضطلع بها هذه البيوت أكثر بكثير مما هو قائم اليوم، فالثقافات المناطقية تتجاوز الفلكلور الشعبي والأكلات والمنتجات المحليَّة والأعمال والحرف اليدوية والملابس الرِّجالية والنسائيَّة والحكايات والأحداث المروية إلى مسارات وأنساق عدَّة يجب أن ترى النُّور وتتعرف عليها الأجيال من خلال هذا المهرجان الوطني المتميز، كما أن من الأَهمِّيّة بمكان التعريف بعلمائنا الأجلاء، وأعلام مناطقنا الثقافيَّة، ومخرجات حركتنا الأدبيَّة، وكم أتمنَّى أن تقام داخل أسور البيوت ندوات تعريفية وتسويقية بِشَكلٍّ مبسط ومبتكر لهؤلاء الرُّواد والأعلام، وتكون الجنادرية الحدث الثقافي الأبرز وطنيًّا وعربيًّا فرصة سانحة لرسم معالم هويتنا الثقافيَّة السعوديَّة - العربيَّة - الإسلامية - العالميَّة بِكلِّ تفاصيلها وبجميع مفرداتها، وهنا لاُدَّ أن أسجل الشكر والتقدير لقنواتنا الإعلاميَّة لحرصها الواضح على إبراز هذا الملمح المهم في سجل تاريخنا الثقافي الشفهي الذي ما زال بعيدًا عن الرصد والتَّدوين إلا النُّزر اليسير منه.

لقد غيّر النفط ملامح الإنسان السعودي، وأثّر بصورة أو بأخرى على نهجه الحياتي، وجاء على شيء من سلوكياته اليومية، وبدّل بعضًا من قناعاته المجتمعية، وهزّ عددًا من أعرافه المحليَّة، والجنادرية تعيد عجلة التاريخ، لتذكرنا بذواتنا، وتبصرنا بماضينا، وترسم لنا ملامح حكايتنا منذ التأسيس وحتى الساعة، وتتيح لِكُلِّ منّا فرصة سانحة ليتعرف على جوانب مهمة من خريطة ثقافتنا المحليَّة، هذا لِمَنْ كان جادًا في اكتشاف هذه الجوانب.. ولا ينفى الثناء هنا على هذا المنجز الوطني الفريد القول: إن هناك سلبيات ومؤاخذات رصدها وسعى إلى التنبيه عليها ومِنْ ثمَّ تلافيها العلماء ورجال الحسبة واللجان والهيئات المختصة التي هي نتيجة متوقعة لتجَمع ذي أطياف ومرجعيات وأعمار وهموم وتصورات و... مختلفة.

في الوقت ذاته يلتقي أيام الجنادرية المُثقَّفون السعوديون من مختلف مناطق المملكة، وتدور بينهم أحاديث الساعة، ويتحاورون مع بعضهم بعْضًا عن همومهم وواقعهم ورؤيتهم المستقبلية لثقافتهم الوطنيَّة بجميع مساراتها وبكل أنساقها، ليس هذا فحسب، بل إن هذا الحدث الثقافي المهم فرصة فريدة لهم جميعًا للِّقاء المُثقَّفين والكتَّاب والمفكِّرين العرب والمسلمين، بل وحتى الغربيين والشرقيين الذين يملكون رؤية عالميَّة خاصة، ولهم رأيٌ صريحٌ في عالمنا العربي نختلف معها أو تتفق، لا يهم المهم أن نلتقي مع هذه النُّخب المختارة لنتحاور ولنتعرَّف عن كثب على ماهية الحراك العالمي سواء في بعده الأيديولوجي أو الاقتصادي أو السياسي أو حتَّى العسكري الإستراتيجي.

إن من عايش هذا المهرجان يعرف جيّدًا كم هي المساحة الإيجابيَّة التي يتحرَّك فيها العنصر الثقافي فينا حين نظفر بمثل هذه الأعمال الإبداعية النوعية، فالشكر لله أولاً، ثمَّ لخادم الحرمين الشريفين الذي يولي الثَّقافة والمُثقَّفين الاهتمام والرِّعاية والدَّعم والمؤازرة والشكر موصول لجهاز الحرس الوطني واللجان المنظمة وعلى الرحب والسعة ضيوف المهرجان، دمتم بخير ونلتقي بكم على خير وإلى لقاء والسَّلام.

الحبر الأخضر
خارطة الثقافات الشعبية في المملكة ودور (مهرجان الجنادرية) في التعريف بها
د.عثمان بن صالح العامر

د.عثمان بن صالح  العامر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة