Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 15/04/2013 Issue 14809 14809 الأثنين 05 جمادى الآخرة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

الوقت منتصف الليل، والنسمات شديدة البرودة. ومع ذلك اصطف جمهور أمام إحدى مكتبات طوكيو لاقتناء نسخة وصلت للتو من المطبعة وكأنما هم ينتظرون خبزا ساخنا على وشك الخروج من التنور يشعرهم بالدفء ويبعد غائلة الجوع عنهم.

لكنه الشغف للمعرفة وعشق الكتاب والقراءة، يجعل القارئ ينظر للكتاب على أنه رغيف المعرفة، منذ فجر الحضارة وما...

زال، ويحرص على اقتنائه طازجا يعبق برائحة الحبر ورحيق الفكر، حرص من يريد الخبز ساخنا تفتح رائحته شهية الشبعان عوضا عن الجائع. طوكيو، إحدى أهم عواصم العالم الاقتصادية حيث تحث الحكومة مواطنيها على أخذ إجازات دورية من أعمالهم لأن اليابانيين مدمنو عمل ولا يناظرهم في ذلك شعب آخر، ومع ذلك يجد فئة منهم الوقت للقراءة واقتناء كتاب ورقي وليس إلكترونيا في عاصمة صناعة الإلكترونيات في العالم. إنه رواية الكاتب الياباني هاروكي موراكامي التي تصدرت رواياته قائمة الروايات الأفضل مبيعا عالميا، وهي بعنوان: (تسوكورو تازاكي الباهت وسنوات الترحال).

وإذا كان اليابانيون يقرأون في القطار أو الحافلة أو الطائرة، أو في ظلال شجر الكرز في حدائقهم العامة، فهناك من يقرأ في ظل الاحتلال، هناك من يقرأ في رام الله، حيث الاحتلال الصهيوني يطبق على أنفاس إخوة لنا هناك، لكن أحفاد الجبارين صعب تركيعهم. أعجبتني حملة نظمها شباب وشابات في رام الله، لتوزيع حقائب تحوي مجموعة كتب متنوعة المعارف على سيارات الأجرة وحافلات النقل، هدفها التشجيع على القراءة وتمضية أوقات الانتظار الطويلة المضنية أمام حواجز الاحتلال التي تقطع مدن الضفة والقطاع المحتلة وتفصل أحياءها وشوارعها عن بعضها البعض، ويصير التنقل بينها سفرا طويلا، لذا فالكتاب سلوى ووقود صبر وسلاح مقاومة صامت. ويقول من شارك وأشرف على هذه الحملة إنهم أرادوا من أهالي رام الله، استبدال عادة استخدام أجهزة الجوال والإلكترونيات بما فيها من دردشة وألعاب بعادة تعود عليهم بنفع أكبر وهي القراءة واحتضان الكتب، خير جليس وآنس صديق. علامة تحضر وقوة روح ترهب العدو، تلك هي المعرفة التي يحرص الطغاة على ألا يتحلى بها من هم تحت حكمهم واحتلالهم. والفلسطينيون من أكثر شعوب الوطن العربي حصولا على التأهيل الجامعي إن لم يكونوا أكثرهم إطلاقا، حيث جعلهم الاحتلال وظروف النزوح أكثر إصرارا وتحفزا، وما هذه المبادرة إلا دليلا على هذه الحقيقة.

لم يمنع نمط الحياة وإيقاعها اليابانيين من الحرص على اقتناء الكتاب وقراءته، كما لم يمنع الاحتلال البغيض الفلسطينيين من الحرص المماثل وهم على ما هم فيه من المعاناة. سئل الشاعر الفرنسي فولتير عمن سيقود الجنس البشري فأجاب بأنهم أولئك الذين يعرفون كيف يقرأون!، والله يرعاكم.

omar800@hotmail.com

وقفة
بين رام الله وطوكيو
عمر إبراهيم الرشيد

عمر إبراهيم الرشيد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة