Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 15/04/2013 Issue 14809 14809 الأثنين 05 جمادى الآخرة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

جهزت وزارة العمل التشريعات والتنظيمات لإصدار قرار من جهة الاختصاص لإنشاء مشروع «الاتحاد العام لعمال المملكة العربية السعودية» من خلال لجان قانونية مشكلة من عدد من الجهات المختصة، يعنى بتحسين مستوى العاملين السعوديين في المنشآت الكبرى التي.....

يعمل فيها 100 عامل سعودي فأكثر.

كان العمال يشكّلون غالبية الطاقة البشرية المنتجة للاقتصاد الرأسمالي التقليدي حتى نهاية الثلث الثاني من القرن العشرين.. وكان حراكهم قد غيَّر شكل العالم، لكن مع بدايات الثورة التكنولوجية وانفجار المعلومات واقتصاد المعرفة، بدأ عدد ونفوذ العمال في انحسار.. وصار العمال أقلية في مجتمع المعرفة، ففي أوربا أصبحت نسبتهم لا تتجاوز الربع فيما الأغلبية صاروا موظفين يعملون في قطاع الخدمات وإنتاج المعرفة. وفي السعودية يصل عدد العمال السعوديين إلى سبعمائة ألف عامل بين ملايين الموظفين.

وإذا كانت الاتحادات العمالية تشكل مصدر إزعاج للحكومات، فإنها الآن على العكس، أصبحت هذه الاتحادات تحتمي بالحكومة من القطاع الخاص ومن ارتباطه بالعوملة الرأسمالية ومن تكاتف رؤوس أموال الشركات العابرة للقوميات على حساب العمال، حتى صارت بعض الجهات الحكومية تسعى لإنشاء ودعم الاتحادات العمالية لأنها مكملة لدورها في حماية الاقتصاد الوطني وحقوق العمال، كما فعلت وزارة العمل.

مشروع قرار وزارة العمل لاتحاد العمال الذي يهدف إلى تحسين مستوى العمال السعوديين، موضحاً أن هذا التحسين يتركز في رواتب العاملين وترقياتهم وحصولهم على امتيازات العمل الممكنة، بالإضافة إلى تصحيح بيئة العمل والسلامة المهنية، وكل ما يتعلَّق بشروط التعاقد العادل بين صاحب العمل والعامل، وتظلّمات العمال.. يعني أننا إزاء مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني التي تتصف بثلاث خصائص: الاستقلالية عن الحكومة وعن أرباح القطاع الخاص، الدفاع عن حقوق أعضائها، وتحسّن مستوى المهنة لديهم. وسيكون أكبر تحد هو قدرة هذا الاتحاد على عمله بفاعلية وفق تلك المواصفات..

لو عدنا للسنوات القليلة الماضية سنجد أن نظام العمل السعودي لم يكن يسمح بإنشاء تنظيم أو لجان أو اتحادات عمالية، لكن بعد انضمام المملكة إلى منظمة العمل الدولية التي من شروط عضويتها وجود تنظيمات عمالية طبقاً للمعايير الدولية، تم إقرار إنشاء لجان عمالية داخل كل منشأة تُعنى بحقوق العمال، وإقرار حق العاملين إنشاء اللجان داخل المنشآت بالانتخاب دون الحصول على موافقة صاحب العمل. وقد تشكلت اللجان العمالية وكان الأساسيون الذين دخلوا في البداية، ثلاث جهات: (أرامكو، الاتصالات السعودية، الغرفة التجارية بالرياض)، ثم دخلت الشركات واحدة تلو الأخرى إلى أن أصبح عددها 27 لجنة من 27 شركة، كما يذكر رئيس اللجنة الوطنية للجان العمالية نضال محمد رضوان (صحيفة المدينة)، الذي يذكر أيضاً أنه أصبح هناك حراك جاد في مواكبة المتغيّرات العالمية بما يتناسب معنا.

ومنذ بضع سنوات حصل نوع من الحراك الثقافي والاجتماعي لفكرة مؤسسات المجتمع المدني وصدور قرار إنشاء لجان عمالية كان متزامناً مع تأسيس جامعات أهلية وإجراء انتخابات بلدية، وقيام جمعية مستقلة لحقوق الإنسان، وإقرار إنشاء بعض المؤسسات المدنية.. وتعتبر المنظمات التطوعية والجمعيات الثقافية والعلمية والخيرية ومجالس غرف التجارة والصناعة أنماطاً مؤسسية تمثِّل بوادر حركة مجتمع مدني. وفي ذلك السياق ظهرت دعوات لإنشاء اتحادات عمالية وطلابية ووظيفية كاتحاد للمدرسين، الأطباء، المهندسين، الصيادلة، المزارعين.. وتطوير الجمعيات التعاونية الموجودة التي تعاني ضعفاً وعدم فعالية..

وفي هذا الحراك المدني رفعت اللجان طلباً لوزارة العمل للموافقة على إنشاء مظلة تجمعهم تحت مسمى (اتحاد أو لجنة)، وأصدر مجلس الشورى توصياته، ثم صدر قرار من مجلس الوزراء، يسمح بإنشاء هذه اللجان داخل المنشآت قبل قرابة ثلاثة أعوام، كما أوضح رضوان.

الآن لم تعد القضية في إقرار مؤسسات مدنية مثل اتحاد العمال، إنما في مواجهة أهم التحديات للمؤسسات المدنية، وهي الناحية الوظيفية وفاعلية أدائها، وذلك - في تقديري- ناتج عن مشكلة كبرى تعاني منها المؤسسات الحالية، وهي المشكلة الاجتماعية. وأقصد بها منظومة القيم الاجتماعية والثقافية وما يتبعها من فهمنا قانونياً ومؤسسياً للمؤسسة هل هي مؤسسة أم أفراد نافذون على الطريقة الاجتماعية القديمة: المشيخة، كزعماء القبائل أو كبار التجار؟ ومن ثم طريقة تعاملنا مع تلك المؤسسة وطريقة فهمها لنفسها وتطبيقها لأعمالها.

لذلك نجد دائماً تخوفاً يبديه الأفراد الذين تنطبق عليهم شروط العضوية في المؤسسة بأنها مجرد مظهر دعائي مما ينتج عنه عزوف عن العضوية. وهذا ما ذكره رضوان من أنه في البداية تشكيل اللجان العمالية لم يكن العمال معتادين على هذه التنظيمات أو اللجان، فبعضهم كان يخشى الدخول فيها لعدم معرفته أو تحسباً من صاحب العمل.

أصحاب العمل قد يكونون أصحاب نفوذ ومقام اجتماعي رفيع، وكذلك كبار نقباء اتحاد العمال الذين قد يحموا الأعضاء عبر صفتهم الفردية وليس المؤسسية. فالصفة الفردية أو الشخصية تقوم على مبدأ نفوذ الأفراد «المشيخة» وليس مبدأ مجتمع المؤسسات والقانون الذي على أساسه تقوم مؤسسات المجتمع المدني. مبدأ المشيخة قد يكون مناسباً في المجتمعات التقليدية الصغيرة والمتقاربة لكن لا يبدو أنه ينجح في مجتمعات المدن الكبرى.

فالإيجابية العظيمة لمشروع النظام هذا ليست إلا القاعدة الأساسية الأولى في الموقع المناسب لبناء اتحاد عمالي، ويبقى تكملة البناء عبر مرتكزين أساسيين، هما: فعالية الأداء الوظيفي لهذا الاتحاد، ودرجة حريته (استقلاليته ومجال صلاحياته). فليس المهم هو مجرد إنشاء المؤسسة المدنية، بل المهم هو فعاليتها، فنحن نرى حالياً العديد من المؤسسات الاجتماعية والأدبية والعلمية والثقافية والصحفية والمهنية يكاد يكون أغلبها معطلاً أو قليل الفعالية!!

أخيراً، من المهم التذكير هنا بأن مشروع نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية الذي أقرَّه مجلس الشورى منذ أكثر من خمس سنوات، والذي نص في مادته الثانية على: تمكين المواطن وتعزيز مشاركته في إدارة المجتمع وتطويره، لا يزال ينتظر الإقرار الرسمي، فلا يجدر بمسميات مثل نقابات أو اتحادات أن تثير حساسية البعض بعد الآن.. فلهذه المؤسسات دور تكاملي مع الدولة.. دور يوازي ويدعم نشاطات الدولة وليس بديلاً عنها، ولا مجرد تابع لها..

alhebib@yahoo.com

مشروع وزارة العمل لإنشاء الاتحاد العام للعمال في المملكة
د.عبد الرحمن الحبيب

د.عبد الرحمن الحبيب

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة